أهالي عرسال يطالبون الدولة اللبنانية بتحمل مسؤوليتها في مراقبة المتسللين

البلدة تعلن تعاونها مع الجيش لاعتقال المطلوبين

شقيقة حسان رمضان أحد قتلى الانفجار الذي شهدته الضاحية الجنوبية في لبنان أثناء جنازته أمس (أ.ف.ب)
TT

عادت بلدة عرسال في البقاع (شرق لبنان) إلى واجهة الأحداث اللبنانية، مع إعلان وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال فايز غصن عن وجود معلومات لدى مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، تؤكد تورّط أشخاص في وضع تفجيرات واستهداف نقاط الجيش اللبناني في البقاع، واعتراف موقوفين بتلك الأحداث.

ولدى التدقيق في هوية بعض المنفذين، تبين أن لبنانيين منهم، يتحدرون من عرسال، مما أثار مخاوف مسؤوليها من التحضير لعمل أمنية فيها، على خلفية تلك المعلومات المؤكدة.

وسارعت فعاليات عرسال، بعد إعلان وزير الدفاع، أول من أمس، إلى إعلان تعاونها مع الجيش اللبناني، إذ شدد رئيس بلديتها علي الحجيري على محاسبة كل من يثبت تورطه في الجرائم والتفجيرات، مؤكدا في حديث للمؤسسة اللبنانية للإرسال «عدم تغطية أحد، مبديا استعداده لمساعدة الجيش في كل ما يحتاجه لضبط الأمن والحدود». لكن المعضلة التي تواجهها عرسال، تكمن في التدفق الكبير للنازحين السوريين إليها، وعدم قدرة الجيش اللبناني على ضبط حدودها، التي تمتد إلى 55 كيلومترا مع سوريا، وتحدّ محافظتين سوريتين، هما حمص وريف دمشق. ووفق هذا المبدأ، يطالب مسؤولوها الجيش اللبناني بالانتشار على حدود عرسال وداخل البلدة، والتدقيق بهوية الوافدين لمعرفة المقاتلين منهم والنازحين، «لأن التدقيق من مسؤولية الدولة اللبنانية، وليس مسؤولية الأهالي أو البلدية»، بحسب نائب رئيس بلديتها أحمد فليطي. ووضعت الأزمة السورية عرسال في حالة استنفار دائم، على خلفية تسلل مقاتلين من المعارضة السورية إليها، نظرا لتأييدها المعارضة السورية، على الرغم من أن القرى الشيعية التي تحيط بها تؤيد أغلبيتها النظام. وقد تعرضت جرودها لقصف جوي بالطائرات السورية الحربية أكثر من مرة، مستهدفة ما أعلنت أنه مسلحون سوريون هربوا إلى البلدة. وفي المقابل، استهدف مسلحون أكثر من مرة نقاط الجيش اللبناني ودورياته في جرود البلدة وعلى تخومها، منذ شهر فبراير (شباط) الماضي، مما أسفر عن مقتل ضابط وعسكريين في الجيش. وبقي بعض أبناء البلدة مشتبها بهم، قبل اعتقال مخابرات الجيش حسن حسين رايد، الذي اعترف (بحسب وزير الدفاع) بأنه، وبالاشتراك مع عمر أحمد الأطرش وآخرين، مسؤول عن «تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، وتحضير سيارات مفخخة»، بينما ذكر موقع «المنار» الإلكتروني، التابع لحزب الله أن «بلدة عرسال وسهل القاع هي المكان الأساسي لوجود عناصر ومسؤولي الشبكة المسؤولة عن التفجيرات في الضاحية والبقاع الأوسط».

وبعدما باتت تلك الأنباء مؤكدة، لصدورها عن مصدر رسمي، أكد مسؤولون في القرية تعاونهم مع مديرية المخابرات في الجيش اللبناني «التي تمتلك المعلومات، بدليل توقيفها مطلوبا لديها». ويقول نائب رئيس البلدية أحمد فليطي لـ«الشرق الأوسط» إن البلدة «مفتوحة، وليست عصية على الأجهزة الأمنية اللبنانية»، مشددا على أنه «لا خوف في البلدة من الدولة، ونعلن تعاوننا معها»، لافتا إلى أنه «إذا كان هناك (مخلّ) من عرسال، يجب إيقافه، لكن لا يجوز محاسبة مجتمع بالكامل بسبب شخص مخلّ فيه». ويضيف: «نحن نقبل ما تقوله مديرية المخابرات حول ما إذا كان المخلّون من أهل عرسال أم كانوا سوريين أم أجانب».

ولا يتخوف أبناء البلدة من حملة عسكرية عليها لإيقاف المطلوبين الآخرين المتورطين والمشتبه بهم في قتل عسكريين، ووضع متفجرات في الضاحية والبقاع الأوسط. ويقول فليطي: «نرحب بأي حملة عسكرية تقوم بها الدولة اللبنانية حصرا، وتكون معلنة، ويكون العناصر المشاركون من الجيش اللبناني»، زاعما أن الحملات العسكرية السابقة التي أثارت ردود فعل أهالي البلدة ضد المؤسسة العسكرية «كانت ملتبسة، بسبب ظهور العناصر بلباس مدني، أو بسيارات مدنية».

وكان أهالي البلدة في شهر فبراير (شباط) الماضي، تورطوا في قتل ضابط وعسكريين في الجيش اللبناني، أثناء ملاحقتهم مطلوبا من البلدة في جرودها، وزعم الأهالي أنهم (العسكريين) كانوا بلباس مدني، رغم نفي الجيش اللبناني آنذاك.

وأعاد بيان وزير الدفاع البلدة إلى صدارة الأحداث اللبنانية، كموقع يضم مطلوبين، ويتسلل إلى جرودها إرهابيون. ويُنظر إلى عرسال على أنها وادي بانكيسي في لبنان (وهو وادٍ متاخم لروسيا، ويستخدمه المقاتلون الشيشان قاعدة لهم)، في إشارة إلى أن المقاتلين المعارضين السوريين يستخدمون جرود عرسال قاعدة لعملياتهم ضد النظام في ريف دمشق وريف حمص. لكن فليطي يرى أن عودة البلدة إلى الواجهة «تعود إلى أشخاص يقصدون أن تبقى في الواجهة، وهناك أطراف أرادوا استدراج عرسال لفخ كبير ونجحوا»، موضحا أن هؤلاء «ينفذون مشاريع تتجاوز حدود لبنان، وستكون عرسال بموقعها السياسي عقبة أمام مشروعهم».

وتُعرف عرسال بتأييدها الكبير للمعارضة السورية، وتستضيف هذه البلدة التي يسكنها 35 ألف لبناني، نحو ثمانية آلاف عائلة سورية نازحة، تشكل 40 ألف شخص. ولا يخفي مسؤولوها موقفهم الداعم للمعارضة، مؤكدين أن هذا الموقف «يجب أن لا نُحاسب عليه، لأننا نرى في الأزمة قضية شعب محقة». ويقول مسؤول فيها إن حجم التأييد لم يتخطّ الدور الإنساني.

وتشكل مساحة البلدة نحو خمسة في المائة من مساحة لبنان الإجمالية؛ إذ تقدر مساحتها عقاريا، بـ500 كيلومتر مربع، وتحاذي محافظتين سوريتين، وتحتفظ بأكبر مساحة جردية على الحدود مع سوريا. وتعد هذه المساحة الضخمة، عقبة أمام الجيش اللبناني لحفظ الحدود بأكملها. وكانت قوات حماية الحدود اللبنانية تتقاسم المهمة مع حرس الحدود السوري، الذي انسحب من المنطقة السورية قبل ستة أشهر باتجاه الداخل السوري.

ويقول فليطي إن «الدولة اللبنانية مسؤولة عن حماية الحدود، ونحن غير مسؤولين عما إذا كان هناك مسلحون دخلوا إلى البلدة، سواء أكانوا مسلحين نظاميين أم معارضين، أم جبهة نصرة أم غيرهم»، مشيرا إلى أن نقاط الجيش على الحدود «قليلة، وبعضها بعيد عن النقاط الحدودية المباشرة». وإذ أكد أن الحدود في هذا الوقت «غير مضبوطة»، أعلن أن أهالي البلدة «بصدد توجيه رسالة للأمم المتحدة لتولي ضبط الحدود ومنع دخول مسلحين، إذا لم يستطع الجيش اللبناني ضبط الحدود (الفلتانة) مع سوريا».

وعلى الرغم من التحديات الأمنية التي فرضتها الأزمة السورية على البلدة، وتورط بعض أبنائها، بحسب بيان وزير الدفاع اللبناني، في أعمال تخريبية داخلية، فإن البلدة عانت من مشاكل الخطف المتبادل مع عشائر شيعية في البقاع، منها آل جعفر وآل أمهز وآل المقداد، كما أسفرت اشتباكات واغتيالات عن مقتل أشخاص من الطرفين، وكان آخرها محاولة اغتيال رئيس البلدية علي الحجيري، الأسبوع الماضي. وبقي الاحتقان مع المحيط على حاله، إلى حين توجيه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أول من أمس، رسالة مباشرة إلى عشيرتي جعفر وأمهز، أكد فيها أن المتورط في قتل أبنائهم «موقوف لدى الدولة اللبنانية»، مؤكدا أنه «لا يجوز أن تحمّلوا مسؤولية هذه الدماء لأشخاص لا علاقة لهم بالقتل، ولأشخاص لم يظهر التحقيق أنهم شركاء في القتل، ويجب ممارسة أعلى درجات المسؤولية وضبط النفس». وساهم هذا الخطاب في تنفيس الاحتقان في المنطقة.