معلمة سورية تقف في الرقة وحيدة في مواجهة «الدولة»

انتقلت من الاعتصام في وجه قوات النظام إلى معارضة المتشددين

TT

تواصل سعاد، المعلمة في المرحلة الابتدائية والناشطة المعروفة في مدينة الرقة السورية، اعتصامها أمام مقر «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في الرقة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين. سعاد، التي تدون على صفحتها بموقع «فيس بوك» بعضا من جدلها معهم، تقول: «بالتأكيد لو كنت شابا لما تمكنت من الاعتصام، كانوا اعتقلوني أول دقيقة».

وبعد خروج مظاهرات في مدينة الرقة ضد جماعة «الدولة الإسلامية» للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين لديها من النشطاء المدنيين، دعا نشطاء مدنيون (شباب حلب)، لاعتصام مفتوح الساعة الواحدة من ظهر أمس أمام مقر «الدولة» التابعة لتنظيم القاعدة، عند دوار حي قاضي عسكر في مدينة حلب احتجاجا على اعتقال الجماعة، التي صارت تعرف باسم «داعش»، عددا من زملائهم، والمطالبة بالإفراج عنهم، و«تذكيرا لكتائب الجيش الحر أن السبب الرئيسي لحمل السلاح هو لحماية المتظاهرين لا لكتم أفواههم المطالبة بالحرية والديمقراطية»، بحسب نص الدعوة.

وبث ناشطون صورا للاعتصام في حلب ظهر فيه مجموعة من الشباب المدنيين يحملون لافتات تدين تصرفات جماعة «الدولة» وكتبوا عليها: «البعض لم يتعلم من الأسد أنه من المستحيل أن يسجن سوريا» و«إسلامي أو علماني أو ضراب السخن.. لا لتدخل العسكر في شؤون المدنيين» و«من حلب إلى الرقة تحية من أبو مريم للأب باولو المعتقل» و«ما فيك تلون هالكون مع بعضو بذات اللون وتبدل نظام الأرض وتغير مجرى الهوا» و«ما بتقدر شمسيتكن السوداء تحجب شمس الحرية».

وتزايدت في الفترة الأخيرة عمليات الاختطاف من قبل جماعة «داعش» للنشطاء الإعلاميين والمدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الكتائب الإسلامية المقاتلة في حلب والرقة، مما أثار الشكوك حول أهداف وخلفيات هذه الكتائب، لا سيما التابعة لتنظيم القاعدة. ويرى ناشط مدني في حلب في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن تلك الكتائب تتصرف مثل قوات النظام، مشيرا إلى أن متظاهرين حاولوا التحاور مع عناصر من «الدولة» من أجل الإفراج عن المعتقلين لديهم، فجاءت «ردودهم معنفة». يشار إلى أنه اختطف مؤخرا في حلب الناشط المدني الملقب أبو مريم، الذي دأب خلال الفترة الماضية على توجيه انتقادات لممارسات الكتائب المقاتلة في حلب. وقبله اختطفت مراسل قناة «أورينت» عبيدة البطل. كما شهدت محافظة الرقة تزايدا في حالات الخطف خلال الشهر الماضي بدأت بخطف رئيس المجلس المحلي للمحافظة عبد الله الخليل ثم خطف كل أعضاء المجلس المحلي في بلدة تل أبيض والناشط فراس الحاج صالح والناشط إبراهيم الغازي الذي أطلق حملة «علمنا» لرسم علم الاستقلال على جدران المدينة بعد السيطرة عليها وقائد لواء أمناء الرقة في الجيش السوري الحر الملقب بـ«أبو طيف»، وأخيرا الأب اليسوعي الإيطالي باولو داوليو الذي ذهب إلى الرقة للقاء قادة «داعش» للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين لديها من الناشطين، وما زال مصيره مجهولا.

وكان أول من بدأ الاحتجاج العلني على «داعش» في الرقة معلمة ابتدائي اسمها المستعار سعاد التي سبق أن فصلت من سلك التدريس في بداية الثورة، لمعارضتها النظام، ونشاطها في المظاهرات. واختارت سعاد الاعتصام وحيدة أمام مقر «الدولة» في مدينة الرقة حاملة لافتة كتبت عليها بألوان فاقعة: «لا للخطف، لا للاعتقال، لا للسرقة، باسم الدين». وتواصل سعاد اعتصامها منذ 24 يوليو (تموز) الماضي. وتقول سعاد إن فكرة الاعتصام وحيدة ليست جديدة عليها؛ «فقد فعلتها أيام سيطرة النظام على المدينة.. كانت أول لافتة رفعتها آنذاك (لا تعتقلوني.. اقتلوني قبل قتل أطفال حمص)». وبهذه اللافتة وقفت سعاد قبل عام ونصف وسط شارع تل أبيض، وهي سوق مزدحمة في مركز المدينة، متحدية الوجود الأمني، بحسب ما جاء في مقابلة أجرتها معها الإعلامية الناشطة زينة ارحيم ونشرتها على مدونتها، وتؤكد سعاد أن خوفها «انتهى مع أول رصاصة أطلقتها قوات الأمن على المتظاهرين في المظاهرة قبل أكثر من عام». وعادت لتعتصم ضد نظام جديد غريب، وعادت لتحمل اللافتات التي حملتها في المظاهرات ضد النظام. وقد استفزت هذه اللافتة أحد حراس «داعش» المقنعين ليصرخ بها: «بدك كل المعتقلين؟ كلهم سكرجية ومفاطير (مفطرين) وحرامية» فردت أنها تريد الأشراف، فكان رده: «لا معتقلين أشراف لدينا». وتقول سعاد إن «عمر أكبر العناصر سنا لا يتجاوز السابعة عشرة».

وفي حين تتزايد الاعتصامات في الرقة وتتحول إلى مظاهرات للناشطين المدنيين، تقول سعاد: «حذرني الكثير من الأصدقاء أن التعامل مع هؤلاء أصعب من النظام، ويحاولون إجباري على العدول عن قراري، لكنني عنيدة ومصرة على التظاهر ليعرف الخاطفون أن الرقة لها أهل وليسوا خائفين منهم» مشيرة إلى أن «الخوف ملموس بين الأهالي وحتى النشطاء المعارضين للنظام الذين فضل بعضهم الصمت لتأجيل المعركة لما بعد إسقاط النظام، وآخرين تركوها للمسلحين فيما بينهم». ما تفعله سعاد لا يتفق معه البعض من أهل الرقة رغم أحقيته، وأحد طلابها المنضم لـ«داعش» تقدم إليها في يوم من أيام اعتصامها وسألها: «كيف علمتنا الدين والأخلاق وتقفين هكذا؟»، فأجابته: «لم أعلمكم أن تصبحوا إرهابيين وتخطفوا من يخالفكم الرأي»، ثم جاءه صوت آمر بلهجة غير سورية أمره أن يعود وصرخ بها: «روحي من هين لا تضلي واقفة»، فسألت: «ليش هاد الشارع لمين؟»، فأجابها: «كان لبشار والآن أصبح لنا».