«حماس» المعزولة تطلب حرسا رئاسيا من فتح لمعابر الحدود مع مصر

بعض قادة الحركة يأملون أن يتحول المد.. والأهالي يلومونها على تدخلها في الشؤون المصرية

فلسطينيتان عالقتان عند معبر رفح تنتظران بفارغ الصبر عبورهما إلى الأراضي المصرية أمس (أ.ف.ب)
TT

قطعت الاضطرابات التي تجتاح العالم العربي شريان الحياة بين حركة حماس الفلسطينية واثنين من أكبر داعميها وهما إيران وسوريا. والآن، تترنح حماس من دون دعم اقتصادي ودبلوماسي حاسم، بعد تفكيك جماعة الإخوان المسلمين في مصر من قبل الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش الذي أطاح بالرئيس الإسلامي محمد مرسي. وتم تشكيل «خلية أزمة» من قبل الوزراء بصورة يومية على مدى الأسبوعين الماضيين، حيث يعاني الاقتصاد في غزة من عجز بقيمة 250 مليون دولار منذ قيام مصر بإغلاق المئات من أنفاق التهريب، ولذا بدأت حكومة حماس تقتصد في بعض الموارد.

وتحدث قادة الحركة علنا عما كان يبدو غير وارد بالمرة على مدى سنوات، حيث طلبوا من الحرس الرئاسي الموالي لحركة فتح العودة للمساعدة في استمرار فتح الحدود مع مصر.

وتتجاوز تداعيات الضغوط المتزايدة على حركة حماس ما هو أبعد من الـ141 ميلا مربعا لهذا الشريط الساحلي الذي تسيطر عليه الحركة منذ 2007، فقد تؤدي تلك التداعيات إلى تعزيز موقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحركة فتح - الأكثر اعتدالا - والتي تسيطر على الضفة الغربية، في الوقت الذي تجري فيه محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية برعاية الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تضيف تلك الضغوط عنصرا متقلبا جديدا إلى المشهد المتغير بسرعة شديدة في جميع أنحاء المنطقة، حيث أدت التوترات الطائفية إلى سفك الدماء، كما تمت الإطاحة بالإسلاميين بعد وصولهم للسلطة عبر صناديق الاقتراع.

وقال المحلل السياسي والكاتب أكرم عطا الله: «الآن، حماس أصبحت يتيمة»، في إشارة إلى أن الحركة قد انبثقت عن حركة الإخوان المسلمين في مصر منذ ربع قرن. وأضاف عطا الله: «حماس كانت تحلم وتمني النفس بصعود الإسلاميين للسلطة في جميع العواصم، ولكن هذه الأحلام قد تبددت».

وفي البداية، جاء تيار الربيع العربي في صالح حماس، حيث تم تعزيز موقف إيران وسوريا، اللتين قدمتا الأسلحة والأموال للقيادة في غزة، في الوقت الذي اندلعت فيه الثورة على الرئيس المصري حسني مبارك، الذي كان لا يثق في الحركة وكان يعاديها. ولكن في نهاية المطاف، وقفت حماس إلى جانب المعارضة السنية في الحرب الأهلية في سوريا - مما أدى إلى ابتعادها عن بشار الأسد والنظام الإيراني المؤيد له. ووجدت حماس دعما بديلا عندما تمت الإطاحة بمبارك وانتخاب الرئيس محمد مرسي، الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي يسر عملية المرور عبر الحدود وتوسط في المحادثات بين حماس والغرب من جهة، وحماس وحركة فتح من جهة أخرى.

وفي ظل اعتقال مرسي والحملة العسكرية على قيادات الإخوان الذين أصبحوا إما معتقلين أو قتلى أو هاربين، توقفت عمليات التهريب بين غزة ومصر بصورة شبه تامة، وهو ما يعني عدم وصول مواد البناء والوقود الذي تصل قيمته لأقل من نصف قيمة استيراده من إسرائيل، علاوة على غيرها من السلع رخيصة الثمن التي يعتمد عليها سكان قطاع غزة.

وأغلقت مصر معبر رفح عدة أيام، مما أدى إلى تقطع السبل بآلاف الطلاب ورجال الأعمال والمرضى والأجانب وسكان غزة الذين يعيشون بالخارج. وبالإضافة إلى العزلة التي تعاني منها حماس، يقال إن أمير قطر الجديد أقل تأييدا للحركة.

وفي مقابلات شخصية هنا خلال الأسبوع الحالي، وكذلك في الخطب العامة، أكد كثير من قادة حماس على أن الأزمة التي تشهدها مصر تجعل رأب الصدع الفلسطيني أكثر إلحاحا. وبدلا من ذلك، يبدو بالفعل أن الحركة باتت أكثر مراوغة من قبل، بعدما فقدت تأييد القاهرة التي كانت تستضيف المحادثات وتقوم بدور الوسيط في عملية المصالحة.

ويخطط المجلس الثوري لحركة فتح لاستغلال ضعف منافسيه وإعلان أن غزة «مقاطعة متمردة» خلال لقاء قادة المجلس مع عباس يوم الأحد، في خطوة تهدف لتشديد الخناق على حماس من خلال تقليص تمويل السلطة الفلسطينية للعمليات في قطاع غزة. وقال مسؤولون من فتح وحماس إن كل حركة قد زادت من اعتقالات نشطاء الطرف الآخر خلال الأسابيع الأخيرة. ويلقي قادة حماس باللوم على حركة فتح لما يسمونه «الحملة الشرسة» ضدهم في وسائل الإعلام المصرية.

وقال أحمد يوسف، وهو المساعد السابق لإسماعيل هنية والذي يدير الآن مجموعة بحثية تسمى «بيت الحكمة»: «يمكنك أن تشعر بالتوتر نتيجة ما يحدث في مصر. زادت العلاقات بين غزة ورام الله توترا، وكل طرف يشك في الآخر».

وفي مقابلات منفصلة خلال الأسبوع الحالي، قال ثلاثة من كبار قادة حماس - وزير المالية ونائب رئيس الوزراء زياد الظاظا، والمسؤول عن العلاقات الخارجية غازي حمد، والمتشدد محمود الزهار - إنهم يتبعون نهج «فلنترقب ونرى» ما سيحدث في مصر، على أمل أن يتحول المد في صالحهم مرة أخرى. ويتصور هؤلاء القادة أن رد الفعل الشعبي ضد ما أسموه بالانقلاب العسكري يمكن أن يؤدي إلى عودة الإخوان المسلمين للسلطة مرة أخرى.

وقال الزهار: «سياستنا الآن هي الحفاظ على هدوء الناس. يتعين علينا مساعدة شعبنا على أن يحصن نفسه ضد المواقف المتطرفة». وقال الثلاثة مسؤولين إن حركة حماس قد مرت بما هو أسوأ من ذلك، مثل الهجمات الإسرائيلية والاغتيالات، والعزلة من جانب الدول العربية، وإغلاق معبر رفح لشهور خلال عهد مبارك. وقال حماد: «المنطقة تمر بأوقات صعبة وتواجه تحديات كبيرة».

وقد تجرأت المعارضة هنا بفضل الأحداث التي تشهدها البلدان المجاورة، حيث أصدرت حركة شبابية جديدة تطلق على نفسها اسم «تمرد» - على غرار حركة تمرد المصرية التي ساعدت في الإطاحة بالرئيس مرسي - مقطع فيديو على موقع «يوتيوب»» يطالب بالإطاحة بحركة حماس، كما أطلقت صفحة على موقع «فيس بوك» تطالب بمظاهرات حاشدة في الحادي عشر من نوفمبر (تشرين الثاني). وقال طالب في كلية الهندسة وأحد مؤسسي الحركة، والذي رفض الكشف عن هويته خوفا من الانتقام، إن حركة حماس قد اعتقلت ما لا يقل عن 50 من محبي صفحة حركة تمرد على «فيس بوك» خلال الأسبوع الحالي، وأنه وعدة أشخاص آخرين قد تعرضوا للسجن وتم وضعهم تحت الإقامة الجبرية، كما تم ضبط هواتفهم الجوالة وأجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم. وأضاف الطالب: «قد يشعر قادة حماس بالخوف من تكرار ما حدث في مصر».

ويرى كثير من الخبراء أنه من الصعب الإطاحة بحركة حماس، لأنها - على عكس الإخوان المسلمين في مصر - تسيطر على قوات الأمن والمؤسسات الخدمية في غزة. وحتى الآن، ما زالت الحياة مستمرة بشكلها الطبيعي، حيث يقوم العمال بتوسيع الطريق الرئيسي بين الشمال والجنوب خلال الأسبوع الحالي بتمويل قطري، وتكتظ الأكشاك بحقائب الأطفال قبل بداية العام الدراسي يوم الأحد المقبل، ولكن عند معبر رفح، هناك مئات اليائسين الذين ينتظرون منذ عدة أيام للعبور، وأصبحت المحطة المكيفة التي تم افتتاحها العام الماضي خالية إلا من عدد قليل من العمال التابعين لحركة حماس الذين يشاهدون قناة الجزيرة وبجانبهم أمتعتهم وعلامة إلكترونية تقول «مرحبا بكم في غزة».

وكانت مصر قد أعلنت الجمعة الماضية أنها ستعيد فتح الحدود بشكل محدود يوم السبت، بعد عدم السماح لأي شخص بالمغادرة منذ الخامس عشر من أغسطس (آب) عقب الاقتحام الحكومي الدموي لاعتصامين للإسلاميين.

وعلى الرغم من معاناة أهل غزة من إغلاق معبر رفح على فترات متقطعة على مدى سنوات، إلا أن كثيرا من سكان القطاع يرفضون غلق المعبر بحجة الدواعي الأمنية ويرون أنه عقابا سياسيا جماعيا. وقال أحمد المؤقت، وهو شاب في العشرين من عمره ويحاول العودة لكلية الطب في تركيا: «الحكومات تقاتل، ونحن ندفع الثمن. الأمور تسير من سيء إلى أسوأ».

وبدلا من أن تقضى داليا راضي، وهي فتاة في الثانية والعشرين من عمرها وتزوجت في الخامس عشر من أغسطس (آب) الحالي، شهر العسل مع زوجها، قضت الأسبوع وهي تجلس على مقاعد بلاستيكية في موقف للسيارات خارج المعبر. وبالنسبة لداليا، التي يعيش زوجها في النرويج منذ ست سنوات، فهذه هي المرة الأولى التي تغادر فيها غزة. أما مايا جاوادي، وهي طالبة في الحادية والعشرين من العمر وتدرس بجامعة تونس، فتقول: «لن أعود أبدا إلى غزة. هنا لا توجد حقوق إنسان - لا كهرباء ولا ماء، ولا نستطيع السفر. حماس تتدخل في مصر ونحن نتحمل العبء الأكبر».

* خدمة نيويورك تايمز