مستشفيات الضاحية تعج بأهالي الضحايا والمفقودين

حنان كانت تبيع دينا حذاء.. فتجاورتا في نفس غرفة المستشفى

TT

رجال ونساء ينتظرون بقلق على أرصفة الشوارع المقابلة لمستشفى سانت تيريز في منطقة الحدث، للسؤال عن اسم ابنها أو ابنتها الصغيرة إذا ما كانوا متواجدين على لائحة أسماء المتوفين أو الجرحى الذين أصيبوا جراء الانفجار الذي هز منطقة الرويس في منطقة الضاحية الجنوبية. رجال «الانضباط» التابعين لحزب الله، ينظمون حركة مرورهم ويراقبون المارة ويفتشون السيارات بدقة عالية فيسألون الناس عن هوياتهم ثم يسمحون لهم بالمرور.

أبو علي وهو سائق تاكسي يقوم بزيارة أحد أقربائه الذين أصيب خلال انفجار الرويس ونقل إلى مستشفى سانت تيريز للعلاج يسأل أحد عناصر الانضباط الواقف أمام المدخل لماذا تطالبون بهوياتنا «هلأ (الآن) عم تعملوا أمن علينا»؟. يجيبه العنصر: «امش يا عم بلا مشاكل».

أزقة المستشفى صامتة تعج قاعات الانتظار فيها بوجوه حزينة تنتظر خبرا عن أولادها أو أقرباء لها الذين أدخلوا غرف العناية الفائقة نظرا لخطورة إصاباتها.

أم محمد تنتظر في إحدى الغرف لرؤية ابنتها حنان التي اختفت منذ وقوع الحادث فاعتقدت العائلة أنها بعداد الأموات. بحثت عنها بين حطام السيارات وأشلاء الجثث إلا أنها فقدت الأمل برؤيتها ثانية بعد مشاهدة ضخامة الخراب الذي لحق بمنطقة سكنها. تقول: «ابنتي حنان تعمل في محل للأحذية، عند سماعي صوت الانفجار عند الساعة السادسة، تركت عملي في المطبخ ونزلت إلى الشارع للاطمئنان عليها قصدت الشارع المقابل لمنزلي فصدمت بفظاعة المشهد أشلاء على الأرض وحريق كبير ونظرت إلى مكان عمل ابنتي فوجدته مدمرا ويحترق فعندها أيقنت أنها توفيت. ذهبت إلى الصليب الأحمر وأعطيته معلومات عنها ووصفت له شكلها وبعد ساعات اتصلوا بي وطمأنوني عن صحتها وطلبوا مني القدوم إلى مستشفى سانت تيريز لرؤيتها، لقد عشت ساعات قاسية معتقدة أنها توفيت وعند رؤيتها شعرت أنها ولدت من جديد».

أصيبت حنان بحروق من الدرجة الثانية وكسر في فكها الأعلى خلال عملها الذي يبدأ من الساعة التاسعة صباحا حتى الثامنة مساء، تروي لـ«الشرق الأوسط» لحظة وقوع الانفجار بصوت لا يكاد يسمع: «كنت أبيع أحد الزبائن وفجأة سمعت صوتا قويا ورأيت حريقا كبيرا وزجاج المحل وأحسست بلحمي يذوب أمام عيني لشدة ما حصل زحفت إلى الحمام وفتحت المياه لإطفاء النار التي شبت بي. وبعد نحو نصف ساعة دخل رجل إلى المحل وأنقذني. فقدت الوعي ولم أستيقظ إلا على صوت إحدى الممرضات تسألني عن اسمي لطمأنة أهلي».

لم تكن تتوقع عائلة حنان أن يصيب الضاحية انفجارا كبيرا وهي التي كانت تعتقد أن حزب الله وعناصره يحكمون السيطرة على أمنها وأهلها. يقول أحد أقربائها: «لقد وقعنا ضحايا السياسيين الذين يتفقون مع جيوبهم على حساب أبنائنا وأرواحهم، لا نريد القتال لا في سوريا ولا في لبنان نريد أن نعيش بسلام فقط. أصبحنا نخاف الدخول إلى الضاحية خوفا من انفجار جديد مش كل مرة تسلم الجرة».

يقاطع كلام حنان أنين دينا حشوش وهي تحاول أن تتحدث إلا أن إصابتها البالغة في وجهها تشعرها بألم كبير عند التحدث وبصعوبة تقول: «أنا كنت الزبونة التي تبيعها الحذاء رأيتها تحترق لقد احترقت معها».

دينا تقيم في منطقة بشامون لم تكن تريد النزول إلى بيروت. إلا أن ابنة عمها أقنعتها بزيارة منطقة الرويس لشراء حذاء لابنها أدهم الذي يبلغ من العمر سنتين. تصف لـ«الشرق الأوسط» مدى فظاعة المشهد الذي شاهدته في اللحظات الأخيرة قبل فقدانها الوعي: «كنا نشتري الحذاء لأدهم وفجأة انفجر شيء بوجهي ورأيت ضوءا أصفر أوقعني على الأرض وبدأ جسدي بالاشتعال حاولت أن أساعد ابنة عمي وابنها إلا أنني لم أتمكن من الرؤية بسبب احتراق المكان، جاء رجال الإطفاء وأخرجوني وأول مشهد رأيته لمكان الانفجار كان بمثابة رؤيتي لجهنّم وأنا على قيد الحياة».

بين كلمة وأخرى تذرف دينا الدموع وتدعو الله أن ينسيها مشاهد الجثث والأشلاء تستنجد بوالدتها الجالسة إلى جانب السرير وتسألها عن ابنة عمها وابنها ادم ماذا حلّ بهما، فتريحها بكلمات جيدة عن صحتهما إلا أن الواقع عكس ما تقول.

أغلب الجرحى الذين أدخلوا إلى مستشفى سانت تيريز والذين وصل عددهم إلى 35 شخصا إصاباتهم تتراوح بين حروق من الدرجتين الثانية والثالثة وفقا للدكتور بسام فغالي الذي أضاف: «ذهب أغلب الجرحى إلى منازلهم وبقي لدينا 5 حالات معظمها بصحة مستقرة وتوفي شخص واحد فقط وصل إلى المستشفى متفحّما من الحريق».

حالة ابنة عم دينا «هاجر» حرجة نظرا لبلاغة إصابتها في الرأس أما ابنها أدهم فنقل إلى مستشفى جعيتاوي لمعالجته من الحروق التي أصابت جسده بالكامل. يبكي طيلة الوقت بسبب عدم رؤيته لوالدته التي ترقد على سرير العناية الفائقة ثم يسأل والده: أين هو حذائي؟ فيجيبه الأب: «لقد احترق سأشتري لك حذاء جديدا أجمل».