«النهضة» التونسية تعلن قبولها مبادرة اتحاد العمال منطلقا للحوار

المعارضة تتهم الغنوشي بالمناورة وتقول إن تصريحاته «غامضة وتحتمل عدة تأويلات»

راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في صورة ارشيفية يغادر قاعة مجلس النواب التونسي (أ.ف.ب)
TT

أعلن راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التي تقود تونس منذ نحو سنة وتسعة أشهر، أن الحركة قبلت بمبدأ حل الحكومة الحالية كمنطلق لحوار وطني شامل مع الاحتفاظ بالمجلس التأسيسي (البرلمان). وقال الغنوشي لوسائل الإعلام التي رابطت أمام مقر الاتحاد النقابي لبلدان المغرب العربي وسط العاصمة التونسية إن حركته «قبلت مبدئيا حل الحكومة التي تقودها، من منطلق فتح حوار وطني مع المعارضة».

ومن ناحيته، قال حسين العباسي، الأمين العام لاتحاد الشغل لوسائل الإعلام «الغنوشي أخبرني بأنه موافق على مبادرة الاتحاد، لكنه طرح بعض الشروط والمقترحات التي سنعرضها على المعارضة، قبل أن نعلم (النهضة) برد المعارضة».

وقرئ اشتراط الغنوشي قبول حل الحكومة بفتح حوار مع المعارضة على أساس محاولة حركة النهضة قطع الطريق أمام السيناريو المصري من ناحية، وكحركة استباقية من ناحية ثانية، لتهديدات المعارضة بالرفع من زخم الاحتجاجات السلمية بداية من 24 (أغسطس) آب الحالي إبان أسبوع الرحيل الذي تعتزم المعارضة تنظيمه. وصرح الغنوشي بعد اجتماع مع حسين العباسي دام أكثر من ساعتين في ثالث لقاء بين الرجلين «النهضة قبلت بمقترح الاتحاد منطلقا لبدء حوار وطني». وأضاف موضحا «سنخرج من الأزمة في وقت قصير وبسرعة.. قبلنا بمبادرة الاتحاد لبدء حوار مع المعارضة في وقت قريب جدا».

وفي ظل التساؤلات التي تركتها تصريحات الغنوشي حول حقيقة موقف حركة النهضة من مطالب المعارضة، سارعت حركة النهضة بدورها بعد ساعات قليلة من تصريح رئيسها راشد الغنوشي بقبول مبادرة الاتحاد، إلى نشر بيان أوضحت من خلاله أن حركة النهضة لم تقبل بحل حكومة العريض، وأنها لم توافق على مبادرة اتحاد العمال وإنما هي نقطة انطلاق للحوار الوطني. وأضافت أن «تصريحات الغنوشي فهمت على وجه الخطأ».

ورفضت الحركة خلال جولات المفاوضات السابقة الموافقة على حل الحكومة التي يقودها علي العريض، وتمسكت بمبدأ المحافظة على المجلس التأسيسي (البرلمان). واقترح الغنوشي في لقاءات سابقة مع حسين العباسي إسقاط الحكومة الحالية بعد تاريخ 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2013، على أن تتشكل حكومة كفاءات حينها توكل لها مهمتان أساسيتان، الأولى التحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والثانية المحافظة على التوازنات الاقتصادية.

وشككت قيادات المعارضة في نوايا زعيم حركة النهضة. وقال محسن مرزوق، القيادي في حركة نداء تونس، لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريحات الغنوشي يمكن تفسيرها على عدة أوجه، وهي تقبل عدة تأويلات. وحذر من المناورة على حد تعبيره التي تقودها حركة النهضة ضد مطالب المعارضة. وأضاف أن «موقف حركة النهضة غامض وغير واضح، وهو موقف قد تستشف منه محاولة ربح الوقت والمماطلة وتفويت فرصة الضغط عليها من قبل المعارضة». ودعا الاتحاد التونسي للشغل إلى تقديم مزيد من التوضيحات حول حقيقة ما تم الاتفاق عليه مع حركة النهضة.

وتنص مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل، كبرى المنظمات العمالية في تونس، على حل الحكومة التي تقودها حركة النهضة وتكوين حكومة كفاءات، على أن يواصل المجلس التأسيسي المكلف بصياغة الدستور الجديد عمله في إطار مهلة زمنية قصيرة ومهام واضحة. وتقدم اتحاد العمال الذي يلعب دور الوسيط بين الحكومة والمعارضة بمبادرة تقضي بتغيير الحكومة الحالية التي تقودها حركة النهضة بحكومة كفاءات محدودة العدد (من 15 إلى 20 وزارة في أقصى الحالات)، وإحداث لجنة خبراء لمراجعة ما تم التوصل إليه في آخر نسخة من الدستور والإعداد لمشروع قانون انتخابي.

وفي هذا الشأن، قال عطية العثموني، القيادي في الاتحاد التونسي للشغل بسيدي بوزيد وسط البلاد، لـ«الشرق الأوسط»، إن حركة النهضة التي وافقت على مبادرة اتحاد الشغل ستكون مستعدة لتشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية خلال المرحلة القادمة وهو ما سيكون محل تشاور بين الفرقاء السياسيين. وأضاف العثموني، في تصريحه، أن قبول حركة النهضة لهذه المبادرة لا يمكن قراءته على أساس أنه تنازل بل هو قراءة مختلفة للواقع، وستحاول الحركة تسويقها على أساس المحافظة على الدولة وإنجاح المسار الانتقالي. وأشار العثموني إلى أن المعارضة قدمت بدورها تنازلا تمثل في قبول بقاء المجلس التأسيسي، ولكن بشكل مشروط وبمهام واضحة المعالم.

وفي تعليقه على موقف حركة النهضة، قال سمير الطيب، القيادي في الاتحاد من أجل تونس المعارض، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعارضة تحتكم على بديل جاهز وحاضر يتمثل في «المجلس الأعلى للإنقاذ» وهو الذي سيتولى مواصلة كتابة نص الدستور وتنقيحه عبر كفاءات دستورية، إلى جانب تشكيل حكومة إنقاذ غير متحزبة ستقود البلاد عوض الحكومة الحالية. وقال في تصريحه «لا داعي للخوف والحديث عن تداعيات سلبية بعد خروج الترويكا من الحكم» وقال أيضا إن «المعارضة ستبقى على استعداد لسماع توضيحات إضافية من قيادات حركة النهضة ومن ثم تقرر ما تراه مناسبا».

وأشار الطيب إلى إمكانية تزايد الضغط الشعبي في العاصمة وبقية الجهات الداخلية وذلك بتنقل النواب المنسحبين (أعضاء البرلمان) داخل الولايات في صورة عدم اتضاح موقف حركة النهضة بشكل كامل من مبادرة الاتحاد. وتوقع تزايد الزخم الشعبي لاعتصام الرحيل بداية من نهاية هذا الأسبوع على حد قوله. وقال إن «المسألة ستتضمن تنظيم حشد وطني وتحرك كبير تزامنا مع فعاليات مرور 40 يوما على اغتيال القيادي القومي محمد البراهمي والتي من المنتظر تنظيمها في السابع من الشهر المقبل». وأضاف الطيب أن «التحركات كلها ستكون ذات طابع سلمي»، وهي ستكون متماشية مع مواقف الائتلاف الثلاثي الحاكم بقيادة حركة النهضة، ولن تتراجع المعارضة عن مطالبها.

وتواجه النهضة التي تقود الحكومة منذ 23 أكتوبر 2011 مع شريكيها حزب المؤتمر وحزب التكتل ضغوطا متزايدة من المعارضة التي تتهمها بالتساهل مع عنف متشددين إسلاميين ومحاولة تهديد أسس الدولة المدنية.

وحول قرار الاحتفاظ بالمجلس التأسيسي (البرلمان)، قال قيس سعيد، الخبير في القانون الدستوري لـ«الشرق الأوسط» إن القرار الذي اتخذه مصطفى بن جعفر بتعليق أشغال المجلس إلى حين انطلاق حوار وطني شامل بين الفرقاء السياسيين، كان قرارا غير قانوني منذ البداية ووقع التنبيه إلى أنه «خطوة متسرعة»، لأن بن جعفر على حد قوله «ليس من حقه اتخاذ مثل ذاك القرار الفردي المؤثر على المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تم انتخابها من قبل التونسيين». وأضاف سعيد أن القرار اتخذ بصفة شخصية، وهو قرار سياسي وليس إداريا، وذلك لانتفاء أي نص قانون سواء بالنسبة للقانون المنظم للسلطات (الدستور الصغير) أو القانون الداخلي للمجلس التأسيسي والذي يمكن رئيس المجلس من تعليق أنشطته بصفة مفتوحة ومن دون تحديد أي سقف زمني.

وأشار سعيد إلى نضج الطبقة السياسية واستفاقتها وسعيها لإنقاذ مرحلة الانتقال الديمقراطي ومسارعتها إلى إصلاح الخطأ بالتراجع عن مطلب حل البرلمان الذي سيفتح المسار الانتقالي على أزمة دستورية حادة، على حد تعبيره.