مطالبة دولية بتحقيق ميداني حول استخدام السلاح الكيماوي في سوريا

وزير خارجية فرنسا يدعو إلى تحرك «يعتمد على القوة» .. وانتقادات لإدارة أوباما لعدم التحرك

مواطن سوري أمام بناء دمر إثر غارة جوية قرب دوما أمس (رويترز)
TT

تزايدت الضغوط على منظمة الأمم المتحدة للقيام بخطوات فعالة تجاه استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا بعد أن خرج بيان مجلس الأمن مطالبا بضرورة «الوضوح» بشأن الهجوم المزعوم بالأسلحة الكيماوية في ريف دمشق، لكن المجلس بأعضائه الـ15 لم يتوصلوا إلى اتفاق بشأن المطالبة بشكل صريح وقاطع بأن يقوم محققو الأمم المتحدة الموجودون حاليا في سوريا بالتحقيق في الحادث ولم يطالب مجلس الأمن بإجراء تحقيق دولي، لكنه أشاد بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإجراء تحقيق. واتفق أعضاء المجلس على أن أي استخدام للمواد الكيماوية من قبل أي من الأطراف يمثل خرقا للقانون الدولي.

وأفاد مكتب الأمين العام للأمم المتحدة أمس بانه ارسل طلبا رسميا للحكومة السورية بالسماح للمفتشين الدوليين بزيارة الغوطة الشرقية. وطلب بان كي مون من الحكومة السورية السماح لمفتشي المنظمة الدولية بالتحقيق «دون تأخير»، وكلف أنجيلا كين ممثلة الامم المتحدة السامية لشؤون نزع السلاح السفر الى دمشق للضغط من أجل السماح لفريق المنظمة -الذي وصل الى سوريا يوم الاحد الماضي للتحقيق في عدة مزاعم سابقة باستخدام الاسلحة الكيماوية- بدخول موقع أحدث هجوم مزعوم.

وقال المكتب الصحفي لبان: «يعتقد الامين العام ان الحوادث التي وردت عنها تقارير امس ينبغي ان يجري التحقيق فيها دون تأخير»، مضيفا انه «يتوقع تلقي رد ايجابي بدون تأخير» من دمشق.

وتواجه الإدارة الأميركية - بشكل خاص - عدة انتقادات حول الخطوط الحمراء التي حددها الرئيس أوباما منذ عام محذرا السلطات السورية من أن أي استخدام للسلاح الكيماوي سيعد تجاوزا للخط الأحمر، بينما أشار عدة محللين إلى أن الإدارة الأميركية تحاول تهدئة ردود الفعل الغاضبة لدى المجتمع الدولي، وتسعى لإجراء تحقيق موثق قبل القيام بأي تصرف. وقد أدان البيت الأبيض بشدة الحادث ودعا إلى التحقيق الفوري فيه والسماح للأمم المتحدة بالقيام بتحقيق فوري وشفاف.

وفي الوقت نفسه يقف مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية ضد أي تحرك عسكري في سوريا وهو ما أوضحته رسالة رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي إلى العضو الديمقراطي أليوت أنجل منتقدا التفكير في القيام بتحرك عسكري لضرب القوة الجوية السورية واعتبر القيام بذلك يورط الولايات المتحدة في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط.

وجاءت أبرز الانتقادات من السيناتور الأميركي جون ماكين خلال حديث لشبكة «سي إن إن»، حيث اتهم الرئيس أوباما بالفشل في القيام بتصرف في ما سماه «الخط الأحمر» مما أعطى الرئيس السوري كارتا أخضر لاستخدام هذه الأسلحة الكيماوية. وأضاف ماكين أنه متأكد أن الرئيس الأسد قام باستخدام الأسلحة الكيماوية قبل ذلك، ودعا الولايات المتحدة أن تقوم باتخاذ خطوات عسكرية خارج الحدود السورية لمنع ما يحدث للمدنيين. وقال عضو مجلس الشيوخ الأميركي إن تلك الضربة «سهلة للغاية للقيام بما يجب لتحطيم مدرجات الطائرات وإنشاء منطقة حظر طيران».

وقد حاولت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جين بساكي تجنب الحديث عن الخط الأحمر وتجاوز النظام السوري له إذا ثبت استخدامه للسلاح الكيماوي، وقالت «لا أتحدث عن خطوط حمراء ولست مخولة برسم خطوط حمراء جديدة». وقد ثارت عدة انتقادات وتساؤلات عن أسباب تغيب سامنتا باور التي عينها الرئيس أوباما أخيرا في منصب مندوبة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية عن الجلسة المغلقة لمجلس الأمن.

واعتبرت تمارا ويتز أن الخطوط الحمراء التي رسمها الرئيس أوباما بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا قد تلاشت، وأكدت أن الرئيس أوباما يمضي قدما بحذر ردا على أي مطالبات بالتصرف حيال قيام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية.

وقال ستيورات باتريك المحلل السياسي بمجلس الشؤون الخارجية بواشنطن، إن «حادث الغوطة الشرقية يعد إلى حد كبير أسوأ استخدام للأسلحة الكيماوية خلال الصراع المستمر منذ أكثر من عامين وأسوأ الفظائع، وهو ما يعد سخرية من الخط الأحمر الذي أصدره الرئيس أوباما، خاصة أن المجتمع الدولي ليس لديه صورة واضحة عن عدد المرات التي تم فيها استخدام الأسلحة الكيماوية وليس لديه صورة واضحة عن أمن وتأمين مستودعات الأسلحة لدى الرئيس الأسد».

على الصعيد الدولي، خرجت من الدول الأوروبية عدة تصريحات تطالب بضرورة إجراء تحقيق فوري وضرورة محاسبة المسؤولين عن الحادث وتلوح بضربات عسكرية. ذهبت باريس إلى أبعد من كل العواصم الغربية في رد فعلها على الادعاءات باستخدام النظام السوري المرجح للسلاح الكيماوي في محيط مدينة دمشق ليل الثلاثاء - الأربعاء. وفي حين توقفت غالبية المواقف الغربية الرسمية عند حدود المطالبة بضرورة توجه المحققين الدوليين الموجودين في سوريا إلى المواقع التي تؤكد المعارضة استخدام الغازات السامة فيها، عبر وزير الخارجية لوران فابيوس، في حديث تلفزيوني صباحي، عن مواقف أكثر حزما. ويمكن تلخيص الموقف الفرنسي «الجديد» بإعلان فابيوس أن بلاده تريد «رد فعل» على اللجوء إلى السلاح الكيماوي «يمكن أن يكون بشكل استخدام القوة» وهو ما يفسر على أنه رد عسكري. غير أن الوزير الفرنسي سارع إلى استبعاد أن ترسل بلاده قوات أرضية إلى سوريا، معتبرا أن مبادرة من هذا النوع «مستحيلة».

أما النقطة الثانية الأساسية فيما قاله الوزير الفرنسي فتكمن في تأكيده أنه إذا استحال على مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار (بسبب المعارضة المنتظرة من قبل روسيا والصين لأي قرار يتخذ تحت الفصل السابع ويجيز اللجوء إلى القوة العسكرية)، فيمكن عندها «اتخاذ قرارات بطريقة مختلفة». وتساءل فابيوس: «كيف ذلك؟». بيد أنه امتنع عن الإجابة عن السؤال الذي توقف عنده كل المحللين السياسيين والعسكريين بقوله: «لن أذهب إلى أبعد من ذلك».

ومن جهته، شدد وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ على ضرورة السماح لمفتشي الأمم المتحدة بزيارة مسرح الأحداث، وقال «إذا لم يتم التحقق مما حدث فإنه يعد علامة على التصعيد في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وآمل من جميع أعضاء مجلس الأمن الانضمام إلينا وأن يستيقظ بعض الذين يدعمون نظام الأسد وإدراك طبيعته القاتلة والهمجية». و التقى هيغ نظيره التركي أحمد داود أغلو لبحث التطورات الأخيرة في سوريا، وقال هيغ بعد اللقاء: «اتفقنا على ضرورة سماح الحكومة السورية لفريق الأمم المتحدة الموجود حاليا (في سوريا) للتحقيق في ادعاءات سابقة حول استخدام أسلحة كيماوية بالوصول إلى المنطقة المعنية». وأضاف: «تباحثنا أيضا حول استمرار التعاون الدولي لمعالجة الوضع المأساوي في سوريا وكيفية تشجيع التقدم باتجاه حل سياسي».

وكان هيغ وفابيوس التقيا أول من أمس في العاصمة باريس، بينما واصلت لندن وباريس الاتصالات الدبلوماسية مع العواصم الفاعلة للضغط على تفعيل دور المفتشين الدوليين. وقال ناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا محللون يطلعون على التسجيلات التي صدرت ونعمل للحصول على تقارير موثقة»، ولكنه أضاف أنه من الصعب اتخاذ موقف أكثر حزما من توجيه اتهام لجهة معينة «لأن التقارير حول إمكانية استخدام سلاح نووي لم توثق بعد».

وقالت مصادر فرنسية رسمية، إن فابيوس تهاتف مع نظيره الأميركي جون كيري في حين تحادث الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مع أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون. وقال بيان قصر الإليزيه، إن هولاند بحث مع الأخير لجوء النظام السوري إلى السلاح الكيماوي وهو الأمر الذي «ترجحه» فرنسا. أما إذا لم تسمح الحكومة السورية للمحققين بتفحص الوقائع فعندها سيعود الملف مجددا إلى مجلس الأمن الدولي مع وجود اقتناع متزايد بأن النظام مذنب وإلا لماذا يحول دون أن تقوم اللجنة بعملها. وأكد الناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية، أن «الملف رحل إلى مجلس الأمن بسبب خطورته ويجب اتخاذ إجراءات من خلاله».

وخلال زيارته لبرلين دعا وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الأمم المتحدة أن تتصرف بشكل حاسم، وقال «لقد عبرت سوريا كل الخطوط الحمراء دون أن تتخذ المنظمة الدولية أي خطوة»، وأضاف: «إذا كان النظام السوري واثقا بدرجة كافية فإنه ينبغي أن يسمح لفريق الأمم المتحدة بالتحقيق على الفور».

وتحدث وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله معبرا عن صدمته من التقارير الواردة من سوريا حول الحادث ووصفها بأنها «خطيرة ووحشية ويجب التأكد منها»، وأضاف: «يؤسفني ما قامت به كل من روسيا والصين لعرقلة قرار رسمي من مجلس الأمن».

كانت الجلسة الطارئة لمجلس الأمن مساء الأربعاء قد شهدت نقاشات وجدلا بين أعضاء المجلس وفشلت الدول الأعضاء في التوصل إلى اتفاق لإصدار بيان شديد اللهجة يدين الفظائع في ريف دمشق، وسادت الجلسة الانقسامات المعتادة بين الروس والصينيين من جانب، والأميركيين والبريطانيين والفرنسيين من جانب آخر.

ووفقا لمصادر دبلوماسية فإن روسيا والصين اعترضتا على مسودة البيان الذي اقترحته الولايات المتحدة والذي تضمن الدعوة لإرسال المحققين الدوليين برئاسة أيك ساليستروم إلى الغوطة الشرقية، واتخاذ إجراءات عاجلة لإجراء تحقيق من قبل البعثة الأممية في هذا الهجوم. واعترض المندوب الروسي على الجهود الغربية لفرض عقوبات على النظام السوري وحاول الترويج أن الهجوم في الغوطة الشرقية يمكن أن يكون استفزازا من المعارضة السورية ضد النظام السوري لتحريك المجتمع الدولي ضد الحكومة السورية.

وخلال الجلسة، دعا المندوب الروسي الأطراف المؤثرة في المعارضة السورية لبذل كل جهد ممكن لإنهاء الاستفزازات والتعامل مع الأسلحة الكيماوية. وحاولت الصين إظهار أنها لا تنحاز لجانب دون الآخر وحثت الحكومة السورية على إجراء محادثات مع المعارضة. وجاءت الصيغة النهائية للبيان مخففة لاستيعاب اعتراضات روسيا والصين.

ومن المقرر أن يمضي فريق التحقيق 14 يوما في سوريا مع إمكانية التمديد للتحقيق في الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيماوية من جانب الحكومة السورية في منطقة خان العسل، إضافة إلى اثنين من الادعاءات الأخرى التي أبلغت عنها الدول الأعضاء في مجلس الأمن.

ودعا فابيوس الروس إلى «تحمل مسؤولياتهم» فيما يخص سوريا. ويذكر أنه من المتوقع أن يعقد اجتماع أميركي - روسي في لاهاي يوم 28 أغسطس (آب) الحالي من أجل السعي إلى عقد مؤتمر دولي حول سوريا يجمع بين المعارضة والحكومة. وعلى الرغم من أن التطورات على أرض الواقع لا ترجح عقد الاجتماع في المرحلة المقبلة فإن الناطق باسم وزارة الخارجية البريطانية قال: «يجب العمل على عقد مؤتمر جنيف 2 في أسرع وقت ممكن.. والوضع الراهن يدل على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية»، مضيفا: «لنجاحها يجب حضور ممثلين عن النظام والمعارضة والاتفاق على آلية حكم انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة». وفيما يخص الدور الروسي الآن، قال: «على الرغم من أن لدى روسيا وجهة نظر مختلفة حول كيفية معالجة الوضع، فإن لدينا أهدافا أساسية مشتركة وهي حل النزاع ومنع تفكك سوريا ونسمح للشعب بأن يحدد من سيقودهم وأن نمنع نمو التطرف العنيف في البلاد».