مفاوضات سرية لـ«النهضة» التونسية ومعارضيها

الغنوشي: اللقاء كان إيجابيا.. وصريحا

TT

أقر قياديون في حركة النهضة الحاكمة في تونس ومعارضوهم أمس، بأنهم أجروا مباحثات سرية مباشرة بعد شهر من اندلاع أزمة سياسية حادة في البلاد بين الطرفين إثر اغتيال نائب معارض.

وأقرت حركة «نداء تونس» (يمين الوسط) بإجراء مباحثات هذا الأسبوع خلال «جولة في أوروبا» قام بها زعيمها، رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي، أكبر معارضي «النهضة»، الذي كان وزيرا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وفي عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

وأكد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على موقعه في «فيس بوك» أن اللقاء الذي انعقد في 15 أغسطس (آب) الحالي كان «إيجابيا وصريحا»، دون مزيد من التفاصيل، بينما أفادت وسائل الإعلام التونسية أن اللقاء كان في باريس. ولم يوضح الطرفان لماذا فرضت السرية على ذلك اللقاء، بينما تعاني تونس من أزمة سياسية حادة منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 يوليو (تموز) الماضي، لا سيما أن الغنوشي نفى بشدة هذا الأسبوع أن يكون غادر تونس لإجراء مشاورات في الخارج.

من جهة أخرى، قالت حركة «نداء تونس» إنها شاركت في تلك المباحثات بالتوافق مع جبهة الخلاص الوطني، وهو ائتلاف معارض غير متجانس يجمع أحزابا من يمين الوسط إلى أقصى اليسار وينظم حركة الاحتجاج منذ نحو شهر.

من ناحيته، فاجأ رضا بلحاج مدير المكتب التنفيذي لحركة «نداء تونس» خلال كلمة ألقاها أمام أعداد مهمة من أبناء الوطن المقيمين بالخارج في مدينة بنزرت (60 كلم شمال العاصمة)، بطلب المساعدة من التونسيين المقيمين خارج تونس للتخلص من حركة النهضة. وذكر بلحاج بالدور الكبير الذي لعبه أبناء الجالية التونسية في انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، ودعاهم إلى «وجوب التحلي بمسؤولية الدفاع عن النمط الاجتماعي السلمي المعتدل الذي عرف عن تونس شأنهم في ذلك شأن المقيمين داخل حدود البلاد».

وفي هذا السياق، كشف سمير الطيب، القيادي في تحالف المسار الديمقراطي الاجتماعي المعارض، عن مواصلة المعارضة التونسية تمسكها بإسقاط الحكومة التي يقودها الائتلاف الثلاثي الحاكم وحل المجلس التأسيسي (البرلمان). وقال في تصريح خص به «الشرق الأوسط» إن «حركة النهضة اليوم في عزلة تامة عن بقية مكونات المجمع التونسي، وما عليها إلا القبول بحكومة إنقاذ وطني خلال الأسبوع الوحيد المتبقي أمامها». ونفى نية إخراج «النهضة» من الحكم، وأشار إلى إمكانية مشاركتها في حكومة الإنقاذ في صورة قبولها بمبدأ إسقاط الحكومة الحالية.

وقال الطيب إن منظمي اعتصام الرحيل يمتلكون برنامجا واضحا، «كما أن لدى المعارضة بديلا جاهزا وحاضرا وهو عبارة عن (المجلس الأعلى للإنقاذ) الذي سيتولى مواصلة كتابة نص الدستور وتنقيحه عبر كفاءات دستورية، إلى جانب حلول حكومة إنقاذ غير متحزبة ستقود البلاد عوض الحكومة الحالية». وقلل من أهمية التلويح بالفراغ السياسي الذي سيحدثه إسقاط الحكومة وحل المجلس التأسيسي، وقال في تصريحه: «لا داعي للخوف والحديث عن تداعيات سلبية بعد خروج الترويكا من الحكم».

وأشار الطيب إلى عدم استعداد الاتحاد العام التونسي للشغل (المنظمة العمالية) الذي يقود مبادرة لحل الأزمة، لاستقبال محاورين من ائتلاف الترويكا خلال الفترة المقبلة إذا لم يقبلوا بدعوة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني. وقال إن القيادات النقابية ستنظم بداية من الأسبوع الحالي اعتصامات في مقرات اتحاد الشغل بكل المدن التونسية، و«هو ما سيضع حركة النهضة في المزيد من الضيق السياسي»، على حد تعبيره.

وبشأن التنبؤ بسقوط الحكومة التي تقودها حركة النهضة نهاية شهر أغسطس (آب) الحالي، قال الطيب إن الضغط الشعبي سيتزايد في العاصمة ويشمل الجهات الداخلية وذلك بتنقل النواب المنسحبين (أعضاء البرلمان) داخل الولايات. وتوقع تزايد الزخم الشعبي لاعتصام الرحيل بداية من الأسبوع المقبل، على حد تعبيره. وقال إن «المسألة ستتضمن تنظيم حشد وطني وتحرك كبير تزامنا مع مرور 40 يوما على اغتيال القيادي القومي محمد البراهمي الذي سيوافق يوم 31 أغسطس الحالي». وأضاف أن «التحركات كلها ستكون ذات طابع سلمي»، داعيا التونسيين إلى التعبئة الجماهيرية السلمية ومواصلة الضغط الشعبي.

وبشأن اجتماع مجلس الشورى لحركة النهضة يومي السبت والأحد، قال سمير الطيب إنه على مجلس شورى «النهضة» ألا يخرج بقرارات ضعيفة لا تراعي مصلحة تونس. ودعا أعضاء المجلس إلى عدم ترك شخص واحد يتحكم في مصائر كل التونسيين. وأضاف أن قرارات راشد الغنوشي وخطوطها الحمر مضرة بتونس وبحركة النهضة نفسها.

وكان فتحي العيادي رئيس مجلس الشورى لحزب النهضة قد صرح أن المجلس سيناقش أفضل الخيارات لإنجاح تحقيق أهداف المرحلة الانتقالية عبر إكمال أعمال المجلس التأسيسي وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها، وهو ما يوحي بمواصلة دعم رؤية راشد الغنوشي رئيس الحركة لحل الأزمة بالمحافظة على المجلس التأسيسي وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية.

وتوقعت دوائر مقربة من حركة النهضة في تصريحات مختلفة لـ«الشرق الأوسط» أن يمزج قرار مجلس الشورى المرتقب بين ضغط قواعد وقيادات حركة النهضة التي ترفض مطلب استقالة الحكومة وتقديم مزيد من التنازلات والمتخوفة كذلك من محاولات أحزاب في المعارضة لإقصائها من الحكم بعد نحو سنة ونصف السنة من قيادة البلاد، من ناحية، وبين مطالب المعارضة التي تصف الحكومة بالفشل ويدعمها في ذلك شق مهم من التونسيين.

في غضون ذلك، قال أمس رضا السعيدي الوزير المكلف بالملف الاقتصادي (قيادي بحركة النهضة) إن الحكومة ستجري خلال الأيام المقبلة تغييرا في سلك الولاة (المحافظين) وإن الأولوية ستكون موجهة إلى المحافظات التي تشهد توترا وحراكا شعبيا كبيرا. ومن شأن هذا القرار الاستباقي أن يخفض من وطأة حملة «ارحل» التي تبنتها جبهة الإنقاذ المعارضة لعزل المسؤولين المحليين والولاة ورؤساء المنشآت العمومية والإدارة المركزية الذين جرى تنصيبهم على أساس الولاءات الحزبية.