اعتراضات على مسودة أولية للتعديلات الدستورية بمصر تثير قلقا بشأن المستقبل

ألغت مادة مفسرة للشريعة وأقرت إجراء الانتخابات البرلمانية بنظام الفردي

TT

يبدو أن التوافق بشأن التعديلات الدستورية في مصر لا يزال أمرا بعيد المنال، رغم انتهاء أعمال «لجنة الـ10» التي شكلها الرئيس المؤقت عدلي منصور من قضاة وفقهاء دستوريين.

وعملت لجنة الـ10 على إدخال تعديلاتها على دستور مثير للجدل وضعته أغلبية إسلامية، وأقر نهاية العام الماضي في استفتاء شعبي. وكان أبرز التعديلات إلغاء مادة تفسير «مبادئ الشريعة الإسلامية»، وإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة بالنظام الفردي، وإلغاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان).

وقالت اللجنة إنها اعتمدت في عملها على المقترحات التي تسلمتها من القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، لكن الانتقادات التي وجهت لمسودة أولية للتعديلات خرجت عن اللجنة تعكس مساحة الخلافات المتوقعة.

وعُطل دستور 2012 في 3 يوليو (تموز) الماضي، عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي تحت الضغط الشعبي، وأعلنت خارطة مستقبل بتوافق قوى سياسية ورموز دينية، تضمنت إجراء تعديل دستوري.

وأصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قرارا بتشكيل لجنة الـ10 في 21 يوليو الماضي، لتعديل مواد خلافية. ويتعين على اللجنة، بحسب الإعلان الدستوري الذي صدر في 8 يوليو الماضي، عرض التعديلات على لجنة تضم 50 شخصا يمثلون فئات المجتمع، يجوز لهم تعديل أو حذف أو إضافة مواد في الدستور.

وقال المستشار علي عوض مقرر لجنة الخبراء لتعديل الدستور، مستشار الرئيس للشؤون القانونية إن الدستور الجديد أصبح عدد مواده 198 مادة، بعد أن كان 236 مادة في الدستور المعطل.

وألغت لجنة الـ10 مادة كانت سببا رئيسا في انسحاب ممثلي الكنائس المصرية، وأثارت غضب قوى مدنية، لكن حزب النور السلفي، الذي دعم تحرك الجيش ضد مرسي، يتمسك ببقاء المادة المفسرة للشريعة.

وقال الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور إن «المادة 219 تؤكد هوية مصر السنية حماية لها من المد الشيعي»، مشيرا إلى أن هيئة كبار العلماء بالأزهر هي التي صاغت نصها لتفسير اللفظ المبهم «مبادئ الشريعة» الوارد في المادة الثانية من الدستور.

وتنص المادة 219 على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنة والجماعة».

وأضاف مخيون أن القوى التي شاركت في اجتماع القوى السياسية مع قادة الجيش قبيل عزل مرسي تعهد بالحفاظ على مواد الهوية والشريعة، مبديا استغرابه من إقدام لجنة الـ10 على إلغائها في ظل الاحتقان السياسي الراهن.

من جانبه، قال قيادي في حزب النور فضل عدم ذكر اسمه، إن إلغاء المادة المفسرة للشريعة يضع قادة الحزب في وضع بالغ السوء أمام قواعد الحزب، مضيفا: «نحن نبذل جهدا للتخفيف من حدة الغضب بين أبناء المشروع الإسلامي، لكن الأمر قد يخرج عن السيطرة إذا ما تم التراجع عن الالتزام بالحفاظ على مواد الهوية والشريعة».

ولعب حزب النور دورا أساسيا في الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور 2012، والتي انسحبت منها القوى المدنية، اعتراضا على عدة مواد.

وأقر دستور 2012 في استفتاء شعبي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بعد أن أيده 63 في المائة من الأصوات الصحيحة للمقترعين التي بلغت نحو 17 مليون ناخب؛ من أصل 51 مليون مواطن لهم حق التصويت.

وتحفظت قوى سياسية عديدة على رأسها جبهة الإنقاذ الوطني، التي تضم أوسع تحالف للأحزاب المدنية، على إجراء الانتخابات البرلمانية بنظام «الفردي»، وطالبت بأن تكون الانتخابات بنظام «القوائم».

من جانبه، اعتبر محمد محيي، وكيل حزب غد الثورة، الذي شارك في الجمعية التأسيسية مفضلا عدم الانسحاب، إن إجراء الانتخابات بالنظام الفردي ضربة قاسية للأحزاب المدنية. وقال محيي إن «المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد تتطلب تقوية الأحزاب ودعمها، وهو أمر لن يتحقق بإجراء الانتخابات وفق النظام الفردي».

وحل البرلمان في أبريل (نيسان) من العام الماضي لعدم دستورية مواد في القانون المنظم للانتخابات، أبرزها منافسة الحزبيين للمستقلين على ثلث مقاعد البرلمان، فيما لم يتح للمستقلين المنافسة على المقاعد المخصصة للقوائم الحزبية المغلقة.

ويرى محيي أن لجنة الـ10 أغفلت أيضا بعض المواد بلا سبب واضح، مدللا على ذلك بإلغاء المفوضية العليا لمحاربة الفساد التي نص عليها دستور 2012، وأضاف محيي: «اللجنة مشكلة من خبراء وغاب عنها السياسيون لذلك فقد غاب عنها المواءمة السياسية المطلوبة في الفترة الحالية».

وتعترض الأحزاب أيضا على تخصيص ستة فقط لتمثيلها في لجنة الـ50، ويتساءل محيي: «لماذا يخصص للأحزاب 6 مقاعد فقط اثنان للأحزاب الليبرالية، وآخران للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، ومقعد للاشتراكين، وآخر للقوميين، بينما يخصص للمثقفين 5 مقاعد».

من جهته، يبدي البرلماني المخضرم أبو العز الحريري اعتراضا مبدئيا، قائلا: «لم يكن قرار تعديل الدستور قرارا صائبا، كان يجب التمسك بكتابة دستور جديد لتحصينه من البطلان الدستوري».

وخلال العامين الماضيين قضت المحكمة الدستورية العليا ببطلان الجمعية التأسيسية الأولى لكتابة الدستور، كما قضت أيضا ببطلان قانون الجمعية التأسيسية الثانية التي وضعت الدستور المعطل، بعد أن صدر فعلا، مما حال دون صدور حكم ببطلان الدستور؛ الذي حصن الجمعية التأسيسية التي وضعته.

وأشار الحريري لاعتراضات على عدد كبير من مواد المسودة الأولية التي خرجت عن لجنة الـ10، منها بقاء نص مادة العمل الجبري، قائلا: «لا يجوز بقاء هذه المادة فهي نوع من العبودية».

وأضاف: «هناك نص آخر ينص على حق الإضراب السلمي، هذا جيد لكن كان من الضروري أن ينص على التظاهر السلمي أيضا، هناك كذلك توسع في التصرف في أملاك الدولة.. وهو ما يؤثر على الأجيال القادمة، كان يجب الاقتصار على حق انتفاع قصير المدى».

وبينما بدأت بالفعل الانتقادات توجه للمسودة الأولية للتعديلات الدستورية، لا تزال المؤسسات الحقوقية وعدد من الأحزاب بصدد دراسة المسودة، لكن حجم الإحباط من التعديلات المطروحة ربما يؤثر على المرحلة الانتقالية التي تشهد اضطرابات سياسية، وأحداث عنف.