لبنان: جهود لإبعاد شبح الأمن الذاتي وأنباء عن توقيف مشتبه فيه بتفجيري طرابلس

مخاوف من فوضى تنتهي بتقسيم لبنان.. والمستقبل يحمل حزب الله المسؤولية

الجيش اللبناني يرفع أنقاض إحدى السيارتين الملغومتين من أمام مسجد التقوى بطرابلس أمس (رويترز)
TT

في موازة الأخبار التي توالت يوم أمس حول الكشف عن سيارات مشبوهة مركونة في مناطق لبنانية عدة من طرابلس في الشمال إلى برجا في جبل لبنان والرميلة في الجنوب وعين الرمانة في ضاحية بيروت الجنوبية، عاش لبنان على وقع تداعيات فاجعة تفجيري طرابلس أول من أمس ونتائجها الأمنية والسياسية والتحذيرات من أن عاصفة «العرقنة» دخلت لبنان من باب السيارات المفخخة المتنقلة.

وفي حين لا تزال الإحصاءات بشأن عدد الضحايا غير دقيقة في ظل وجود الأشلاء وعشرات الجثث المجهولة الهوية والمصابين الذين ناهز عددهم الـ900 شخص وفق ما قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن هناك 45 قتيلا وأكثر من 500 جريح.

وفي سياق الجهود الأمنية والسياسية التي تبذل للحد قدر الإمكان من اتساع رقعة هذه العمليات وللحد من ردود الفعل، لا سيما بعد الدعوات التي أطلقت لاعتماد سياسة الأمن الذاتي في طرابلس على غرار ما يحصل في الضاحية الجنوبية من قبل حزب الله بعد تفجير الرويس الأسبوع الماضي، عقد اجتماع وزاري برئاسة ميقاتي، فيما ترددت أنباء عن توقيف القوى الأمنية أحد عناصر حركة التوحيد الإسلامية للاشتباه بضلوعه بتفجيري طرابلس. وذلك بعدما كشفت الكاميرات المركزة بالقرب من «مسجد السلام» حيث منزلي ميقاتي ومدير عام الأمن العام السابق أشرف ريفي، وجود الشيخ الموقوف مرات عدة في محيط المكان. وقالت وسائل إعلام لبنانية إنه عثر في منزله على خرائط لمسجدي التقوى والسلام. غير أن قوى الأمن الداخلي نفت في بيان لها وجود اعترافات. وأشارت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى أن الكلام عن اعترافات وضبط متفجرات وغيرها أخبار تفتقد إلى الدقة، بخاصة أن التحقيقات الحالية تتسم بالسرية وهي بإشراف القضاء المختص.

وبدورها، نفت حركة التوحيد الإسلامي المعروفة بولائها للنظام السوري وقربها من حزب الله، في بيان لها توقيف أي من عناصرها أو مشايخها على خلفية تفجيري طرابلس الإجراميين، وطالبت بـ«إنزال أقصى العقوبات، بكل من يثبت ضلوعه بهذا العمل الإجرامي المروع». وأشارت إلى أن أحمد الغريب مكلف من قبل رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الإسلامي، الشيخ هاشم منقارة، بمتابعة أحد الملفات العالقة مع النظام السوري.

وأعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد الاجتماع الأمني الوزاري الذي عقده في طرابلس، أن الأولوية الآن هي في اتجاهين، الأول، أمني عبر استكمال التحقيقات لمعرفة المجرمين وسوقهم إلى العدالة وتحصين الوضع الأمني في المدينة بمزيد من الإجراءات لحماية المواطنين وحماية الأمن، وثانيا، بإطلاق ورشة شاملة بالتعاون مع إدارات الدولة والقوى الأمنية وهيئات المجتمع المدني لإصلاح الأضرار وإعادة الحياة إلى طبيعتها وإيواء العائلات المنكوبة. وأعلن ميقاتي بعد الاجتماع، أنه تم البحث فيما يمكن اتخاذه من إجراءات لتعزيز الأمن في طرابلس من قبل القوى الأمنية وإبعاد شبح ما يسمى بالأمن الذاتي عن هذه المدينة. وأشار إلى أنه «تم التحقيق مع أحد المشايخ (رجال الدين) ولكن حتى الآن لم يردنا أي شيء في هذا الصدد، وطمأن بأنه سيكون هناك تعزيزات أمنية ومراقبة إضافية لمداخل طرابلس لتفادي أي حادث مماثل في المستقبل».

واعتبر ميقاتي الذي قام بجولة تفقدية في موقعي التفجيرين، أن الأيادي التي وضعت متفجرة الضاحية هي نفسها التي فجرت في طرابلس، مضيفا «علينا الاتفاق والتحاور لسد أي ثغرة قد يدخل منها المخربون. هناك الكثير من المستفيدين من الحالة الراهنة في لبنان، وعلينا نحن اللبنانيين أن نشبك أيدينا بأيدي بعضنا. العالم العربي يمر حاليا بإعصار كبير ستكون له انعكاسات خطيرة على لبنان إذا استمررنا في التعاطي معه على النحو الحاصل حاليا وبالشرذمة الحاصلة. داعيا الجميع للعودة إلى سياسة النأي بالنفس والجلوس على طاولة الحوار».

من جهته، كشف وزير الداخلية مروان شربل عن «محاولات تبذلها القيادات السياسية على اختلاف طوائفها لامتصاص غضب الشارع ووأد الفتنة التي تستهدف الوطن ككل وليس منطقة دون سواها»، داعيا إلى «تدارك الأمور سريعا قبل انتشار الفوضى التي قد يترتب عليها مظاهر خطرة تنتهي بتقسيم لبنان». وشدد شربل على «أن التنسيق متواصل على أعلى المستويات كما أن الاتصالات مستمرة مع القيادات والقادة الميدانيين في طرابلس للحد من ردود الفعل، والكل على يقين أن أي خلل أمني في طرابلس من شأنه أن يلحق الضرر بالجميع في المدينة»، مشيرا إلى «أن التجاوب ليس كاملا لكن مع الوقت نلقى النتيجة الإيجابية التي نريد كما قال». ودعا المسؤولين إلى «عمل ما في وسعهم من أجل مصلحة لبنان لإبعاده عن المخطط الخطير المرسوم لتقسيم الدول العربية المحيطة بإسرائيل».

بدوره، أشار النائب في كتلة المستقبل أحمد فتفت ألا معلومات لديه فيما يتعلق بتوقيف الشيخ، محملا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» حزب الله المسؤولية المعنوية والسياسية لما حصل ويحصل في لبنان، موضحا «المعطيات السياسية والأمنية التي سبقت تفجيري طرابلس كانت تدل على أن عمليات إرهابية ستستهدف مناطق لبنانية، وتقاطعت هذه الوقائع مع ما أعلنه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بعد تفجير الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي، وإصراره على الاستمرار في القتال في سوريا إضافة إلى ما سبق لقائد الجيش العماد جان قهوجي أن كشفه بأن الجيش يلاحق منذ أشهر خلية إرهابية تعمل على تفخيخ سيارات وإرسالها إلى مناطق سكنية، والتي ترافقت كذلك مع تهديدات كتلة حزب الله واعتبارها أن المجموعات الإرهابية التي تنفذ التفجيرات تستفيد من الحاضنة السياسية التحريضية التي يشكلها ويغذيها بعض «قوى 14 آذار». واعتبر فتفت ألا حلول لما يحصل إلا بعزل لبنان عن النار السورية وانسحاب حزب الله من القتال هناك وضبط الحدود.

وقال فتفت إنه جرى تلكؤ كبير على الأرض من قبل الجهات المختصة عقب وقوع انفجاري طرابلس، ولا سيما أمام مسجد التقوى حيث لم تحضر القوى الأمنية قبل صباح أمس، أي بعد أكثر من 12 ساعة على وقوع الانفجار، فيما كان الوضع أفضل أمام مسجد السلام، لافتا إلى أن هذا التأخير الذي أدى إلى تلاعب بالأدلة من قبل أهالي المنطقة وإن كان غير مقصود، سينعكس سلبا على نتائج التحقيق.

في المقابل، رأى مؤسس التيار السلفي في لبنان داعي الإسلام الشهال «أن بصمات النظام السوري وملحقاته واضحة في تفجيري طرابلس وما جرى يدفعنا لإنشاء شرطة ذاتية لحفظ الأمن». وحمل الشهال «النظام السوري وملحقاته في لبنان مسؤولية التفجيرات في لبنان عموما بغية إحداث الفوضى وحرف الأنظار عما يجري من مجازر دموية في سوريا وآخرها في الغوطة». ولفت إلى أن «طرابلس اليوم مستهدفة بأمنها وأبنائها، وما جرى يدفعنا مضطرين لإنشاء الشرطة المحلية الذاتية لحفظ الأمن في طرابلس ومنعا للفوضى وأي استهداف إرهابي آخر محتمل».