الداخلية الكردية تضع قيودا على لجوء الأجانب وتفتح أبواب الإقليم أمام المواطنين

البحث عن الأمان يقود عشرات الآلاف من العراقيين للاستقرار بكردستان

TT

الاستقرار الأمني والسياسي بإقليم كردستان العراق بات لافتا خلال السنوات الأخيرة مقارنة بالتوترات الأمنية والصراعات السياسية التي أصبحت عنوانا رئيسا للمشهد السياسي ببقية أنحاء العراق. وهذا الاستقرار والأمن المستتب يغري العديد من العراقيين إلى النزوح نحو كردستان، يضاف إليه نزوح مماثل للعمالة الأجنبية من مختلف البلدان بحثا عن فرص العمل المتوفرة بفضل الانتعاش الاقتصادي للإقليم.

ومع نزوح مئات الآلاف من الأكراد السوريين في السنتين الأخيرتين وحضورهم اللافت بالعمل في المطاعم والمقاهي والمتنزهات والمولات وحتى داخل البيوت، ضيق هذا النزوح المستمر على بقية الجاليات التي وجدت لها في السنوات السابقة ملاذا بالإقليم بحثا عن لقمة العيش أو تدبير ما يساعد أهليهم في بلدانهم من تحويلات العملة الصعبة.

تقول وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في أحد إحصاءاتها، إنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة دخل إلى إقليم كردستان 8806 عمال أغلبهم من الهند وبنغلاديش ومصر وتركيا، بينما يعمل في مركز مدينة السليمانية وحدها 11307 عمال أجانب، ثلاثة آلاف منهم من النساء يعملن في خدمة البيوت.

وفي حين أن وزارة الداخلية لم تنشر بعد الأرقام النهائية لعدد العراقيين المقيمين في إقليم كردستان، لكن هناك تقديرات تصل إلى مئات الآلاف، يضاف إليهم 170 ألفا من اللاجئين الكرد السوريين وعشرات الآلاف من العمال الأجانب، وهذه أرقام بحد ذاتها مؤشر لنجاح قيادة الإقليم بتوفير الأمن والاستقرار والملاذ وكذلك فرص العمل لمن يحتاجه.

ومعظم العمالة الأجنبية في الإقليم، خلال السنوات الماضية، هي الفلبينية والإثيوبية والبنغلاديشية، وهذا ما أغرى العديد من العاملين بدول الخليج إلى مغادرتها والتوجه نحو كردستان، مما وضع سلطات الإقليم بموقف حرج لعدم تمكنها من استيعاب كل هذه الأعداد المتدفقة، ولذلك أصدرت وزارة الداخلية أمس قرارا أوقفت بموجبه قبول اللاجئين من العديد من البلدان منها بنغلاديش وكينيا وأوغندا ونيجيريا، وأبقت على حق الإقامة الحالية لمواطني تلك البلدان من المقيمين سابقا بالإقليم، بالإضافة إلى جنسيات أخرى مثل الأتراك والمصريين والهنود والجورجيين.

وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» أكد الدكتور طارق صديق رشيد كردي مدير عام ديوان وزارة الداخلية أن «كردستان كانت دوما ملاذا وملجأ للكل، ففي السنوات التي سبقت سقوط النظام السابق، كانت كردستان مركزا ومأوى لأعضاء القوى السياسية المعارضة للنظام العراقي، ورغم الظروف الاقتصادية السيئة بسبب الحصار الدولي في أعوام التسعينات، لكن كانت كردستان ملاذا لعشرات الآلاف من أبناء العراق المناضلين ضد النظام السابق، وبعد سقوط ذلك النظام وبسبب التدهور الأمني والصراعات الطائفية والسياسية كانت كردستان مرة أخرى ملاذا لمن يحتاجه، وهكذا تدفقت عليها مئات الآلاف من أبناء العراق من العاصمة العراقية ومن مختلف المدن الأخرى من العرب والمسيحيين والكلدان والصابئة ممن تتهددهم الأوضاع الأمنية والهجمات الإرهابية والحرب الطائفية، وما زلنا نستقبل يوميا المئات من العوائل العراقية الباحثة عن الأمن والاستقرار». وبسؤاله عن الإجراءات التي تتخذها سلطات الإقليم تجاه لجوء العراقيين إلى كردستان، وما يؤخذ على سلطات الإقليم من تعقيدات تتعلق بربط الكفيل والتحقيقات الأمنية المعقدة، قال الدكتور كردي «من حق أي دولة أو إقليم بالعالم أن يحافظ على أمنه واستقراره، ونحن بفضل هذا الأمن حولنا إقليمنا إلى ملاذ آمن للجميع، لذلك فإن التحقيقات التي نجريها والشروط التي نضعها على القادم وهي شروط بسيطة جدا، تهدف إلى معرفة مع من نتعامل، فحرصنا على توفير الأمن لمواطنينا وللقادمين إلينا يدفعنا إلى اتخاذ بعض الإجراءات للتأكد من هوية ونيات القادمين، فلا يصح أن نخلي الطريق أمام كل من هب ودب ليأتي إلينا ويخرب أوضاعنا، وخاصة أن بلدنا يتعرض منذ عشر سنين إلى هجمات إرهابية من كل صوب وحدب، فلماذا يستكثرون علينا بعض الإجراءات الاحترازية وهي بمجملها لخدمة البلد والقادمين إلينا؟!». وأشار مدير عام ديوان الوزارة إلى أن «التحقيقات التي نجريها مع القادمين هي نفس الإجراءات المقررة بقانون السكن العراقي، هناك استمارات يملأها القادم يثبت فيها مكان إقامته وعنوانه وهذه أمور اعتيادية». وحول ما إذا كان يسمح للعراقيين بشراء الدور والأراضي للاستقرار النهائي بكردستان، قال الدكتور كردي «بالطبع، يحق لكل مواطن عراقي أن يمتلك الدار أو قطعة الأرض التي يريد شراءها، هو عراقي وهذا بلده، وليس هناك أي مانع قانوني بهذا الشأن».

العراقيون مرحب بهم رسميا، ولكن شعبيا هناك تذمر من تزايد أعدادهم بالسنوات الأخيرة، وخاصة أن العدد الأكبر منهم يأتي للاستقرار وليس للسياحة أو الإقامة المؤقتة، وهذان أمران مرحب بهما على الصعيد الشعبي لأن هذا يسهم بالانتعاش الاقتصادي، لكن المشكلة في من يستقرون، حيث يزاحمون سكان المدن الكردستانية بالسكن، ويفاقمون بدورهم من حدة أزمة السكن التي سجلت في السنوات الأخيرة أرقاما فلكية لا يستطيع المواطن الكردي البسيط تدبيرها لإيجارات السكن.

ويقول سيروان مصطفى، وهو كاسب يقيم بدار للإيجار بمبلغ مليون دينار (ما يوازي حدود 800 دولار): «جيراني على اليمين عائلة تركية، وعلى اليسار دكتور من عرب بغداد، وفي هذه المحلة هناك العشرات من العراقيين والأجانب، ولذلك هذا البيت الذي لم يكن يساوي إيجاره مائتي دولار، أصبح الإيجار الآن يفوق الراتب الشهري لثلاثة موظفين جدد بالحكومة، أنا إيرادي جيد، ولكن كيف يستطيع الموظف أن يدفع إيجارا كبيرا كهذا المبلغ؟».

وحول امتلاك العقارات قال نهرو عبد الرحمن صاحب مكتب عقارات بأربيل «نعم هناك المئات من العقود التي نبرمها بمكاتبنا لشراء البيوت من قبل العراقيين، بل إن هناك البعض منهم دخل مجال المضاربات العقارية، وبعض الأغنياء منهم يشترون الدور والأراضي ليبيعوها بأرباح مغرية، والبعض يشتري عدة قطع أراض بوقت واحد، لقد بدأوا يزاحموننا بهذه المهنة».