المصريون يستسلمون لحظر التجول درءا للخوف

انتشار لجان الحماية الشعبية.. وتحرر محيط «رابعة» و«النهضة»

TT

أصبح بإمكان المصريين الآن التجول بشكل عادي في محيط مسجد رابعة العدوية بضاحية مدينة نصر، وميدان النهضة بالجيرة، بعدما فكت أسرهما قوات الشرطة بمعاونة الجيش، وحررتهما من قبضة اعتصام أنصار جماعة الإخوان المسلمين والرئيس المعزول على مدار قرابة الشهر ونصف الشهر.

ورغم فرض حالة الطوارئ لمدة شهر، وحظر التجوال، على أثر تداعيات عملية فض الاعتصام، فإنه مع وقع أقدام المارة الخفيفة المثقلة بالشجن لما آلت إليه الأوضاع بالبلاد، بدا الميدانان وكأنهما ينفضان عن كاهليهما عبئا ثقيلا، ويستعيدان حيويتهما الجغرافية كمكانين متميزين في تضاريس العاصمة القاهرة وجارتها محافظة الجيزة، خاصة بعد رفع أطنان من المخلفات والحواجز والسواتر الخرسانية من الطوب والزلط والحجارة التي أقامها المعتصمون لصد محاولات فض الاعتصام بالقوة.

وكان لافتا للكثير من المصريين صور الميدانين «المختطفين» على شاشات الفضائيات، بعد أن اكتسيا حلة جديدة من الهدوء والسكينة، وتخلصا من صورة الأمس الدراماتيكية المربكة، المحفوفة بالشعارات والرايات والضجيج السياسي، وتوعد رموز النظام الجديد بالويل والثبور.

صورة الميدانين المحررين رافقتها صورة أخرى، وهي فرض الطوارئ وحظر التجوال لساعات محددة في 13 محافظة اندلعت فيها مصادمات دامية بين أنصار الإخوان والأهالي، لكن هذه الصورة ليست غريبة على حياة المصريين، فقد تعايشوا معها، على مدار 30 عاما من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، فخلال تلك الفترة تم فرض حظر التجوال مرتين، الأولى مع تفاقم مظاهرات جنود الأمن المركزي لتحسين مرتباتهم المتدنية في 25 فبراير (شباط) 1986، والاحتجاج ضد مد فترة التجنيد الإجباري لهم من ثلاث إلى أربع سنوات، وإشاعة حول تخفيض صغير سوف يلحق بمرتباتهم لسداد ديون مصر.. والثانية في 28 يناير (كانون الثاني) عام 2011، في أعقاب مظاهرات ثورة 25 يناير، التي أطاحت بنظام مبارك. كما فرض الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي حالة الطوارئ وتقييد التجوال على محافظات القناة الثلاث (السويس والإسماعيلية وبورسعيد) عشية صدور الحكم في قضية مذبحة استاد بورسعيد.

ورغم أن المصريين استطاعوا حلحلة حالات الطوارئ السابقة وحظر التجوال، وتعايشوا معها من منظور سياحي، وصل إلى حد الاستخفاف وكأنها لم تكن، بل اتخذوها ذريعة لتحدي النظام نفسه، مثلما حدث في واقعة حظر التجوال على المدن الساحلية، حيث سمح الجيش لسكانها بممارسة حياتهم العادية، إلى درجة إقامة مباريات لكرة القدم في الشوارع والميادين، بعد سريان الحظر ليلا، كان بعضها بين السكان وأفراد من الجيش نفسه.

ورغم انتشار اللجان الشعبية في الشوارع والميادين وعلى مداخل ومخارج الطرق الرئيسة في القاهرة والمحافظات، وتحولها إلى ظاهرة لافتة أصبحت ترافق حالة حظر التجوال.. رغم كل هذا عاشت القاهرة أمس ومعظم المحافظات التي شملها الحظر تطبيقا شبه صارم لحظر التجوال حيث لاذ المصريون ببيوتهم، واستسلموا لمتابعة الأحداث من خلال شاشات التلفاز، في مشهد يعيد للأذهان أجواء الحظر الذي تم فرضه عشية انتفاضة الأمن المركزي قبل 27 عاما مضت.

لكن عددا من المراقبين يرجع حالة الصرامة هذه إلى الاستشعار القوي لمغبة الخطر الجسيم، والخوف من أن تنجر البلاد إلى هوة الحرب الأهلية، خاصة بعد تفاقم الأوضاع وتحولها إلى حرب شوارع تناثرت شظاياها في كل مكان في العاصمة والأقاليم بين أنصار مرسي وقوات الأمن والجيش.. ويرون أيضا أن القبضة البوليسية الرادعة، وبمساعدة الجيش استطاعت أن تحتوي بسرعة انتفاضة جنود الأمن المركزي، وتقطع الطريق على استغلالها في التصعيد من قبل القوى المعارضة للنظام آنذاك.. أيضا يشير المراقبون إلى تنامي حالة من الوعي المغاير لدى أغلب المواطنين، خاصة بعد أن أجبرهم احتدام الصراع السياسي إلى النزول في المظاهرات للتعبير بشكل مباشر عن رأيهم، وانحياز أغلبهم إلى ضرورة الإطاحة بحكم الإخوان.

ويراهن المراقبون على أن هذا الوعي الجديد سيلعب دورا حاسما في حسم الصراع لصالح «خارطة الطريق» التي دشنها الحكام الجدد، خاصة بعد عودة الثقة لجهاز الشرطة المصرية من قبل الشعب، وتعاظم الاعتزاز بدور الجيش وحمايته للإرادة الشعبية.