هجمات بالكيماوي في ريف دمشق على مرأى المراقبين الدوليين

النظام السوري نفى مسؤوليته.. والمعارضة اتهمته بخنق مئات الأطفال والنساء

TT

لم يحل وجود مفتشين دوليين عن السلاح الكيماوي في العاصمة دمشق أمس دون مقتل أكثر من 1300 شخص بينهم عشرات الأطفال والنساء، وفق لجان التنسيق المحلية في سوريا، التي اتهمت النظام السوري بـ«استخدام الغازات السامة على بلدات في الغوطة الشرقية».

وفي حين نفت السلطات السورية الرسمية استخدام سلاح كيماوي في ريف دمشق، مؤكدة أن التقارير حول قصف بالغازات السامة على مناطق في الغوطة «محاولة لإعاقة عمل لجنة التحقيق الدولية حول السلاح الكيماوي»، أعلن المجلس العسكري في دمشق وريفها التابع للجيش السوري الحر، أن القوات النظامية قصفت بلدات ومدن دوما وسقبا وعين ترما وزملكا وجوبر وعربين وكفر بطنا ومعضمية الشام في الغوطتين الغربية والشرقية بريف دمشق بصواريخ أرض - أرض محملة برؤوس كيماوية وأخرى تحمل غازات سامة».

وأحصت لجان التنسيق المحلية سقوط مئات القتلى والمصابين نتيجة استخدام النظام للغازات السامة على بلدات في الغوطة الشرقية، مشيرة إلى أن «السلاح الكيماوي وجه ضد العائلات في تلك المناطق ليختنق الأطفال في أسرتهم ولتغص المشافي الميدانية بمئات الإصابات في ظل نقص حاد باللوازم الطبية الكافية لإسعافهم خصوصا مادة الاتروبين». وقالت شبكة «شام» المعارضة إن عدد المصابين بتأثير الغازات السامة وصل إلى 6 آلاف شخص». وذكرت «المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان» أن «القوات النظامية السورية أطلقت من قاعدة لها في مطار المزة صواريخ أرض - أرض محملة بعبوات كيماوية باتجاه بلدات غوطة دمشق الشرقية إضافة إلى بلدتي المعضمية وداريا».

ويأتي هذا التطور المأساوي بعد ثلاثة أيام من وصول فريق خبراء الأمم المتحدة إلى مدينة دمشق، للتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا في النزاع السوري، إثر مفاوضات طويلة مع الحكومة السورية. لكن الفريق المكون من 20 خبيرا كيميائيا لم يغادر مكان إقامته في فندق الشيراتون وسط دمشق، أثناء حصول الهجمات، وفق ما أكده ناشطون معارضون أمس.

وأكد النقيب عبد السلام عبد الرزاق، المنشق عن إدارة الأسلحة الكيماوية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «النظام السوري استخدم غاز السارين في ريف دمشق»، موضحا أن «نسبة تركيز الغاز هذه المرة في الهواء كانت مميتة، مما يفسر العدد الكبير للضحايا». ولفت إلى أن «قرار استخدام السلاح الكيماوي لا يتخذ إلا على مستوى قيادة الجيش العليا، أي (الرئيس السوري) بشار الأسد».

وبثت «الهيئة العامة للثورة السورية» أشرطة فيديو عدة على موقع «يوتيوب»، مؤكدة «حصول مجزرة مروعة ارتكبتها القوات النظامية». ويظهر في أحد الأشرطة أطفال في مشفى ميداني يتم إسعافهم عبر وضع أقنعة أكسجين على وجوههم وهم يتنفسون بصعوبة، بينما يبدو أطفال آخرون وكأنهم مغمى عليهم من دون آثار دماء على أجسادهم، ويعمل مسعفون أو أطباء على رش الماء عليهم بعد نزع ملابسهم وتمسيد وجوههم وصدورهم. وأكد طبيب ميداني أن «أعراض الإصابة بالكيماوي كانت واضحة على الضحايا»، مشيرا إلى أن «الحصيلة إلى ازدياد بسبب قلة الأدوية الطبية لعلاج المصابين». فيما أشار طبيب آخر إلى مقتل 40 شخصا في مستشفى ميداني في سقبا، استقبل 200 حالة»، موضحا أن «العوارض المسجلة تشكل فقدان الوعي وخروج الزبد من الفم والأنف وضيق حدقة العين وتسارع دقات القلب وصعوبة في التنفس».

وتوزعت الضحايا بين مناطق سقبا وحمورية ودوما وزملكا وعربين وجسرين وحرستا وكفربطنا وعين ترما، بحسب الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان التي أشارت إلى أنه «من المرشح ارتفاع أعداد الضحايا نظرا لحالة الحصار الخانق المفروض على هذه البلدات واستمرار العمليات العسكرية من قبل القوات النظامية التي تمنع الكوادر الطبية من الدخول إلى المناطق المنكوبة».

وقال ناشطون معارضون إن «النظام عمد إثر ارتكاب المجزرة إلى قصف المناطق نفسها بالطيران في الغوطة الشرقية والمعضمية وجوبر، إضافة إلى امتداد الغازات إلى زملكا في ريف دمشق بعد سقوط صاروخ آخر هناك يحمل الغازات السامة»، فيما أفادت «سانا الثورة» بأن أعداد الضحايا في تزايد كبير، وبينهم أطفال، إثر تعرضهم للغازات السامة، حيث أفاد الأطباء في المشافي الميدانية كتقرير أولي بأن الغاز هو «السارين».

وكان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قد أفاد أمس بأن «القوات النظامية بدأت تصعيدا عسكريا واسعا في منطقتي الغوطة الشرقية والغوطة الغربية في ريف دمشق ليلة أول من أمس، مستخدمة الطيران وراجمات الصواريخ». وأشار إلى أن «هذا القصف هو الأعنف الذي تتعرض له البلدة منذ بدء الحملات العسكرية للقوات النظامية في المنطقة قبل أشهر طويلة».

ودعا المرصد «اللجنة الدولية الخاصة بالتحقيق في استخدام الأسلحة الكيماوية الموجودة في سوريا إلى «زيارة المناطق المنكوبة والعمل على ضمان وصول المساعدات الطبية والإغاثية لهذه المناطق في أسرع وقت ممكن» والتحقيق في ما ينقله ناشطون عن استخدام السلاح الكيماوي.

في المقابل، نفت السلطات السورية استهدافها مناطق الغوطة الشرقية بالسلاح الكيماوي. واعتبر مصدر أمني سوري، وفق ما نقلته عنه وكالة الصحافة الفرنسية، أن ما نُشر «كلام إعلامي كاذب لا صحة له». وقال «كل يوم هناك معارك، والأمر ليس جديدا. هناك عمليات في كل المناطق، ومطاردة المجموعات المسلحة مستمرة».

وفي وقت لاحق، أصدرت «القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة» في سوريا بيانا أوضحت فيه أن «هذه الادعاءات تندرج ضمن الحرب الإعلامية التي تنفذها بعض الدول، وما يدعيه المسلحون والقنوات التي تدعمهم ما هو إلا محاولة يائسة للتغطية على هزائمهم على الأرض ويعكس حالة التخبط والانهيار الذي يعانوه ومن يقف وراءهم».

من ناحيته، قال مستشار رئاسة الوزراء السورية عبد القادر عزوز لقناة «روسيا اليوم» إنه «رغم إطالة أمد المعركة فإن النصر حليف الجيش العربي السوري، وهو ما نشهده اليوم في الميدان، وبالتالي، لا يوجد أي داع لامتلاك السلاح الكيماوي»، لافتا إلى أن «الحكومة السورية تعلم أن هناك في الداخل السوري تنظيمات كجبهة النصرة لديها مصانع بدائية لإنتاج غاز السارين».

وكان النظام السوري قد أقر للمرة الأولى في 23 يوليو (تموز) 2012 بأنه يملك أسلحة كيماوية لكنه أكد أنه لم يستعملها أبدا ضد شعبه مهددا باستخدامها إذا حصل تدخل عسكري غربي. ويتبادل النظام والمعارضة الاتهامات بشأن استعمال أسلحة كيماوية في النزاع الدائر منذ أكثر من سنتين في سوريا، التي تعتبر من الدول القليلة التي لم توقع معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية وبالتالي ليست عضوا في المنظمة المكلفة بمراقبة تطبيق تلك المعاهدة.

وبدأ تنفيذ البرنامج السوري الكيماوي خلال سبعينات القرن الماضي بمساعدة مصر ثم الاتحاد السوفياتي سابقا، كذلك أسهمت فيه روسيا خلال التسعينات ثم إيران اعتبارا من عام 2005، بحسب ما أوردته منظمة «نوكليار ثريت اينيسياتيف» المستقلة والتي تحصي المعطيات «المفتوحة» حول أسلحة الدمار الشامل.