وزير الدفاع الأميركي: نريد الحفاظ على علاقتنا مع الجيش المصري

الرئاسة المصرية لـ«أوباما»: التصريحات التي لا تستند إلى الحقائق تقوي جماعات العنف

عناصر من الشرطة تتخذ ساترا لحمايتها من وابل النيران التي أطلقها أنصار الإخوان تجاههم أمس فوق كوبري 6 أكتوبر بالقاهرة (إ.ب.أ)
TT

قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل إن بلاده تريد الاحتفاظ بعلاقاتها العسكرية مع مصر، وإن إقدام الجيش المصري على مزيد من العنف قد يهدد تلك العلاقة. فيما قال الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور، ردا على تصريحات للرئيس الأميركي باراك أوباما إن الرئاسة «تخشى من أن تؤدي التصريحات التي لا تستند إلى حقائق الأشياء، لتقوية جماعات العنف المسلح وتشجيعها في نهجها المعادي للاستقرار والتحول الديمقراطي».

وأوضح هيغل في بيان مساء الخميس أنه اتصل بالفريق عبد الفتاح السيسي ليعبر له عن قلق الولايات المتحدة من أسلوب فض الاعتصامات والهجوم على أنصار الرئيس المخلوع محمد مرسي. وقال: إن «وزارة الدفاع تستمر في الحفاظ على العلاقات العسكرية مع مصر، لكني أردت التوضيح أن أعمال العنف هذه غير كافية لتحقيق المصالحة.. وأردت التأكيد أن ذلك يجعل التعاون في مجال الدفاع بيننا معرضا للخطر».

وأضاف هيغل «منذ بداية الأزمة الأخيرة أوضحت الولايات المتحدة أنه على الحكومة المصرية الامتناع عن العنف واحترام حرية التجمع والتحرك نحو انتقال سياسي شامل، لكن التطورات الأخيرة والعنف الذي أسفر عن مئات الوفيات يقوض من تلك المبادئ، وفي مناقشتي مع الفريق السيسي أكدت أن الولايات المتحدة ما زالت مستعدة للعمل مع كل الأطراف للمساعدة في التوصل إلى حل سلمي والمضي للأمام».

وتأتي تحذيرات وزير الدفاع الأميركي بعد يوم من إعلان الرئيس أوباما إلغاء التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة ومصر التي كان مقررا عقدها الشهر المقبل. وتعد وزارة الدفاع هي القناة الرئيسية للولايات المتحدة في تعاملاتها مع القادة المصريين نظرا للعلاقات العسكرية الطويلة مع الجيش المصري. وقد أجرى وزير الدفاع الأميركي أكثر من 15 مكالمة هاتفية مع الفريق السيسي مند الثاني من يوليو (تموز) الماضي وفقا لمصادر بالبنتاغون.

وردا على تصريحات أوباما، قال الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور إن الرئاسة «تخشى من أن تؤدي التصريحات التي لا تستند إلى حقائق الأشياء، لتقوية جماعات العنف المسلح وتشجيعها في نهجها المعادي للاستقرار والتحول الديمقراطي». وأضاف منصور في بيان صدر عن مؤسسة الرئاسة في الساعات الأولى من فجر أمس: «إذ تقدر القاهرة اهتمام الجانب الأميركي بتطورات الموقف في مصر.. إلا أنها كانت تود أن توضع الأمور في نصابها الصحيح».

وشدد منصور على أن بلاده «تواجه أعمالا إرهابية، تستهدف مؤسسات حكومية ومنشآت حيوية.. شملت العشرات من الكنائس والمحاكم وأقسام الشرطة، والكثير من المرافق العامة والممتلكات الخاصة». وقال: إن «جماعات العنف المسلح استهدفت إزهاق الأرواح، كما استهدفت الملامح الحضارية للدولة المصرية من مكتبات ومتاحف وحدائق عامة وأبنية تعليمية».

وأعربت الرئاسة عن أسفها على سقوط ضحايا مصريين، مؤكدة أنها «تعمل بقوة» على إقرار الأمن والسلم المجتمعيين، مشيرة إلى أنها تتحمل مسؤوليتها الكاملة تجاه حماية الوطن وأرواح المواطنين. وتابع بيان الرئاسة: «تخشى الرئاسة من أن تؤدي التصريحات التي لا تستند إلى حقائق الأشياء، لتقوية جماعات العنف المسلح وتشجيعها في نهجها المعادي للاستقرار والتحول الديمقراطي، بما يعرقل إنجاز خارطة المستقبل والتي نصر على إنجازها في موعدها.. من دستور إلى انتخابات برلمانية ورئاسية».

وأعربت الرئاسة عن تقديرها للمواقف التي وصفتها بـ«المخلصة» لدول العالم، لكنها أكدت على سيادتها التامة وقرارها المستقل، مشددة على أنها تعمل على «تمكين إرادة الشعب التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني)2011 والثلاثين من يونيو (حزيران) 2013 من أجل مستقبل أفضل لبلد عظيم».

من جهتهم، يري مسؤولو الدفاع الأميركي أن إلغاء المناورات العسكرية المشتركة لن يكون لها تأثير فوري على الجيش المصري، وأن الجيش المصري تسلم بالفعل المساعدات العسكرية للعام الجاري، وأن أي تحرك نحو قطع المعونة العسكرية بالكامل ستؤدي إلى تأكل النفوذ الأميركي في مصر وسيفتح الباب أمام منافسين مثل روسيا والصين. وقالت مصادر بالبيت الأبيض إن الرئيس أوباما يحاول القيام بعملية موازنة صعبة بإدانة أعمال العنف من ناحية مع عدم الإشارة لأي خفض للمساعدات العسكري لهذا البلد الذي يشهد إضرابا. وتري الإدارة الأميركية أن فض الاعتصام كان عنيفا وكان الأجدر بالسلطات المصرية إجراء مزيد من المبادرات والحوار والمصالحة لحقن دماء المتظاهرين ومناصري الرئيس المخلوع. وترى الإدارة أن الاعتصامات كانت سلمية، لكنها في الوقت نفسه تعترف بأن أعمال العنف التي حدثت ضد الكنائس وأقسام الشرطة والمنشآت العامة والأبنية التعليمة جاءت من جماعة الإخوان المسلمين.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين بساكي إن «الولايات المتحدة تدين بشدة جميع الهجمات وأعمال العنف وسفك الدماء في جميع أنحاء مصر، ونشعر بالغضب ونشجب بأشد عبارات الاستهجان الهجمات الكثيرة ضد الكنائس القبطية خلال الأيام الماضية وندين الهجمات على المباني العامة بما في ذلك مراكز الشرطة».

وأضافت «نحن ندعو جميع القادة في مصر لإدانة هذه الهجمات والحكومة لديها مسؤولية لخلق الأجواء التي تمكن المصريين ن ممارسة حقوقهم العالمية بما في ذلك حرية التجمع والتعبير وحرية الإعلام وعلى المحتجين مسؤولية ممارسة تلك الحقوق بطريقة سلمية ومن يتظاهر سلميا لا يمكن إطلاق مسمى إرهابي عليه». ودعت المتحدثة باسم الخارجية جميع الأطراف لاتخاذ خطوات لتهدئة الأوضاع وتجنب المزيد من الخسائر في الأرواح.

واعترفت بساكي أن خطوة إلغاء تدريبات النجم الساطع لن يكون لها تأثير على الأحداث على أرض الواقع، وقالت: «لا أعتقد أن أحدا في الحكومة يفكر أن إلغاء النجم الساطع سيحدث تغييرا في الأحداث على الأرض لكن سيكون له تأثير على صانعي القرار لدينا حول المعونة الني سنستمر في مراجعتها وسنستمر في تشجيع المصريين وكافة الأطراف على العودة إلى مسار فعال».

وبعد إعلان الرئيس الأميركي بارك أوباما إلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع مصر، ثار الجدل بين من ينادي بقطع المعونة الأميركية لمصر ومن يحذر من مخاطر فقدان العلاقة مع مصر وتأثير ذلك على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وكثرت الانتقادات الموجه للإدارة الأميركية من اليمين واليسار أما لأنها لم تقم بإجراءات حاسمة ضد مصر وتسمية ما جري انقلابا وقطع المعونة العسكرية عن مصر، ويرى أصحاب ذلك الاتجاه أن الرئيس أوباما يحاول الحفاظ على مصالح أميركا مع مصر أكثر من حرصه على القيم والمبادئ.

فيما تثار انتقادات أخرى تشير أن الإدارة تفتقد لاستراتيجية فعالة فيما يجري في مصر وتغامر بأوراق التأثير التي تملكها، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن واشنطن ليس لديها الكثير للقيام به لتجنب إراقة الدماء، وأن الإدارة الأميركية ترسل رسائل مختلطة وأن سياستها تجاه مصر مشوشة وغير واضحة وبالتالي تحد من قدرتها على التأثير في الأحداث وأن نفوذها محدود على قادة الجيش المصري الذين يعتبرون أنفسهم في معركة حياة أو موت مع الحركات الإسلامية المسلحة في مصر، إضافة إلى أن الجيش المصري يحظى بدعم دول خليجية وعربية على رأسها المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات.

ووفقا لقانون الولايات المتحدة يتم قطع المساعدات الخارجية لأي دولة تشهد انقلابا عسكريا لذا يشعر البعض بالقلق أنه إذا لم تقدم واشنطن على قطع المعونة عن مصر فإنها بذلك ترسل رسالة مفادها أن القانون الأميركي لا يمثل أهمية، ويخشي الكثيرون أيضا من أن استمرار المعونة سيعكس عدم جدية الولايات المتحدة إزاء دعم الديمقراطية في مصر.

وينتاب صناع السياسة الأميركية القلق والحيرة حيال ما يجب عليهم فعله إزاء ما يحدث في مصر، وينظر المحللون بترقب حول المسار الذي تسير فيه العلاقات المصرية الأميركية، ويرى كثير من المحللين أن الإدارة الأميركية تحتاج إلى استراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط برمته، ويرى آخرون أن على واشنطن أن تبقي محايدة في موقفها تجاه الصراع في مصر وأماكن أخرى حتى لا تغامر بإشعال جذور الكراهية والعداء تجاه الولايات المتحدة.

ويرى مايكل دوران المدير السابق لإدارة الشرق الأدنى في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس بوش، أن إعلان الرئيس أوباما بإلغاء التدريبات العسكرية مع مصر يعطي رسالة بأن الولايات المتحدة تجلس وتراقب الأحداث بدلا من أن تتدخل وتتعامل مع القضايا الإقليمية التي تهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفاءها.

ويقول دوران «ينبغي على الدارة الأميركية أن تعمل مع حلفاءها في أوروبا ودول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات - التي قدمت دفعات مالية كبيرة لدعم الاقتصاد المصري - لصياغة سياسة متماسكة للمنطقة بما يجعل المساعدات الأميركية لمصر والمساعدات الخليجية مشروطة بالتزام القادة المصريين على تبني طريقا واضحا للديمقراطية». ويضيف دوران «للاتفاق مع دول الخليج على ذلك فإن على أوباما أن يهدي من قلقهم في سوريا والعراق وإيران حيث تفتقد الولايات المتحدة لسياسة واضحة لمواجهة الصراع السني الشيعي هناك، وعلينا أن نمتلك استراتيجية إقليمية فعالة ونحن نحصل على استراتيجية فعالة مع شركائنا الأساسيين إذا لم نكن نمتلك نهجا واضحا في كافة الإقليم». وتوضح تمارا ويتز مساعدة وزيرة الخارجية السابقة لشؤون الشرق الأوسط أن على الإدارة الأميركية تشجيع الحكومة المصرية لاتخاذ خطوات ملموسة نحو نظام سياسي شامل وإظهار نواياها الصادقة بتقديم المسؤولين عن أعمال القتل يوم الأربعاء للمحاسبة والسعي للمصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين.

فيما يري اليوت إبرامز العضو السابق بمجلس الأمن القومي في عهد لرئيس بوش أن تراجع الإدارة الأميركية عن تسمية ما حدث بأنه انقلاب أدى لاقتناع قادة الجيش المصري أن الولايات المتحدة تحتاج إليهم أكثر مما يحتاجون هم إلينا، وأن الرئيس الأميركي على استعداد لتجاهل القانون حتى يحتفظ بعلاقات جيدة معهم وأضاف: «على الولايات المتحدة أن تقبل أنها تملك نفوذا ضئيلا على مصر وأن قطع المعونة لن يحقق أي تراجع في موقف الجيش المصري».

ويقول واين وايت نائب مدير استخبارات الشرق الأوسط بالخارجية الأميركية سابقا إنه يمكن أن تقوم الإدارة الأميركية بإدانات للعنف وأن تدعو الجيش على نبذ العنف لكنها لا تستطيع قطع العلاقات مع الجيش المصري وقطع المعونة ومن المتوقع أن تقوم دول الخليج بتعويض المعونة الأميركية ودفعها لمصر. وينتقد وايت ضعف انتقادات الإدارة الأميركية للرئيس مرسي خلال العام الماضي وسوء إدارته للبلاد.