مليون زائر يفرون من محافظة مطروح الساحلية بسبب تهديدات المتشددين

السلفيون طلبوا من المصطافين مغادرتها.. ومجهولون استهدفوا مقار حكومية

TT

غادر نحو مليون زائر محافظة مطروح الساحلية، شمال غربي القاهرة، بسبب تهديدات المتشددين، منذ يوم الجمعة الماضي، وذلك بعد أن أغلق مناصرون للرئيس السابق محمد مرسي الشارع الرئيس في مدينة مرسى مطروح، عاصمة المحافظة، وفجروا الخط الرئيس للسكك الحديدية، وهددوا بقطع الطريق الساحلي الدولي عند منطقة الحمام قرب الإسكندرية، بينما طاف عدد من قادة الحركة السلفية بمكبرات الصوت مطالبين المصطافين بالمغادرة بالتزامن مع استهداف مقار حكومية بالقنابل.

إلا أن السلطات الأمنية ردت بالقبض على نحو 70 شخصا، بينهم ستة من قادة جماعة الإخوان بالمحافظة، وزادت من نقاط التأمين على طول الطريق الواصل بين القاهرة والساحل الشمالي الغربي الذي يضم مدنا وقرى سياحية من بينها العلمين وسيدي عبد الرحمن ورأس الحكمة. وشوهدت قوافل السيارات والحافلات وهي تتحرك عائدة في اتجاه الشرق إلى المحافظات الكبرى كالقاهرة والجيزة وغيرهما.

ويقول محمد سالم، وهو طبيب من القاهرة كان يقضي عطلته السنوية على ساحل البحر في مرسى مطروح «منذ وصلت إلى هنا وأنا وأولادي في كابوس.. لا أعرف كيف سأعود إلى بيتي. لا يوجد وقود، والسلفيون قطعوا الطريق الدولي». ويضيف زائر آخر يدعى عبد الله ويعمل محاسبا في شركة خاصة بالعاصمة «جئت بالقطار، لكن لا أعرف كيف سأعود بعد أن تم تفجير خط السكة الحديد».

وتعتبر مرسى مطروح، ذات الطابع القبلي، بوابة تهريب للآلاف من قطع الأسلحة من جيش العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إلى مصر، ويكثر فيها المتشددون ومهربو الأسلحة والمخدرات. ويقول مسؤول أمني في وزارة الداخلية إن نتائج أعمال التهريب، التي استمرت منذ الإطاحة بنظام القذافي، بدأت تظهر في شوارع القاهرة وسيناء وبعض المدن الأخرى من خلال المواجهات الدائرة بين القوات الحكومية المصرية وجماعة الإخوان والموالين لها، منذ الإطاحة بمرسي، مشيرا إلى توقيف العشرات ممن كانوا يحاولون تهريب أسلحة جديدة عبر الحدود الغربية إلى داخل البلاد، بالتزامن مع تشديد نقاط حراسة على الطريق الساحلي لفتح الطرق التي يحاول أنصار الرئيس السابق قطعها أمام حركة المواطنين الذين كان أغلبهم يمضي إجازة العيد والمصيف على الساحل الشمالي الغربي. وتعتمد محافظة مطروح في جانب كبير من اقتصادها على المصيف، ويقول أحمد عبد اللطيف، المسؤول في قطاع السياحة في الساحل الشمالي «عدد الذين تدفقوا لقضاء الإجازة على الشواطئ بعد انتهاء شهر رمضان يقدر بنحو مليوني مصطاف، لكن الذين قرروا العودة من حيث أتوا لا يقلون عن مليون زائر». وتسببت انتكاسة الموسم في غضب الغالبية العظمى من أبناء المحافظة، وألقوا باللائمة على التيار السلفي. ويقول جمعة، وهو شاب يؤجر اليخوت للمصطافين على شاطئ العوام، إن «زوار المدينة يهربون منها.. أصبحنا من دون مورد رزق». بينما يضيف علي محمد، وهو مصطاف ورجل أعمال من محافظة البحيرة «توجد هنا الكثير من سيارات الدفع الرباعي من دون لوحات معدنية. ونرى ملثمين يقودونها عبر الشوارع الخلفية. الوضع مخيف.. الوضع أشبه بما نراه في سيناء، ولهذا قطعت الإجازة وسأعود لبيتي».

عقب صلاة ظهر الجمعة تجمع نحو خمسة آلاف في مسجد الفتح الذي يعد معقل الحركة السلفية بمرسى مطروح، لتنطلق مسيرات مناوئة للجيش والشرطة والحكام الجدد. وتخرج مسيرات مماثلة من مساجد تابعة للحركة السلفية في مدن المحافظة الواقعة على ساحل البحر المتوسط من الإسكندرية حتى السلوم، ويبلغ طول هذا الساحل نحو 520 كيلومترا، وتوجد عليه قرى سياحية وفنادق من فئة الخمس نجوم والآلاف من الشقق المصيفية، ويتردد على المحافظة في شهور الصيف الثلاثة من خمسة ملايين إلى سبعة ملايين مصطاف.

وتعتبر مدينة مرسى مطروح أول مدينة يسقط فيها قتلى منذ يوم الإعلان عن الإطاحة بمرسي، بينهم أربعة داخل المدينة، إلى جانب أربعة من المنتسبين إليها في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة واثنين في الإسكندرية، كما قال أيمن شويقي، وهو من كبار النشطاء في اعتصام الموالين لمرسى بمطروح، قبل إعلان القبض عليه أمس. وبعد الصلاة أمام مسجد الفتح بالمدينة كان هناك شاب أسمر ذو لحية خفيفة انطلق بسيارة دفع رباعي مطموسة الهوية عليها مكبر صوت. وتوجه إلى شارع الكورنيش، داعيا زوار المدينة للخروج منها، وفي هذه الأثناء كانت ألسنة الدخان الأسود ترتفع من شارع «المحطة» وشارع «الإسكندرية» وشارع «شكري القوتلي» و«شارع المحكمة». وبعد ساعات تكدست آلاف السيارات بطول الساحل الشمالي أمام محطات الوقود للعودة إلى القاهرة في قوافل خوفا من أي عدون عليهم من الإسلاميين على الطريق.

ولا يوجد في مرسى مطروح أي ثقل لجماعة الإخوان المسلمين، لكنها صوتت بنسبة تزيد على 80 في المائة لمرسي، وما زالت تشهد حاليا مظاهرات يومية ضد الجيش يشارك فيها خليط من الموالين للتيار السلفي والمتشددين وشبان صغار غاضبون، هددوا أمس باستهداف آبار النفط بالصحراء الغربية لمصر، وسط مخاوف من أن يتحول الاعتصام السلمي إلى العنف. وأحرق المناوئون للحكام الجدد مقر المحكمة الرئيس في مرسى مطروح، ومقر إقامة ضباط الأمن، وألقوا قنبلتين يدويتين على مقر النيابة العسكرية، وفجروا خط السكة الحديد، وحاولوا اقتحام المبنى الإداري للمحافظة، وسرقوا سبائك ذهب ومخدرات كانت تحت المصادرة ضمن قضايا يجري التحقيق فيها في بعض الدور القضائية. وقالت مديرية أمن مطروح إنها ألقت القبض على المتهم بتفجير مبنى النيابة العسكرية وخط السكة الحديد، وهو طالب مصري قادم من إحدى الدول الخليجية، بينما تجري ملاحقة آخرين، بالإضافة إلى التحقيق مع 68 متهما في أحداث شغب وإتلاف ممتلكات عامة، وألقت قوات الأمن أمس القبض على ستة من قيادات الجماعة بمطروح باعتبارهم من العناصر المحرضة على العنف.

ويقول شويقي، الذي يشارك منذ أكثر من شهر في الاعتصام الأساسي بالمحافظة أمام محطة القطارات في مدينة مرسى مطروح، إن الاعتصام كانت بدايته مجموعة من نشطاء مطروح، ثم دعمه بقوة التيار السلفي الذي له شعبية كبيرة في المحافظة، ويضيف أنه، مع الوقت، أصبح المزيد من الناس ينضمون للاعتصام، مشيرا إلى أن «مطروح تعتبر من المحافظات التي يوجد فيها الإخوان بعدد قليل بسبب هيمنة التيار السلفي على المجتمع المطروحي»، وأن هدف المعتصمين كان إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل 3 يوليو (تموز)، أي عودة مرسي للرئاسة وعودة الدستور ومجلس الشورى. وغيرت الطريقة التي جرت بها عملية فض اعتصامات أنصار الإخوان في أنحاء البلاد من المزاج العام في مرسى مطروح، وزادت الغضب ضد زوار المدينة والساحل الشمالي، معتبرين إياهم من المناوئين لمرسي. وبدأت الأنباء تتردد عن اعتزام مجموعات من الشبان الغاضبين استهداف حقول النفط المنتشرة في المحافظة. ويقول شويقي «في الأيام الأخيرة تصاعدت وتعقدت الأزمة بسبب فض الاعتصامات بشكل وحشي، وولد ذلك رد فعل عكسيا، وحدثت أعمال شغب وعنف في المدينة وجرت السيطرة عليها. ويضيف «ما بعد فض الاعتصام كان المشهد أشبه بصدمة، وكانت العواطف مسيطرة على الوضع في البداية، لكن الناس امتصوا الصدمة، وعادت الجماهير نفسها إلى الاعتصام». ويقول شويقي «الوضع كما ترى، لا توجد بارقة أمل للرجوع، لكن الجميع يصمم على مطالبه». وعلى الرغم من تحريض عدد من شيوخ التيار السلفي على استهداف المقار الحكومية وقوات الجيش والشرطة، فإن شويقي يزيد قائلا «من أول يوم كنا حريصين على السلمية»، لكنه يضيف موضحا «في الوقت الحالي أصبحت توجد شريحة جديدة في الشارع أكثر تشددا من الشباب المتهور صغير السن.. نحن قلقون جدا من أن تتحول مطروح إلى نموذج متكرر من سيناء ولا نتمنى ذلك»، مشيرا إلى أن «الأمور تسير في اتجاه فوضى أو تصعيد والبعض يدعو لتخريب حقول البترول، والبعض يقول إن الاعتصام السلمي لم تعد له قيمة».