الإجراءات الأمنية تلف الضاحية الجنوبية.. وأهلها يسألون: أين الانفجار المقبل؟

حركة نزوح كثيفة وارتفاع منسوب الخوف في معقل حزب الله

محققون من استخبارات الجيش اللبناني يقفون مع عناصر حزب الله في موقع التفجير أمس (تصوير: نبيل إسماعيل)
TT

لم تستجمع الضاحية الجنوبية لبيروت، أمس، قواها غداة انفجار الرويس، وبدت، خلافا للأيام التي تلت أحداثا أمنية مشابهة خلال الشهرين الماضيين، منهارة وكئيبة. انشغل سكانها بتشييع قتلاهم، ومتابعة أوضاع جرحاهم في المستشفيات المحيطة، فيما ازدادت وتيرة الخوف، وتصدر القلق أحاديث الناس الذين اختار بعضهم النزوح إلى «أمكنة أكثر أمانا» في البقاع والجنوب، حيث يكون الخطر «أقل من هنا».

لا شيء في الضاحية أمس يشبه المنطقة قبل الانفجار. حركة المرور انخفضت بشكل كبير، ومعظم المحال التجارية أقفلت أبوابها، فيما يخيم الاستغراب على وجوه سكانها الذين لا ينكرون خوفهم، ولا قلقهم من انفجارات أخرى «بلا شك، ستدفع الباقين هنا إلى الرحيل». وقد دفع الانفجار الذي هز معقل حزب الله في الرويس عددا كبيرا من السكان إلى مغادرتها، فيما قطع عدد آخر من المهاجرين الذين يزورون عائلاتهم في الضاحية إجازته تمهيدا للسفر من جديد.

ويتداول سكان الضاحية تحليلات قلقة تقود إلى إيحاءات بأن الأمن الذي نعمت به المنطقة بات من الماضي. أما الأمان فيها فبات على المحك. السؤال الشائع بين السكان «أين الانفجار المقبل؟»، بعدما ارتفعت وتيرة التوقعات بانفجارات لاحقة، وتاهوا بموجبها بين شائعات ومعلومات متضاربة عن الكشف عن عبوات أخرى وتعطيلها. ولا ينفك هؤلاء عن التعبير عن تخوفهم من «عرقنة الضاحية»، بمعنى تحويلها إلى عراق جديد.

على مسافة 50 مترا من موقع الانفجار، يقف رجل ستيني متأملا مشهد الدمار الهائل. يقول إن البناء المجاور لموقع الانفجار «نسخة طبق الأصل عن انفجار بئر العبد الذي وقع عام 1985 واستهدف المرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله». بفعل عصف الانفجار، تطايرت واجهات الأبنية، وانهارت الجدران المواجهة، فيما تظللت باللون الأسود الناتج عن الحرائق. وفوق الركام، رُفعت لافتات مؤيدة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وأخرى كتب عليها «صنع في الولايات المتحدة الأميركية»، شبيهة بتلك التي رُفعت على البناية المتضررة بفعل انفجار بئر العبد 1985. وبين الأبنية العشرة المتضررة نتيجة انفجار الرويس سيارات ودراجات نارية محترقة، وعناصر أمنية لبنانية تنهي جمع الأدلة، وعناصر من الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله. وبانتظار انتهاء التحقيقات في موقع الانفجار، يُقفل الطريق المحيط به، وهو ما ذكّر السكان بإقفاله بعد حرب يوليو (تموز) 2006 لمدة تتخطى الستة أشهر، بسبب الدمار الذي لحق بالمنطقة نفسها جراء القصف الإسرائيلي.

والجديد في الضاحية لم يكن الخوف وحده، بل الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضها حزب الله، منذ وقوع الانفجار، إذ انتشرت عناصره بكثافة على مداخل المنطقة، حيث دققت في هويات المارة وفتشت سياراتهم. وظهر العناصر بلباس مدني، واضعين شارة صفراء على أذرعتهم، في مختلف شوارع الضاحية حتى صباح أمس، حيث اقتصر وجود قلة منهم في محيط الانفجار وقرب مستشفى بهمن ومستشفى الساحل.

وعززت هذه الإجراءات مخاوف السكان من انفجارات أخرى، لكنهم بدوا متعاونين مع التدقيق والتفتيش. ويبرر هؤلاء باعتبار الإجراءات «ضرورية للحد من تفجيرات أخرى». وتقول مريم الزين «هذه إجراءات ضرورية، وكان يجب أن تكون قبل الانفجار وتستمر بعده.. أمننا على المحك».

ويحمّل بعض السكان الدولة اللبنانية مسؤولية التقصير في حماية الضاحية، والاعتماد على حزب الله. وأعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل عن تعاون أمني للأجهزة الأمنية مع أمن الحزب. ويقول شاب ثلاثيني إن «هذا الانفجار نتيجة لتقصير الدولة في حماية المنطقة، والتنديد بتدقيق الحزب ضد الغرباء»، في إشارة إلى النازحين السوريين الذين توافدوا بكثرة إلى الضاحية منذ بدء الأزمة السورية.

واتخذ حزب الله مجموعة تدابير أمنية بحق النازحين السوريين، تتمحور حول التدقيق في هوياتهم ومواقع وجودهم، وما لبثت هذه الإجراءات أن تعززت بعد انفجار بئر العبد في التاسع من شهر يوليو الماضي، حيث فرض الحزب تدابير احترازية ظهرت بشكل علني في الأسبوع الأخير من شهر رمضان بالتزامن مع التحضيرات لعيد الفطر، حيث شهدت الأسواق اكتظاظا كبيرا. وخلال هذا الأسبوع تكثفت التدابير مما أوحى بوجود تهديدات بحق الضاحية.

وينعكس هذا الواقع على الوجود في المنطقة، إذ تشير حركة النزوح إلى مخاوف حقيقية، تهدد البنيتين الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة. فقد شهدت الضاحية بعد حرب يوليو إقبالا كثيفا من الراغبين في السكن فيها، مما انعكس على أسعار العقارات التي ارتفعت إلى حدود خمسة أضعاف للشقق السكنية، وعشرة أضعاف للمحال التجارية.

ولا ينفك السكان عن الإعلان بأن منطقتهم دخلت دائرة الاستهداف، وتتفاوت تقديراتهم بين نية إسرائيل استهداف المنطقة بهدف خلق فتنة سنية - شيعية، وثأرا لانتصار حرب يوليو 2006، وبين التهديد من تفجيرات انتحارية. ويقول بعض هؤلاء إن التنقل في أحياء الضاحية القريبة من مداخلها «بات خطرا»، في إشارة إلى مناطق بئر العبد والرويس وأوتوستراد هادي نصر الله والتي تعد مداخل المنطقة من الجهتين الشمالية والغربية وتشهد على الدوام اكتظاظا كبيرا، فضلا عن منطقة الجاموس المكتظة أيضا، وتعد مدخل الضاحية الشرقي.