شبح السيارات المفخخة يلف المناطق اللبنانية

قوى الأمن الداخلي تطلب من كل مواطن أن يتحول لخفير وتعزز إجراءاتها الميدانية

عروسان يحتفلان مع اقاربهما أمس في موقع انفجار السيارة الملغومة بالضاحية الجنوبية الذي أسفر عن مقتل 27 شخصا (أ.ف.ب)
TT

يلف شبح السيارات المفخخة المركونة في الأحياء المدنية المناطق اللبنانية كافة، غداة تفجيري الرويس في الضاحية الجنوبية، يوم الخميس الماضي، والعثور على سيارة مجهزة بكميات كبيرة من المواد المتفجرة مركونة في مرأب أحد الأبنية السكنية في محلة الناعمة، جنوب بيروت مساء أول من أمس.

وزاد تكرار المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تحذيراتها للبنانيين من «الظروف الأمنية الخطيرة التي تمر بها البلاد»، ودعوتهم لتبليغ مراكزها عن «أي جسم مشبوه أو معرفتهم بأي معلومة أمنية يمكن الاستفادة منها، أو أي حادث أو أمر طارئ يتعرضون له»، من حالة القلق والخوف لدى شريحة واسعة من اللبنانيين المتخوفين من تحول لبنان إلى مسرح لعمليات تفجير سيارات مفخخة على غرار ما يجري في العراق.

ورغم أن سنوات الحرب الأهلية، التي عاشها لبنان، منذ منتصف السبعينات حتى نهاية الثمانينات، شهدت حوادث مماثلة، لكن عمليات التفجير استهدفت طوال العقود الثلاثة الأخيرة شخصيات سياسية ووجوها إعلامية، من دون أن يكون المدنيون أهدافها المباشرة، على غرار ما جرى في الرويس.

ولم يتأخر اللبنانيون في الاستجابة لدعوات قوى الأمن الداخلي بتحول «كل مواطن إلى خفير»، بدءا من سيارة الناعمة، مرورا بالإبلاغ أمس عن سيارة في بلدة داريا، قرب منزل مدير عام قوى الأمن الداخلي بالوكالة العميد إبراهيم بصبوص. لكن الأخير نفى الأنباء عن تفكيك سيارة مفخخة قرب منزله في داريا، وهو ما نفاه أيضا وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، موضحا أن السيارة التي أثارت الشبهات تعود إلى رقيب أول في الجيش اللبناني أوقفها على جانب الطريق بسبب تعطلها، مشيرا إلى أن الدوريات الأمنية لاحظت وجود السيارة وسرعان ما تبين الأمر مع عودة صاحبها.

وفي مدينة طرابلس، شمال لبنان، تم الاشتباه أمس بسيارة من نوع «جيب» بيضاء اللون، على أوتوستراد طرابلس الدولي مقابل جسر أبي سمرا، كانت مركونة منذ مدة هناك. وقد عمل الجيش على فرض طوق أمني وإبعاد الناس، وحضر الخبير العسكري، لكن بعد الكشف عليها تبين أنها لا تحتوي على أي متفجرات.

وكانت قيادة قوى الأمن الداخلي قد وجهت أمرا إلى قطاعات قوى الأمن الداخلي كافة، قضى بتكثيف الاستقصاءات والتحريات وعمليات الرصد والمراقبة، إضافة إلى تسيير الدوريات الأمنية، وإقامة الحواجز واتخاذ الإجراءات الاحترازية المناسبة على مختلف الأراضي اللبنانية.

أما في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث وقع انفجار في محلة الرويس يوم الخميس الماضي، فقد تداول الأهالي تعميما يدخل في سياق التدابير الاحترازية لمحاولة تفادي التفجيرات. وجاء في التعميم وفق ما نقلته مواقع إلكترونية لبنانية أمس: «أي شخص في حال ذهب إلى سيارته ووجد أخرى تعوق مروره موضوعا عليها رقم تليفون الشخص صاحب السيارة للاتصال به ليزيلها.. الرجاء الانتباه جيدا وعدم الاتصال بالرقم الموضوع على الزجاج وذلك للاشتباه بأن هذا الرقم قد يكون موصولا بصاعق لمتفجرة محتمل وجودها بهذه السيارة، وبمجرد الاتصال بهذا الرقم يتم تشغيل الصاعق وتفجير السيارة. الرجاء عدم الاتصال وتبليغ الأمن».

وفي خطوة لتحدي حالة القلق وأجواء الحزن التي تعم الضاحية، إثر تفجير الرويس، اختار عروسان التوجه إلى موقع الانفجار في الرويس بحلة الزفاف وحمل العريس علي علاء الدين وعروسه باقة من الورود وحمامتين وضعاهما في مكان حدوث التفجير، على وقع هتافات «لبيك نصر الله» و«هيهات منا الذلة». وقال العروسان إن خطوتهما هذه هي رد على التفجير وتأكيد على إرادة الحياة، مؤكدين دعمهما للمقاومة وأمين عام حزب الله، حسن نصر الله.

وتعكس آراء عينة من المواطنين، على ضوء المعطيات الأمنية المتوفرة، التخوف من أن تستمر عمليات استهداف المدنيين على وقع استمرار الأزمة في سوريا وحالة الانقسام السياسي في الداخل. وقال جورج، وهو أحد المقاتلين السابقين في الحرب الأهلية، لـ«الشرق الأوسط» إن «سيناريو السيارات المفخخة استخدم خلال الحرب الأهلية في لبنان، حيث تم تفجير عدد كبير من السيارات المفخخة»، معربا عن اعتقاده بأن «الهدف من ذلك هو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية لجر لبنان إلى مستنقع الصراع المذهبي في المنطقة».

ولم ينكر سمير، سائق سيارة أجرة، ستيني، تخوفه من السيارات المفخخة التي رأى أنها «تأتي إلى الآمنين في منازلهم لتقتلهم»، مستعيدا سلسلة من الحوادث المماثلة التي عرفها لبنان خلال سنوات الحرب. ودعا المسؤولين إلى الاتحاد والترفع عن الخلافات السياسية لتأمين الاستقرار.

من ناحيتها، قالت نهاد، ربة منزل، إنها خائفة على مستقبل أولادها وأحفادها في ظل التأزم الذي لا ينتهي وينتقل من سنة إلى أخرى، مشيرة إلى أنها «لا تملك إلا الصلاة ليرد الله عن أبنائها الذين يخرجون من المنزل يوميا لتأمين قوتهم اليومي».

ويؤكد مروان، شاب ثلاثيني موظف، أن «اللبنانيين ليسوا خائفين ولم تعد الانفجارات تهزهم بعد ما عرفوه خلال السنوات الأخيرة»، آملا أن يتمكن المسؤولون السياسيون والأمنيون من إعادة الهدوء والاستقرار، خصوصا أنه سيتزوج نهاية الشهر الجاري وينتظر وصول أقربائه المغتربين لمشاركته فرحته.