مصريون يناضلون للعودة إلى منازلهم قبل «السابعة مساء»

يفتشون عن طرق جانبيه أو يضطرون للمبيت في أماكن عملهم

TT

«السابعة مساء».. سقف زمني أصبح على المصريين ألا يتخطوه وينضووا تحته، مخافة أن تتعرض حياتهم للخطر في الشارع، أو للحبس والمساءلة القانونية، بتهمة خرق قانون الطوارئ وحظر التجوال الذي فرضته السلطات في البلاد لمدة شهر.

لكن أغلب المصريين الذين يتفننون دائما في إضاعة الوقت والجلوس للثرثرة والدردشة بالساعات على المقاهي، فجأة وجدوا أنفسهم مشغولين بتدبيره والحرص عليه وإنجاز أعمالهم بسرعة وفي زمن قياسي، حتى لا يداهمهم سيف الوقت، أو سيف حظر التجوال، ويتمكنوا من العودة لبيوتهم وأسرهم، وقضاء ما يلزم من الاحتياجات المعيشية.

وفرضت السلطات المصرية حالة الطوارئ، في أعقاب فض اعتصامين لأنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية (شرق القاهرة) ونهضة مصر (بالجيزة) الأربعاء الماضي، وأعلنت حظر التجوال في 14 محافظة شهدت أعمال عنف.

ورغم إدراك غالبية المصريين للضرورة الوطنية والقومية الملحة لهذا الحظر المؤقت، فإنهم يعيشون المشهد بتفاوتات لافتة، بعضها مليء بالشجن، وبعضها الآخر لا يخلو من روح الدعابة التي تسم طبيعة الوجدان المصري العام.

طارق الصياد، شاب في الأربعينات، يعمل موظفا بمؤسسة حكومية، يضرب كفا بكف، ويروي بغضب: «وقفوا حال البلد منهم لله. أنا أسكن في مدينة السادس من أكتوبر، ولدي أسرة مكونة من ثلاثة أفراد، وشغلي في القاهرة، في منطقة وسط البلد. ولليوم الثاني لا أستطيع العودة لبيتي. طريق المحور مقطوع والدائري.. أول يوم للحظر، رجعنا بعد أن قطعنا ثلث المحور. مجموعة من أنصار جماعة الإخوان قطعوا الطريق من الاتجاهين بأكوام من الحجارة وإطارات السيارات وجذوع النخيل المشتعلة.. رجعنا إلى ميدان لبنان، أقرب مكان، وبصعوبة استطعت المبيت عند أحد أقاربي بحي الكيت كات.. وتكرر الأمر في اليوم الثاني لدى أحد الأصدقاء».

يتابع الصياد: «لا أعرف ماذا أفعل. سأنصرف اليوم مبكرا من العمل لعلي أستطيع العودة.. أنا قلقان على أولادي.. ابني الصغير مريض ويحتاجني جنبه. وزوجتي مجهدة ومنذ بدء الحظر لا تذهب لشغلها في المدينة نفسها».

قلق الصياد من تبعات الحظر يأخذ منحى آخر لدى وليد علي، وهو صحافي شاب يعمل بأحد الصحف الخاصة، خاصة وهو يعتمد على مترو الأنفاق، بشكل أساسي في الوصول لبيته وأسرته بحي عين شمس.

يقول علي: «أنا أقدر ضرورة فرض حظر التجوال، حتى تتمكن قوات الشرطة والجيش من القبض على العناصر الإجرامية من جماعة الإخوان وأنصار الرئيس المعزول، والذي بات واضحا أنهم يسعون إلى حرق البلد وترويع المواطنين.. ورغم أنني مستثنى من الحظر لكوني صحافيا، فإنني لا أستطيع أن أقاوم مساحات الرعب في داخلي، خاصة وأنا أسير في وقت حظر التجوال».

ويضيف: «كأنني في سباق مع الموت.. هذه المشاعر هزتني بقوة في أول يوم للحظر، حيث أصررت على العودة للبيت لضرورة عائلية طارئة.. لا أخفي عليك أنه في لحظات كثيرة كانت أعضائي تصطك ببعضها، وأنا أسير وحدي، ليس لدي سيارة والمترو متوقف، وأنا وحظي في مصادفة وسيلة مواصلات آمنة.. بعد نحو ساعتين لا أعرف كيف نمت. وأمس اضطررت للمبيت في مقر الجورنال.. ورغم صعوبة الأمر فإنه أكثر أمنا من الشارع والهواجس المميتة لاختراق وقت الحظر».

ويلفت علي إلى أنه مع استمرار قطع الطرق الرئيسة التي تربط بين ضواحي العاصمة القاهرة، أصبحت هواتف الكثير من المواطنين مشغولة بالسؤال عن أي الطرق آمنة، ولا يوجد بها قطع من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، خاصة طريقي المحور والدائري، واللذين يتقاطعان مع كثير من الأحياء الشعبية التي تقطنها أعداد كبيرة من أنصار الرئيس المعزول مثل «كرداسة» و«المنصورية»، مما يعرض هذه الطرق للقطع، رغم نجاح قوات الأمن، في فتحها أحيانا وتخليصها من عناصر الإخوان.. لكن الطرق طويلة ويصعب تأمينها بشكل كامل.

زاوية أخرى لمشهد الحظر تلتقطها انتصار متولي، وهي فنانة تشكيلية شابة، تقيم بضاحية شارع الهرم بالجيزة تقول: «في ساعات الحظر وبمصاحبة تلفاز صغير أجلس في البلكونة وهي تطل على ساحة ميدان الرماية وفي الخلفية تترامى صورة الأهرامات الثلاثة، وأستمتع بمشهد الميدان، وهو خال من دبيب البشر وضجيجهم، إلا من بعض العربات التي تمر على عجل بين الحين والآخر، وهو مشهد يذكرني بلوحات الطبيعة الصامتة.. لكن رغم كل هذا لا أشعر بالراحة، مع مشاهد الدم والقتل التي أصبحت بمثابة خبز يومي، على المصريين أن يمضغوه بمرارة وحسرة».