تدفق خمسة آلاف لاجئ سوري جديد إلى إقليم كردستان

غالبيتهم يعملون في المقاهي.. أو يستجدون عند إشارات المرور

لاجئة سورية كردية تحمل طفلها تقف قرب أمتعتها وسط مخيم للاجئين السوريين الأكراد قرب أربيل في انتظار إسكانها أمس (رويترز)
TT

بعد لحظات من فتح معبر «فيش خابور» الحدودي الفاصل بين إقليم كردستان والمناطق الكردية السورية تدفقت أعداد هائلة من اللاجئين السوريين يقدرون بخمسة آلاف كردي سوري على مدن الإقليم، في إشارة تدعو إلى القلق من إفراغ المناطق الكردية بالجانب السوري من سكانها، كما عبر عن ذلك قيادي بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (بي واي دي) الذي يفرض سيطرته الأمنية على تلك المناطق.

وكانت قيادة إقليم كردستان قد أغلقت ذلك المعبر الحدودي منذ فترة بعد تفاقم الأوضاع الأمنية واشتعال المعارك داخل الأراضي الكردية بالجانب السوري، خشية من تدفق كبير للاجئين الجدد، بعد أن امتلأ الجانب السوري من المعبر الذي يطلق عليه السوريون اسم «سيمالكا» بآلاف المواطنين الكرد السوريين الذين تجمعوا هناك لعبور الحدود، لكن قيادة الإقليم أغلقت الحدود من جانبها، لكنها تعرضت خلال الفترة الأخيرة إلى ضغوطات هائلة من الأحزاب والقوى السياسية سواء داخل أو خارج كردستان، وجرت مظاهرات شعبية عديدة لإرغام سلطات الإقليم على فتح المعبر، وبناء على تلك الضغوطات فتحت السلطات حدودها لفترة محدودة، لكن فيضان الهجرة حدث كما توقعت تلك السلطات، مما أحدث حالة من الارتباك.

وبحسب المصادر الرسمية فإن «سلطات الإقليم تعمل حاليا على إيواء هؤلاء النازحين بأماكن إيواء مؤقتة قرب مدينتي أربيل والسليمانية لحين إيجاد ظروف إسكانية أفضل لهم، حيث أكد رزكار مصطفى، قائممقام قضاء خبات بمحافظة أربيل، في تصريحات صحافية، أن «خمسة آلاف من الكرد السوريين وصلوا منذ أول من أمس إلى مدينة أربيل جرى توزيعهم على المساجد والمدارس الحكومية كإجراء مؤقت»، مشيرا إلى أن سلطات القضاء تعمل حاليا بالتنسيق مع قوات «الزيرفاني» الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في الإقليم، وبالتعاون مع منظمة الهجرة (UNHCR) التابعة للأمم المتحدة، على إنشاء مخيم جديد لإيواء هؤلاء النازحين بمنطقة (كوركوسك) التابعة للقضاء.

هذا النزوح الجماعي أثار مخاوف سلطات الإقليم من عدم قدرتها على استيعاب الموجات البشرية للنازحين الجدد في ظل افتقارها إلى الموارد الكافية لتأمين مستلزمات حياتية للاجئين، وأثار أيضا مخاوف القوى الكردية بالجانب السوري، وهذا ما عبر عنه أحد قياديي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قائلا «لقد كنا نطالب بفتح المعبر الحدودي أمام حركة التجارة المتبادلة فحسب، ولم نكن نتوقع أو ندعو إلى تدفق اللاجئين بهذا الشكل المخيف، لأنه في حال استمرت موجة النزوح بهذه الوتيرة فلن يبقى هناك شعب كردي بغرب كردستان». وأضاف أن «هذا النزوح مرفوض بالكامل من قبلنا، لأننا لا نريد أن يتوزع أبناء شعبنا على الدول الأخرى، صحيح أن ظروف الحصار الاقتصادي المفروض على غرب كردستان قاسية جدا، وأن الشعب يحتاج إلى تدبير لقمة العيش، لكن اللجوء وترك الديار ليس حلا، ولا ينتصر الشعب عندما يهرب من الميدان، بل الشعب الصامد على أرضه والمدافع عنه هو من يجني ثمار نضاله الوطني والقومي، ولا داعي مطلقا لترك الديار واللجوء إلى العيش بدول الجوار في ظل ظروف أقل ما يقال عنها إنها مهينة، فهناك قصص تراجيدية كثيرة لأوضاع السوريين ببلاد المنفى واللجوء، وعلى شعبنا الكردي أن يعتبر من تلك القصص، ويقاوم ولا يهرب من الميدان».

وبسؤاله عما إذا كانت الجرائم الأخيرة والمذابح الجماعية لجبهة النصرة لا تبرر للمواطنين هناك بالنجاة بأنفسهم، أجاب قائلا «لقد تعرض الشعب الكردي بإقليم كردستان العراق إلى أكثر من ذلك بكثير.. تعرض لحملات الأنفال والقصف الكيماوي وإلى حرب إبادة شاملة، لكنه صمد وتمسك بأرضه حتى انتصر. ثم إنه في الجانب السوري هناك لجان شعبية وقوات الحماية التابعة لحزبنا تخوض معارك فاصلة ضد جماعة النصرة الإرهابية، فلماذا لا يعينون تلك القوات ويساندونها معنويا لكي تتمكن من القضاء على بؤرة الإرهاب المتطرف؟ وفي المحصلة فإن النصر دائما للشعوب الصامدة على أرضها».

وجدد القيادي الكردي مطالب قيادته بالقول «نحن لا نريد أن نشجع الهروب أو النزوح الجماعي، ولكي لا تتفاقم المشكلة أكثر من ذلك ندعو سلطات إقليم كردستان إلى فتح الحدود فقط أمام تجار الطرفين، وفتح ممرات آمنة لنقل المساعدات الإنسانية والدعم الدولي إذا وجد لأبناء شعبنا في الجانب الآخر من الحدود، فهذا أفضل من تحول شعبنا إلى شعب لاجئ مشتت موزع على البلدان المجاورة، لأن ما ندافع عنه اليوم هو قضية وجود شعب، وينبغي على الجميع التمسك بأرضه، وليس إخلاء بلده أمام حفنة من الإرهابيين والتكفيريين وجماعات الإجرام والقتل».

يذكر أن عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني سعدي أحمد بيرة، وعضو الهيئة التحضيرية العليا للمؤتمر القومي المزمع انعقاده في أربيل في غضون الشهر المقبل، سبق أن حذر من مخاوف تدفق كبير للاجئين السوريين إلى أراضي إقليم كردستان مع فتح الحدود، وهذا ما حصل فعلا أول من أمس بعد لحظات من فتح معبر فيشخابور الحدودي.

وتشتكي حكومة الإقليم وقيادتها من قلة الإمكانيات والدعم الدولي المقدم لأكثر من 200 ألف لاجئ كردي سوري يعيشون في مدن إقليم كردستان، ويعمل معظمهم بالمقاهي والمطاعم والفنادق لتدبير لقمة العيش لأفراد عائلاتهم، وهناك الآلاف منهم يتسولون بالشوارع أو يقفون عند الإشارات الضوئية بتقاطع الطرق لاستجداء السواق، فيما تقضي عوائلهم ظروفا بالغة القسوة بالمخيمات المؤقتة.