«ترسانة الكيماوي»في سوريا من بين الأكبر في المنطقة في المنطقة

خبير قانوني: عدم توقيع الدولة على اتفاقية حظره لا يعفيها من المسؤولية

TT

لا يزال القرار النهائي في الاتهامات الموجهة إلى النظام السوري، بشأن استخدام السلاح الكيماوي يتوقف على ما ستصدره لجنة تحقيق الأمم المتحدة، التي بدأت عملها في سوريا، منذ ثلاثة أيام، في حال سمح لها النظام السوري بمعاينة منطقة الغوطة بريف دمشق، في وقت تؤكد فيه تقارير دولية استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وكان آخرها «مجزرة الغوطة»، التي ذهب ضحيتها أكثر من 1200 قتيل.

وعلى الرغم من أن سوريا لم توقع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الكيماوية، التي أشرفت عليها الأمم المتحدة عام 1993، لكن عدم توقيعها، وفق ما يؤكده أستاذ القانون الدولي الدكتور أنطوان صفير «لا يعفيها من المحاسبة»، إذ إنه وبعد إيصال تقرير بعثة المحققين إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يطرح على مجلس الأمن، الذي إما أن يأخذ القرار المناسب بشأنه، أو يحيله إلى النيابة العامة لدى المحكمة الجنائية الدولية، بوصفها جرائم حرب تمس الأمن والسلام العالميين، واعتباره خرقا للقانون الدولي خارج إطار التعهدات الدولية.

وكانت 162 دولة قد وقعت على اتفاقية حظر استحداث، وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية، متعهدة بعدم استحداث أو إنتاج الأسلحة الكيميائية أو حيازتها أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي مكان، بينما لم تنضم إليها كل من سوريا وجنوب السودان وأنغولا وكوريا ومصر، بينما وقعتها إسرائيل ولم تصدق عليها. وأقر النظام السوري للمرة الأولى بامتلاكه الأسلحة الكيماوية في 23 يوليو (تموز) 2012، مؤكدا أنه «لن يستعملها أبدا ضد شعبه ومهددا باستخدامها إذا حصل تدخل عسكري غربي»، بينما كانت المعارضة السورية قد وثقت إلى الشهر الماضي 28 انتهاكا من قبل قوات النظام، 15 منها في العاصمة دمشق، وأفادت عن مقتل 84 شخصا نتيجة استخدام هذا النوع من الأسلحة، 42 منهم من عناصر «الجيش السوري الحر».

وفي حين تشير بعض التقارير إلى أن «ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيماوية هي الأكبر في الشرق الأوسط»، فإن المعلومات المعلنة عنها «غير دقيقة»، وفق ما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وقد بدأ تنفيذ البرنامج السوري خلال سبعينات القرن الماضي بمساعدة مصر، ثم الاتحاد السوفياتي سابقا، كذلك ساهمت فيه أيضا روسيا خلال التسعينات ثم إيران، اعتبارا من عام 2005، وفق ما أفادت به منظمة «نوكليار ثريت اينيسياتيف» المستقلة التي تحصي المعطيات «المفتوحة»، حول أسلحة الدمار الشامل. واعتبرت محللة في برنامج الحد من الانتشار ونزع الأسلحة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أنه «أكبر برنامج أسلحة كيماوية في الشرق الأوسط، أنشئ بهدف مجابهة البرنامج النووي الإسرائيلي»، مشيرة إلى أن الكثير من المعلومات جمعت حول هذا البرنامج بعد انشقاق بعض الضباط، لكنها «بعيدة كل البعد عن أن تكون كاملة». وأكد خبير في مركز الدراسات حول الحد من انتشار الأسلحة في معهد مونتيري (الولايات المتحدة) أن الاحتياطي السوري يضاهي «مئات الأطنان» من العناصر الكيماوية المختلفة، بينما اعتبر اختصاصي فرنسي في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية أن «مجموعة مختلف العناصر الكيماوية قوية».

وأضاف أنه «في يوليو (تموز) 2012، نجح السوريون في التحكم في توليف الأجسام الفسفورية، وهو ما يعتبر الجيل الأكثر نجاعة والأكثر سما في الأسلحة الكيماوية، وفي هذه العائلة نجد غاز السارين والـ(في إكس) وعناصر أقدم من ذلك بكثير، مثل غاز الخردل».

وكان الطيران الإسرائيلي قد قصف نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي موقع صواريخ أرض - جو قرب دمشق ومجمعا عسكريا مجاورا قيل حينها إنه يحتوي على مواد كيماوية. وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن الغارة قد تكون ألحقت أضرارا بأكبر مركز أبحاث سوري حول الأسلحة البيولوجية والكيماوية.

وفي حين أكّد المعارضون أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية والغازات السامة، أهمها ما يعرف بـ«السارين»، في مجزرة الغوطة، كما سبق لهم أن قدموا تقارير للأمم المتحدة تثبت استخدام النظام للأسلحة عينها في عدد من المناطق السورية، تشير تقارير غربية إلى امتلاك سوريا احتياطا كبيرا من السارين يقدر بين 800 إلى 1100 طن، وقد تم تحويل بعضه إلى نحو 150 حشوة في صواريخ سكود، كما تم خلطه مع غاز «في إكس» الفاتك بالأعصاب، وفق ما جاء في تقرير بريطاني، مشيرا إلى أن سوريا أنتجت كميات كبيرة وأدخلت الغاز في قنابل جوية وحشوات صواريخ أرض - أرض، وبقذائف مدفعية.

ويعتبر «غاز السارين»، الذي اكتشف في ألمانيا عام 1938 وفق تصنيف الأمم المتحدة من بين «أسلحة الدمار الشامل»، بينما تضعه وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) ضمن قائمة «غازات الأعصاب».

وكانت ألمانيا قد رفضت أن تكون أول من يستخدمه ضد أعدائها، بينما تشير التقارير إلى أنه تم استخدامه خلال الحرب بين العراق وإيران في فترة الثمانينات، لافتة إلى أن الجيش العراقي استخدم هذا الغاز (ضمن مواد أخرى) في العملية العسكرية التي نفذها عام 1988 ضد مناطق كردية، وخاصة مدينة حلبجة، وأدى ذلك إلى مقتل الآلاف. وفي عام 1994، قامت جماعة دينية يابانية تدعى «أوم شينريكو» بإطلاق كميات من الغاز في مترو الأنفاق بالعاصمة طوكيو، مما أدى إلى مقتل 13 شخصا.

والمعروف أنه لا لون ولا رائحة لغاز السارين، إنما هو شديد التأثير على الأعصاب، ويدخل جسم الإنسان من خلال الاستنشاق أو عبر المسام الجلدية، وقد يترك آثاره المدمرة على الجهاز العصبي لفترة طويلة، حتى في حال الحصول على العلاج المناسب. ويفقد المصاب بعد ذلك القدرة على التحكم بعضلاته وردود فعل جسده، مع نوبات من التقيؤ والتبول غير الإرادي، ليتبع ذلك الوفاة بعد تقلصات شديدة للعضلات تؤدي إلى الاختناق.