الكويت تنعى الداعية السميط.. الرجل الذي قضى نصف عمره بين فقراء أفريقيا

ترك الرفاهية وعاش في الأدغال.. وواجه المرض والسجن والمعاناة

د. عبد الرحمن السميط
TT

نعت الكويت أمس الداعية الدكتور عبد الرحمن السميط أمس، بعد معاناة طويلة مع المرض، ورحلة واسعة في الدعوة، التزم خلالها بالعمل الصامت، ورحل عن عمر يناهز 66 عامًا، قضى نحو نصفها في أعمال البر والخير متخصصاً بنشر الإسلام في القارة الأفريقية، وإغاثة المحتاجين، وفتح المؤسسات الخيرية، وإغاثة الفقراء.

ووجه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بإطلاق اسم الدكتور عبد الرحمن حمود السميط على شارع في الكويت العاصمة، «تقديرا لأعماله الجليلة وخدماته المتميزة في العمل الخيري والانساني». في حين سيوارى جثمانه الثرى صباح اليوم الجمعة في مقبرة الصليبيخات.

خاض السميط وهو مؤسس «جمعية العون المباشر»، التي كانت تعرف باسم «لجنة مسلمي أفريقيا»، ورئيس مجلس إدارتها، صراعاً طويلاً مع المرض بعد أزمة قلبية تعرض لها قبل أن يتوفى.

ونذر نفسه منذ السبعينات الميلادية للقيام بالأعمال الخيرية والدعوية في واحدة من أكثر المناطق في العالم التهاباً وفقراً وهي القارة الأفريقية، التي كانت الحروب تشتعل في أرجائها مخلفة أعداداً من الضحايا، كما كان الفقر والمجاعة والجفاف يفتك بالأطفال والنساء هناك.

ومثّل السميط الذي ولد في الكويت عام 1947 نموذجاً فريداً للعمل التطوعي، إذ كان طبيبا متخصصا في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، بعد تخرجه من جامعة بغداد بعدما حصل على بكالوريوس الطب والجراحة، ثم حاز دبلوم أمراض مناطق حارة من جامعة ليفربول الإنجليزية عام 1974، واستكمل دراساته العليا في جامعة ماكجل الكندية متخصصًا في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي.

كان السميط يعمل بفلسفة بسيطة وغير متكلفة بأعباء التسييس، تقوم على العطاء من دون الأخذ، وعلى ضرب أمثلة للدور الإنساني الذي ينهض به الداعية، وليس الاشتغال في الخطابات وإثارة التحزبات. فكرياً، لم يشتغل السميط بالسياسة أو تسلم المناصب الحكومية أو الأعمال الحزبية، بل أعطى نفسه كلياً لنشر الدين وتقديم المساعدة للمعوزين في أفريقيا خصوصاً.

ودع السميط حياة الرفاهية منذ ثلاثين عاماً متخذاً من الفقراء عائلة كبيرة ينضّم إليهم. وهو الرجل الذي حفر له قبراً في مدغشقر، ولم يدخر وسعاً في العمل المتواصل من أجل الإغاثة والعون جنباً إلى جنب مع حملات الهداية إلى الإسلام التي كانت دافعاً له لأداء هذا الدور. ولم يكن يقدم المال للفقراء، بل كان يعمل على توفير المشاريع الصغيرة التي تغني الفقراء وتسد حاجتهم، مثل فتح البقالات أو تقديم مكائن خياطة مع التدريب على ممارستها، أو إقامة مزارع سمكية، إلى جانب حفر الآبار، وفتح المدارس، وتوفير السكن، وبناء المساجد.

عرف السميط بتواضعه وزهده الشديدين، حتى أنه تبرع بقيمة بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام التي نالها، وتبلغ 200 ألف دولار (750 ألف ريال سعودي) لوقف تعليمي لأبناء أفريقيا.

حتى قبل أن يتوجه كلياً للعمل الخيري في أفريقيا، كان السميط شعلة من النشاط الإنساني أثناء دراسته الجامعية في الكويت أو الولايات المتحدة وبريطانيا، وذلك إبان بواكير أيامه في الكويت، حيث اهتم بالعمال الأجانب الذين كانوا يواجهون صعوبات في المواصلات العامة تحت أشعة الشمس الحارقة، فسعى مع زملاء لشراء سيارة قديمة لتوصيلهم. أما في الولايات المتحدة، شارك السميط في تأسيس جمعية الأطباء المسلمين، التي ترأسها لاحقا (1976)، كما شارك في تأسيس فروع جمعية الطلبة المسلمين في مونتريال بكندا خلال الفترة ما بين 1974 و1976.

خاض السميط حياة مليئة بالمتاعب والمشاق، وعلى الصعيد الشخصي، طالما أصيب بالعدوى من الأمراض الوبائية التي كانت متفشية بين النازحين والمهاجرين الذين يقدم لهم العون، كما تعرض لمحاولات اغتيال من عصابات أو ميليشيات مسلحة أو أطراف متصارعة، وكثيراً ما عرض حياته للمخاطر أثناء رحلاته المتكررة في أدغال أفريقيا وبعض تلك المخاطر كانت تستهدفه شخصياً، وبعضها كانت تحاصره كنتيجة لوجوده في أماكن خطيرة.

ولم يكن السميط يتمتع بحالة صحية حسنة، إذ واجه العشرات من الأمراض من بينها جلطة في القلب مرتين وجلطة في المخ مع شلل تشافى منه لاحقا، وارتفاع في ضغط الدم، ومرض السكري وجلطات في الساق، وتخشن في الركبة يمنعه من الصلاة من دون كرسي، وارتفاع في الكولسترول ونزيف في العين وغيرها.

في السبعينات، وحين كان السميط في بغداد، تعرض السميط للسجن سنة 1970 من قبل البعثيين الذين قاموا بانقلاب 17 يوليو (تموز) 1968، وكاد يواجه حكم الإعدام هناك. كما واجه السجن مرة أخرى على أيدي حزب البعث حين احتلوا الكويت في عام 1990، حيث تعرض لأصناف التعذيب.

وفي العراق أيضاً، تعرض السميط لحادث مروري بعد سقوط النظام السابق، مما أدى لإصابته بالعديد من المضاعفات الصحية.

كان السميط متأثرا بالرواد العالميين الذين نذروا أنفسهم للعمل لصالح البشرية، وقال في حوار أجري معه قبل عشر سنوات«كنا نفقد نحو ثمانية من العاملين معنا في الحروب الأهلية، وبالنسبة لي فقد أصبتُ مرتين بجلطة في القلب، وأمراض كثيرة، ولكن هذا كله يهون إذا عظم الهدف الذي نسعى إليه. لقد كان المخترع توماس أديسون يعمل أحياناً 36 ساعة متواصلة من دون راحة في اختراعاته، وعمل كولونيل ساندرز سنتين متواصلتين يحاول تسويق دجاج كنتاكي، وكان ينام في سيارته حتى نجح وأصبح للشركة الآن حوالي عشرة آلاف مطعم في العالم ومبيعاتها السنوية بآلاف الملايين».