أوباما يعتبر هجوم الغاز حدثا جللا لكنه لن «يورط» الأميركيين في حرب

مناقشات 3 ساعات في البيت الأبيض انتهت بانقسام حول الرد الأميركي

TT

وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما مقتل مئات المدنيين السوريين في ما يبدو أنه هجوم بالغاز بأنه حدث جلل ومثار قلق بالغ، لكنه أكد أنه لن يتسرع في توريط الأميركيين في حرب مكلفة جديدة.

وحاول معارضو الرئيس السوري بشار الأسد عبور الخطوط الأمامية حول دمشق في محاولة لتوصيل عينات بشرية إلى مفتشي الأمم المتحدة من ضحايا الهجوم الذي وقع يوم الأربعاء.

وتجاهل أوباما، في مقابلة تلفزيونية أذيعت أمس، مقدم البرنامج الذي ذكره بأنه وصف ذات يوم استخدام الأسلحة الكيماوية بأنه خط أحمر بالنسبة لتحرك الولايات المتحدة في أزمة سوريا. واستبعد احتمالات تعاون أوباما مع فريق الأمم المتحدة الذي قد يقدم - إذا ما سمح له بدخول موقع الهجوم المزعوم قريبا - أدلة دامغة على ما حدث. وأكد أنه في أي حال لن يندفع في الاستجابة لدعوات بتدخل أميركي يجر الأميركيين إلى مستنقع مهمة تتعارض مع مصالحهم في الأجل الطويل.

وفي إشارة إلى قيود الميزانية ومشكلات تتعلق بالقانون الدولي والخسائر البشرية الأميركية في أفغانستان، قال أوباما لشبكة «سي إن إن» الإخبارية «أحيانا ما نتوقعه أن الناس سيدعون إلى تحرك فوري.. الدخول في أمر غير واضح جيدا يجعلنا في أوضاع صعبة للغاية يمكن أن تجرنا إلى تدخلات مكلفة وصعبة ستولد في واقع الأمر المزيد من الاستياء في المنطقة».

ومضى يقول «لا تزال الولايات المتحدة البلد الوحيد الذي يتوقع الناس أن يفعل أكثر من مجرد حماية حدوده. لكن هذا لا يعني ذلك أن علينا أن نتورط في كل شيء على الفور. يجب أن نفكر بطريقة استراتيجية في ما سيكون في مصلحتنا الوطنية في الأمد الطويل».

وردا على سؤال عن تصريحات أدلى بها قبل عام من وقوع الهجوم بغازات سامة على سكان أثناء نومهم في ضواح بدمشق تخضع لسيطرة مقاتلي المعارضة بأن الأسلحة الكيماوية ستكون خطا أحمر بالنسبة للولايات المتحدة، أجاب «إذا ذهبت الولايات المتحدة وهاجمت دولة أخرى من دون تفويض من الأمم المتحدة ومن دون أدلة واضحة يمكن تقديمها فستكون هناك تساؤلات عما إذا كان القانون الدولي يدعم هذا أم لا».

وقال نشطاء المعارضة إنهم أجروا اتصالات مع فريق الأمم المتحدة في دمشق وأرسلوا عينات أنسجة مع أشخاص يسعون إلى التسلل عبر منطقة الغوطة إلى قلب دمشق الذي تسيطر عليه القوات الحكومية لتسليم العينات للمفتشين. وقال الناشط أبو نضال متحدثا من بلدة عربين التي تأثرت بالهجوم المزعوم لـ«رويترز» إن «فريق الأمم المتحدة تحدث مع المعارضة ومنذ ذلك الوقت جهزت عينات من الشعر والجلد والدم وتم تهريبها إلى دمشق مع أشخاص موضع ثقة».

وقال الناشط أبو محمد من حرستا إن المنطقة تتعرض للقصف، وإلى جانب هذا تحيط نقاط التفتيش التابعة للنظام بالغوطة. واستطرد قائلا إن هذه ليست مشكلة، وإنهم يستطيعون تهريبها. وقال إن المشكلة هي مكان الفريق الدولي في الفندق حيث يخضعون لحراسة شديدة ويصاحبهم مرافقون حكوميون.

وكشف مسؤولون بارزون من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووكالات الاستخبارات لـ«نيويورك تايمز» أمس تفاصيل مناقشات جرت لمدة ثلاث ساعات ونصف الساعة في البيت الأبيض أول من أمس للتداول بشأن الخيارات التي قال مسؤولون إنها يمكن أن تتراوح بين توجيه ضربات صاروخية وشن هجوم جوي أكثر قوة ضد سوريا. وقد انتهى الاجتماع من دون اتخاذ أي قرار، وفقا لمسؤولين بارزين، وسط إشارات على وجود انقسامات حادة بين أولئك الذين يطالبون بتوجيه رسالة قاسية إلى الأسد وأولئك الذين يرون أن الوقت غير مناسب الآن لشن هجوم عسكري وأن هذه الخطوة، في حال اتخاذها، ستكون بمثابة تهور كبير.

وكانت هناك مشاورات مماثلة عبر الأطلسي، حيث أيدت فرنسا استخدام القوة العسكرية لمواجهة هذا الهجوم، في الوقت الذي عبرت فيه تركيا وإسرائيل عن سخطهما مما حدث، غير أن دبلوماسيين في بلدان عدة قد أقروا بأنه لا توجد رغبة من جانب الحلفاء الغربيين، بما في ذلك الولايات المتحدة، في التورط طويل الأمد في حرب أهلية تتسم بالطائفية والفوضوية.

وبينما قالت الإدارة الأميركية إنها ستنتظر الكشف عن نتائج التحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة عن هذا الهجوم، تحدث مسؤولون أميركيون بلهجة شديدة عما قد يحدث إذا ما أصر الرئيس أوباما على أن النظام السوري قد استخدم أسلحة كيماوية. وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية جين بساكي «إذا كانت هذه الأنباء صحيحة، فسيكون هذا بمثابة استخدام شائن وسافر للأسلحة الكيماوية من قبل النظام. الرئيس لديه بالطبع العديد من الخيارات التي تحدثنا عنها من قبل والتي يمكنه النظر فيها».

وكانت الولايات المتحدة قد أكدت للمرة الأولى في شهر أبريل (نيسان) الماضي أن الحكومة السورية قد استخدمت أسلحة كيماوية بالفعل، وقال مسؤولون في إدارة أوباما إنهم سيزودون الثوار بالأسلحة، لكن مسؤولين في المعارضة السورية أكدوا أنه لم يصل أي من هذه الأسلحة حتى الآن.

وثمة اعتقاد متنام بين المسؤولين الأميركيين بأنه قد تم استخدام أسلحة كيماوية في الهجوم الأخير الذي وقع في وقت مبكر من صباح الأربعاء الماضي إلى الشرق من العاصمة دمشق - وربما يكون هذا الهجوم هو الأسوأ من نوعه منذ استخدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين للأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في ثمانينات القرن الماضي – ولا يوجد أدنى شك في أن قوات الأسد هي التي استخدمت هذه الأسلحة.

وعلى الرغم من أنه كان من الصعب إثبات استخدام أسلحة كيماوية في المرة السابقة، فإن مسؤولين بالإدارة الأميركية قد أكدوا هذه المرة استخدام تلك الأسلحة، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول رد فعل الولايات المتحدة.

ومن جهتها، أكدت إسرائيل أن أجهزة الاستخبارات لديها قد رصدت بالفعل شن هجوم بالأسلحة الكيماوية، بينما أشارت المعارضة السورية إلى وجود أدلة على ذلك، بما في ذلك استخدام أربعة صواريخ والمواقع التي أطلقت منها هذه الصواريخ، وهو ما يعني أنه لا يمكن لأي جهة أخرى سوى القوات الحكومية أن تشن هذا الهجوم.

وقال مسؤول في المعارضة السورية إن الهجوم قد بدأ بعد الساعة الثانية صباحا، عندما تم إطلاق صواريخ تحمل أسلحة كيماوية، كما تم إطلاق صاروخين من على جسر على الطريق السريع بين دمشق وحمص، في حين تم إطلاق الصواريخ الأخرى من مصنع تابع للشركة العربية السورية للصناعات الإلكترونية المعروفة اختصارا باسم «سيرونيكس» في حي القابون بالعاصمة السورية. ونفت الحكومة السورية تورطها في ذلك الهجوم، في الوقت الذي اتهم فيه مسؤولون روس الثوار بشن الهجوم.

وقال الثوار إن هدف الحكومة هو إضعاف المعارضة قبل شن هجوم تقليدي بالدبابات وناقلات الجند المصفحة والطائرات الحربية. وقد استمرت العمليات القتالية في المنطقة يوم الخميس، وهو ما أثار شكوكا حول قدرة الأمم المتحدة على إرسال محققين لجمع عينات من الجرحى والموتى.

وقال مسؤولون أميركيون إن الخيارات التي تمت مناقشتها تتضمن شن هجوم صاروخي، قد يشمل إطلاق صواريخ «توماهوك» من إحدى السفن في البحر الأبيض المتوسط، في ظل وجود مدمرتين حربيتين أميركيتين هناك. وعلاوة على ذلك، هناك طائرات مقاتلة وقاذفات تابعة لوزارة الدفاع الأميركية في الشرق الأوسط وأوروبا يمكن استخدامها في شن هجوم جوي على سوريا، كما يمكن انطلاق الطائرات على ارتفاعات عالية محملة بالذخيرة التي يمكن إطلاقها من مواقع بعيدة عن الأراضي السورية التي يحميها نظام دفاعي جوي قوي.

وقد يهدف هذا الهجوم المحتمل إلى تدمير الصواريخ أو بطاريات المدفعية التي تنطلق منها الأسلحة الكيماوية أو غاز الأعصاب، علاوة على أجهزة الاتصالات ومرافق الدعم، كما قد يتم استهداف المقرات والمكاتب الحكومية.

وبعد اطلاع القادة على الصور المريعة للضحايا السوريين، كانت هناك العديد من المحادثات الهاتفية من جانب الدبلوماسيين للإعراب عن الذعر من الوضع الكارثي في سوريا والإحباط من عدم اتخاذ رد فعل مناسب على ذلك. وقال دبلوماسي أوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته «كلها خيارات سيئة».

ومن جهته، تحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا، وأعرب عن تعازيه وعن التزام الإدارة الأميركية بـ«التحقيق في ما حدث على الأرض»، حسب تصريحات الناطقة باسم الخارجية بساكي.

وتحدث كيري أيضا مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي أثار احتمال اللجوء لعمل عسكري، كما اتصل بوزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو وعدد من وزراء الخارجية العرب ومسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.

وفي الولايات المتحدة، قال مسؤولون إن الإدارة الأميركية ما زالت منقسمة حول ما يتعين القيام به. وقال مسؤول بارز طلب عدم الكشف عن هويته «هناك انقسام بين الذين يرون أنه يتعين علينا التحرك الآن، وأولئك الذين يرون أن الوقت غير مناسب تماما للتحرك». ولم يكشف هذا المسؤول عن أي تفاصيل بشأن المسؤولين الذين يطالبون برد فعل حازم أو أولئك الذين يدعون إلى توخي الحذر، لكنه أشار إلى أن بعض المسؤولين الذين حضروا اجتماع البيت الأبيض قد عبروا عن قلقهم من أن يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يمكن حشد دعم دولي لشن هجوم عسكري على سوريا، وأن أي هجوم على حكومة الأسد قد يؤدي إلى تفاقم أزمة اللاجئين التي كانت لها آثار سلبية على البلدان المجاورة لسوريا، لا سيما الأردن.

وقال المسؤول إن الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية ليس لديها دليل قوي على استخدام قوات الأسد للأسلحة الكيماوية، في الوقت الذي أشار فيه كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين، لا سيما رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، إلى المخاطر المترتبة على شن عمل عسكري واسع النطاق، بالشكل الذي دعا إليه بعض أعضاء الكونغرس.