مصر تحاكم اليوم قادة في نظامي مبارك ومرسي وسط مخاوف من ردود انتقامية

بينهم العادلي وعلاء وجمال وبديع والشاطر وبيومي.. والسلطات تلاحق المرشد المؤقت

مصري يسير أمس بجوار قسم شرطة كرداسة في محافظة الجيزة والذي هوجم من قبل مؤيدين لجماعة الاخوان المسلمين (أ.ف.ب)
TT

تبدأ اليوم في مصر محاكمة قادة في نظامي الرئيس الأسبق حسني مبارك، والرئيس السابق محمد مرسي، وسط مخاوف من ردود انتقامية من متشددين إسلاميين متحالفين مع جماعة الإخوان التي ينتمي إليها مرسي. ومن بين من ستجري محاكمتهم مبارك نفسه، ونجلاه علاء وجمال، ووزير داخليته حبيب العادلي. ومن جماعة الإخوان مرشد الجماعة محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر وعضو مكتب الإرشاد رشاد البيومي، وأربعة قيادات إخوانية أخرى. ويأتي ذلك وسط ملاحقات أمنية لعدد كبير من القيادات العليا والوسطى في جماعة الإخوان بينها المرشد المؤقت محمود عزت.

وبينما حذر محامي الإسلاميين منتصر الزيات، ردا على أسئلة «الشرق الأوسط»، من أن يؤدي المناخ الحالي لظهور جيل جديد من المتطرفين، قال الفقيه الدستوري والبرلماني السابق الدكتور شوقي السيد، لـ«الشرق الأوسط»، إنه يجب عدم الاكتفاء باللجوء للمحاكمات، «وإنما تفعيل قانون العزل السياسي ضد الإخوان وحزبها (الحرية والعدالة) والحزب الوطني المنحل الذي كان يرأسه مبارك».

وتنعقد المحاكمات لرموز النظامين السابقين، في مصادفة نادرة الحدوث، في «أكاديمية الشرطة» بالقاهرة، حيث تبدأ محاكمة قادة جماعة الإخوان التي تولت حكم مصر بعد سقوط نظام مبارك في دائرة قضائية بتهم منها التحريض والشروع في قتل متظاهرين مناوئين لحكم الإخوان يوم 30 يونيو (حزيران) الماضي، أمام مقر مكتب الإرشاد في ضاحية المقطم جنوب شرقي القاهرة، بينما تجري محاكمة مبارك ونجليه ووزير داخليته في دائرة أخرى في نفس الموقع، في عدة قضايا أهمها يتعلق بقتل متظاهرين وارتكاب فساد واستغلال نفوذ وتسهيل الاستيلاء على أموال من ميزانية الدولة في القضية المعروفة إعلاميا باسم «قصور الرئاسة». ويحاكم حبيب العادلي، وزير الداخلية في عهد مبارك، في قضية «كسب غير مشروع».

وقال الزيات إن توقيف بديع يعد ثالث توقيف لرجل يشغل موقع مرشد الجماعة، مشيرا إلى أنه سبق اعتقال كل من حسن الهضيبي وعمر التلمساني في عهدي جمال عبد الناصر وأنور السادات. وأضاف أن منصب المرشد كان غير مسموح الاقتراب منه في عهد مبارك، طيلة نحو 30 سنة، وكانت عمليات الملاحقة والقبض تجري بحق قيادات الجماعة ما عدا المرشد.

كما قلل الزيات من أي ردود فعل متوقعة من جانب الإخوان على محاكمة بديع، كما كان الأمر أيام محاكمة الهضيبي والتلمساني، لكنه حذر من أن يؤدي المناخ الحالي الذي تشهده البلاد إلى ظهور جيل جديد من المتشددين، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان عقب توقيف الهضيبي والتلمساني لم تكن لديها ردود فعل عنيفة تذكر، «ربما بسبب حالة الاستضعاف التي كانت تمر بها الجماعة حيث لم تكن حالتها تسمح بالرد حينذاك».

وفي ما يتعلق بردود الفعل المتوقعة بشأن محاكمة بديع، قال الزيات أيضا: «لا أعتقد أن تحدث ردود فعل عنيفة، لكن أخشى من أن يفرز المناخ العام السائد بعض المتطرفين الجدد سواء من الإخوان أو من غير الإخوان». وأضاف أن «هذا المناخ القهري لا يستوعب العناصر (الموجودة في المجتمع)، وأخشى أن يصنع متطرفين جددا. هذا المناخ هو الذي يغذي التطرف، خاصة من العناصر الشبابية والمستويات الدنيا».

من جانبه، قال الدكتور السيد إن محاكمة قيادات الإخوان والرئيس الأسبق مبارك، ستتم في دائرتين لكن في مكان واحد بأكاديمية الشرطة، «إلا إذا رأى وزير العدل غير ذلك لظروف أمنية، وهذا من حقه». وسبق أن جرت محاكمة مبارك ورجال نظامه في الأكاديمية التي تقع في منطقة يسهل تأمينها والسيطرة على أي أعمال غير متوقعة في محيطها. كما يوجد فيها مهبط للمروحيات التي كانت تنقل مبارك منذ بداية محاكمته في عام 2011.

وعما إذا كان التاريخ المصري شهد محاكمات واسعة لقيادات كثيرة من الإخوان، قال السيد: «تاريخ الإخوان يؤكد أن هناك جرائم إرهاب واغتيالات متعددة منذ إنشاء الجماعة عام 1928»، وأضاف أنه «في عام 1948 كتب وكيل وزارة الداخلية عبد الرحمن عمار (في ذلك الوقت) تقريرا مفصلا لبيان الجرائم والاغتيالات التي حدثت من الإخوان مما أدى لحل الجماعة في تلك السنة بقرار صادر من رئيس الوزراء في ذلك الوقت، محمود فهمي النقراشي»، وهذا ما أدى بالإخوان إلى اغتيال أحمد بك الخازندار وكيل محكمة القاهرة سابقا.

ومنذ المواجهات بين مناوئي مرسي وجماعة الإخوان مطلع هذا الصيف، تتهم السلطات قيادات الجماعة بالتحريض على القتل والإرهاب، وهي تهم تنفيها الجماعة، لكن الدكتور شوقي السيد قال إن ما حدث من جماعة الإخوان في الفترة الأخيرة «هو صور من مشاهد التاريخ القديم لكنها كانت أكثر عنفا وأكثر ضراوة، لأنها كانت بعد وصولهم إلى الحكم، ثم الثورة عليهم وعزل مرسي».

وقالت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» إن عدد المقبوض عليهم حتى الآن من القيادات العليا والوسطى من القاهرة والمحافظات يزيد على 2000 شخص، بينهم مديرون للمكاتب الإدارية التي كانت تتولى عمليات الإنفاق والإعاشة لأنصار الإخوان وتتولى التحريض على العنف وقطع الطرق. لكن تزايد أعداد المقبوض عليهم ربما سيمثل مشكلة بالنسبة للسلطات التي تسعى لتهدئة الشارع وترميم الاقتصاد المتعثر وطمأنة المجتمع الدولي بالمسار الديمقراطي.

وقال الدكتور السيد: «أنا أرى أن التجريم والعقاب ليس هو نهاية المطاف، ولكن لا بد من تفعيل قانون الغدر الذي صدر في بداية الخمسينات وعدل اسمه عام 2011 إلى قانون إفساد الحياة السياسية، لكي يطبق على الإخوان وحزب الحرية والعدالة (الإخواني) والحزب الوطني (المنحل) الذي كان يرأسه مبارك، (لأن هذا يؤدي للعزل السياسي وعدم جواز الترشح في الانتخابات لمدة خمس سنوات)».

وتابع السيد قائلا: «ليس بالضرورة أن يقدموا كلهم للمحاكمات الجنائية ولكن لا بد أن يتم تفعيل القانون لإبعادهم عن الحياة السياسية لفترة».

من جانبه، قال رئيس الوزراء المصري الدكتور حازم الببلاوي، إن إخلاء سبيل مبارك، يوم الخميس الماضي، جاء بناء على قرار قضائي، صدر من المحكمة، لأنه استنفد فترة الحبس الاحتياطي. وأضاف في تصريحات للصحافيين أن وضع مبارك قيد الإقامة الجبرية (في مستشفى المعادي العسكري جنوب القاهرة) لمنع القلق ولمنع أي اعتداء على حالة الأمن وحمايته شخصيا من أي اعتداء.

وأشار الببلاوي إلى أن القضايا التي يحاكم فيها الرئيس الأسبق ما زالت منظورة أمام المحاكم. وشدد على أن الدولة ملتزمة بالقانون واحترام أحكام القضاء، وأن هذا القرار لا علاقة له بالمسار الديمقراطي الذي أعلنت عنه الحكومة، ولا يعني أن الحكومة تعيد إنتاج نظام ما قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، مؤكدا أن الحكومة ملتزمة بالحقوق والحريات وتحقيق الاستقرار الأمني والاستقرار الاقتصادي.

يشار إلى أن الرئيس السابق محمد مرسي محتجز لدى السلطات على ذمة التحقيقات في عدة قضايا، ولم يظهر علانية منذ الإعلان عن عزله يوم الثالث من الشهر الماضي.