اليابان تثير حفيظة جيرانها في ذكرى الحرب العالمية

آبي يخرج عن المعتاد ولا يعبر عن أي ندم.. واثنان من وزرائه يزوران نصبا تذكاريا مثيرا للجدل

ناجون من الحرب العالمية (يمين) يتلقون وردا ليضعوه أمام مقابر ضحايا الحرب، بمناسبة الذكرى الـ68 لاستسلام اليابان، في طوكيو أمس (أ.ف.ب)
TT

في خروج عن التقاليد المتبعة لم يعرب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أمس عن أي ندم تجاه آسيا لما تكبدته من معاناة بسبب اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ68 لاستسلام اليابان.

وفي حفل حضره إمبراطور اليابان أكيهيتو اكتفى آبي بتكريم ضحايا النزاع والدعوة إلى السلام، وقال: «لن أنسى أبدا أن السلام والازدهار اللذين ننعم بهما حاليا هما نتيجة تضحيتكم بحياتكم»، في إشارة إلى اليابانيين الذين سقطوا في حرب المحيط الهادي، وخلص إلى القول ببساطة: «سنبذل كل ما بوسعنا من أجل المساهمة في السلام في العالم».

وتعود رؤساء حكومات اليابان منذ عشرين عاما وبينهم أيضا آبي خلال ولايته السابقة (2006-2007)، على اغتنام فرصة هذا التكريم للتعبير عن الأسف لما ارتكبته القوات اليابانية من تجاوزات بحق سكان الدول المجاورة في آسيا.

وقبيل إلقائه هذا الخطاب زار وزيران يابانيان أمس نصب ياسوكوني التذكاري الذي تعتبره الدول المجاورة رمزا لماضي اليابان العدائي. وتوجه يوشيتاكا شيندو وزير الشؤون الداخلية والاتصالات في حكومة شينزو آبي اليمينية إلى هذا المعبد الشنتوي المثير للجدل بعد 68 سنة على هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، ثم لحقه بعد دقائق كيجي فورويا رئيس اللجنة الوطنية للأمن العام الذي صرح للصحافيين أن «الصلاة على أرواح ضحايا الحرب قضية محض وطنية، ولا يجوز للدول الأخرى أن تنتقد أو تتدخل في ذلك». كما انحنى أمام المعبد نحو 90 برلمانيا.

من جانب آخر، زار المعبد الذي يحرسه مئات الشرطيين العديد من اليابانيين «العاديين» من أبناء الجنود الذين سقطوا خلال الحرب العالمية الثانية، بينما كان ناشطون من اليمين المتطرف داخل المعبد يرفعون أعلاما تدعو الشعب إلى تكريم الضحايا.

أما رئيس الوزراء آبي فإنه لم يزر ياسوكوني لعدم الزيادة في تدهور العلاقات مع الدول المجاورة خصوصا الصين التي اشتد التوتر معها السنة الماضية بسبب نزاع حدودي. غير أنه كلف أحد معاونيه بوضع غصن شجرة «مقدسة» (لدى اليابانيين) عند النصب، وقال المساعد متحدثا لوكالة «جيجي» للأنباء إن آبي «يقدم أصدق تعازيه إلى أرواح أسلافنا ويعتذر لعدم حضوره إلى النصب».

وفي بكين أعربت وزارة الخارجية الصينية عن «إدانتها الشديدة» لزيارة الوزيرين اليابانيين نصب ياسوكوني، وأفادت أن الحكومة الصينية استدعت السفير الياباني لتنقل له احتجاجا رسميا. وقالت الخارجية الصينية إن زيارة الوزيرين «تمس» مشاعر الشعب الصيني، داعية طوكيو إلى إعادة النظر «بشكل جدي في ماضيها.. والتصرف بشكل عملي من أجل استعادة ثقة الأسرة الدولية وإلا فإن العلاقات بين اليابان والدول المجاورة لها لا مستقبل لها».

يذكر أن نصب ياسوكوني التذكاري الواقع في قلب طوكيو يكرم نحو مليونين ونصف المليون جندي سقطوا خلال الحروب الحديثة لكن الخلاف حوله ناجم عن إضافة أسماء 14 من مجرمي الحرب أدانهم الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أضيفت أسماؤهم في 1978 إلى الجنود المكرمين في النصب. ومن بين هؤلاء الجنرال هيديكي توغو رئيس وزراء اليابان عند وقوع الهجوم على بيرل هاربر في السابع من ديسمبر (كانون الأول) 1941 الذي دفع بالولايات المتحدة إلى إعلان الحرب. غير أن بعض العائلات اليابانية التي توجهت إلى المعبد أمس يقولون إنهم مسالمون. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن سوميكو ليدا (69 سنة) التي انتقلت إلى المعبد مرتدية ثياب الحداد تذكرا لوالدها الذي كان طبيبا في الجيش وقتل في جزيرة بورنيو (إندونيسيا) خلال الحرب، قولها: «أنا ضد الحروب قطعا، أتيت لأصلي على روح والدي». كما قال مساكي موموز (82 سنة) الذي توجه إلى المعبد لتذكر والده إنه ضد الحروب، «لكنني أعتقد أن على اليابان مناقشة أمنها بكل التفاصيل لأن الأميركيين قد لا يحموننا دائما».

ومنذ عودته إلى الحكم في ديسمبر الماضي بعد ولاية قصيرة وفاشلة (2006 -2007) زاد آبي في ميزانية اليابان العسكرية وأعلن أنه يريد تعديل الدستور المسالم الذي فرضه المحتل الأميركي بعد استسلام اليابان في 1945، الأمر الذي يثير مخاوف في المنطقة. ولا تزال علاقات اليابان بجيرانها تتأثر بما ارتكبته قواتها الإمبريالية من فظاعات خلال احتلال شبه الجزيرة الكورية (1910-1945) واحتلال قسم من الصين (1930-1945).

ويأتي الاحتفال بذكرى استسلام اليابان هذه السنة في ظروف توتر العلاقات الصينية - اليابانية منذ أن أممت اليابان في سبتمبر (أيلول) الماضي قسما من جزر سنكاكو في بحر الصين الشرقية. وتطالب بكين بتلك الجزر غير المأهولة والتي تسميها جزر دياويو، وتجوب بوارج حربية صينية بانتظام تلك المنطقة قرب خفر السواحل اليابانيين مما يبعث مخاوف لدى المراقبين من وقوع حادث مسلح بين القوتين. ولم تنظم أي فعاليات في بداية الأسبوع في الذكرى الخامسة والثلاثين لتطبيع العلاقات الدبلوماسية الصينية - اليابانية.