دمشق تتراجع وتسمح لمفتشي الكيماوي دخول الغوطة.. وواشنطن تعتبر الرد متأخرا

أوباما وكاميرون يبحثان ردا جادا .. وسوريا وإيران وروسيا تحذر من عواقب وخيمة

وليد المعلم وزير الخارجية السوري لدى لقائه أنجيلا كين، مسؤولة نزع الأسلحة في الأمم المتحدة، بدمشق، أمس (أ.ف.ب)
TT

تواصلت أمس الجهود الدولية للتوصل إلى «رد جدي» على استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وخلص الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى أن النظام السوري مسؤول عن استخدام تلك الأسلحة في مجزرة الغوطتين في ريف دمشق الأربعاء الماضي، مما أدى إلى مقتل أكثر من 1300 سوري. ودعم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند موقف واشنطن ولندن بالتأكيد على عدم ترك هذا العمل من دون عقاب. وفي غضون ذلك، أجرى وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، سلسلة اتصالات مع نظرائه في السعودية والإمارات وتركيا، كما تحدث هاتفيا مع الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي. وبعد ساعات من هذا الاتصال، الذي يعتقد أنه قد يأتي في سياق إيجاد غطاء عربي لأي هجوم عسكري مرتقب للرد على النظام السوري، دعت جامعة الدول العربية إلى عقد اجتماع طارئ في القاهرة غدا بهدف «تدارس الأوضاع الخطيرة في سوريا». وأمام هذه الضغوطات الدولية والعربية، أعلن النظام السوري موافقته على السماح للمفتشين الدوليين بزيارة المواقع التي شهدت الهجوم الكيماوي، إلا أنه حذر، وحليفته طهران، من أن أي اعتداء يستهدف سوريا «لن يكون نزهة».

وأعلنت وزارة الخارجية السورية، أمس، الاتفاق بين السلطات السورية والأمم المتحدة على السماح لفريق الأمم المتحدة الموجود في سوريا بالتحقيق في «الادعاءات» حول استخدام أسلحة الكيماوية في ريف دمشق، بينما يعتقد أنه محاولة من النظام السوري كسب الوقت مع بوادر موقف جدي من الغرب إزاء استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا ضد المدنيين.

نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عن مصدر في وزارة الخارجية قوله: «تم الاتفاق اليوم في دمشق بين الحكومة السورية والأمم المتحدة (...) على تفاهم مشترك يدخل حيز التنفيذ على الفور حول السماح لفريق الأمم المتحدة برئاسة البروفسور آكي سيلستروم بالتحقيق في ادعاءات استخدام الأسلحة ال يماوية» في ريف دمشق.

ومن المتوقع أن يباشر المحققون الدوليون عملية التفتيش في غوطة دمشق اعتبارا من اليوم (الاثنين). وقال مكتب بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، في بيان أمس، إن سوريا تعهدت بوقف إطلاق النار في الموقع بضواحي دمشق في الوقت الذي يبدأ فيه فريق الأمم المتحدة أنشطته لتقصي الحقائق في الموقع.

إلا أن الولايات المتحدة اعتبرت موافقة دمشق «جاءت متأخرة لدرجة لا يمكن تصديقها». وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى: «لو لم يكن للحكومة السورية ما تخفيه وأرادت أن تثبت للعالم أنها لم تستخدم أسلحة كيماوية في هذا الحادث، لكانت أوقفت هجماتها على المنطقة ومنحت الأمم المتحدة وصولا فوريا إليها قبل خمسة أيام»، حسبما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

واتهمت المعارضة السورية النظام بشن هجوم كيماوي الأربعاء على مناطق في الغوطة الشرقية وجنوب غربي دمشق، مما أسفر عن وقوع 1300 قتيل.

وكان الرئيس أوباما عقد اجتماعا مساء السبت مع عدد من مستشاريه للأمن القومي بحضور كيري لبحث تداعيات استخدام الكيماوي وسيناريوهات الرد إذا ما تأكد أن النظام السوري مسؤول عنه.

وقالت الرئاسة الأميركية إن أوباما تلقى خلال الاجتماع «عرضا مفصلا كان طلب إعداده، لمجموعة من الخيارات المحتملة للرد من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على استخدام الأسلحة الكيماوية»، وأضافت الرئاسة في بيان أن «أجهزة الاستخبارات الأميركية، وبالتنسيق مع شركائها الدوليين ومع الأخذ في الاعتبار شهادات عشرات الشهود الذين عاينوا ما جرى وسجل عوارض أولئك الذين توفوا، فإنها تواصل جمع الوقائع للتأكد مما جرى».

وبعد ذلك، دارت محادثة هاتفية بين كاميرون وأوباما استغرقت 40 دقيقة كاملة، توصلا خلالها إلى أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد «مسؤول» عن الهجوم بالأسلحة الكيماوية، وأن الوقت بات ينفد بالفعل أمام الأسد للسماح لفريق التحقيق الدولي بزيارة الأماكن التي شهدت الهجمات.

وقالت رئاسة الوزراء البريطانية في بيان فجر أمس، إن أوباما وكاميرون «عبرا عن قلقهما العميق (...) من تزايد المؤشرات على أن النظام السوري شن هجوما كبيرا بأسلحة كيماوية ضد شعبه»، وأضافا أن «امتناع الرئيس الأسد عن التعاون مع الأمم المتحدة يشير إلى أن النظام لديه ما يخفيه»، مؤكدين أن «استخداما كبيرا للأسلحة الكيماوية يستحق ردا جادا من المجتمع الدولي».

وأعلن البيت الأبيض في بيان أن أوباما وكاميرون «سيواصلان التشاور من كثب» في شأن الهجوم الكيماوي، كما بحثا في «الردود المحتملة من جانب المجتمع الدولي على استخدام الأسلحة الكيماوية».

أما جون كيري، فأجرى سلسلة اتصالات هاتفية شملت وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، والتركي أحمد داود أوغلو، والأردني ناصر جودة، والإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان. وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، أكد وزير الخارجية الأميركي «خطورة استخدام الأسلحة الكيماوية»، وضرورة الإسراع بتحديد الوقائع.

وكشفت وزارة الخارجية الأميركية عن أن كيري كان أجرى اتصالا هاتفيا الخميس بوزير الخارجية السوري وليد المعلم.

وقال مسؤول في الخارجية الأميركية إن كيري أبلغ المعلم أنه «لو لم يكن لدى النظام السوري شيء يخفيه كما يزعم لكان عليه أن يسمح بوصول فوري وبلا عراقيل إلى موقع» الهجوم الكيماوي المفترض الذي استهدف الأربعاء الغوطتين الشرقية والغربية في ريف العاصمة السورية.

وأضاف أن الوزير الأميركي قال لنظيره السوري إنه عوضا عن هذا فإن نظام الرئيس بشار الأسد «واصل هجومه على المنطقة المعنية من أجل منع الوصول إليها وتدمير الأدلة». وبحسب المسؤول نفسه، فإن كيري «أكد للمعلم أنه تلقى كامل الضمانات من قادة الجيش السوري الحر لناحية تأمينهم سلامة محققي الأمم المتحدة في المنطقة المعنية».

ويواجه أوباما تساؤلات من اعضاء الكونغرس حول الخطوة المقبلة في سوريا. وكان عضوا مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين وليندسي غراهام قد أصدرا بيانا أمس اتهما فيه إدارة أوباما بـ«الوقوف على الحياد أطول مما ينبغي» وحذرا من أن الصراع السوري «أصبح الآن إقليميا ويهدد بعضا من أقرب أصدقاء وحلفاء أميركا في الشرق الأوسط». وجاء في البيان أنه «ليس من مصلحة أمننا القومي أن يستمر هذا الصراع كما يقترح البعض. بل على العكس وكما لاحظنا فإنه كلما طال الصراع في سوريا زاد سوءا وانتشارا في المنطقة. يجب أن نعمل على إنهاء هذا الصراع في أسرع وقت ممكن باتخاذ إجراءات حاسمة من شأنها أن تغير موازين القوة في ساحة المعركة ضد الأسد وقواته».

وينفي النظام السوري نفيا قاطعا هذه الاتهامات ويتهم بالمقابل مقاتلي المعارضة باستخدام أسلحة كيماوية قرب العاصمة.

واستشعرت دمشق وطهران، أمس، جدية وخطورة التحركات الدولية والعربية، وحذرتا من أن أي هجوم على سوريا ستكون له تداعيات وخيمة و«لن يكون نزهة».

وجدد وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أمس نفي بلاده استخدام الأسلحة الكيماوية «بأي شكل من الأشكال سواء في غوطة دمشق أو غيرها ولن تستخدمه إن وجد لديها». وحمل مقاتلي المعارضة السورية مسؤولية الهجوم وزعم أن لدى دمشق وحليفتها موسكو ما يثبت ذلك، وقال: «إننا نملك وأصدقاؤنا (روسيا) ما يثبت بشكل قاطع لا يقبل أي احتمال أو نقاش أن القذائف أطلقت من مواقع المجموعات الإرهابية وسقطت على مواقعهم وعلى سكان مدنيين، ولذلك هم يتحملون مسؤولية الأمر برمته من الألف إلى الياء وبكل تبعاته وتداعياته».

وأضاف الزعبي: «في حال حدوث أي تدخل عسكري خارجي أميركي، فإن ذلك سيترك تداعيات خطيرة جدا في مقدمتها فوضى وكتلة من النار واللهب ستحرق الشرق الأوسط برمته».

وحذرت إيران، أقوى حلفاء الأسد في الشرق الأوسط، الولايات المتحدة من تجاوز «الخط الأحمر» بشأن سوريا، قائلة إن ذلك ستكون له «عواقب وخيمة».

ونقلت وكالة «فارس» شبه الرسمية للأنباء عن مسعود جزايري، نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، قوله إن «أميركا تعلم حد الخط الأحمر للجبهة السورية، وأي تجاوز للخط الأحمر السوري سيكون له عواقب وخيمة على البيت الأبيض».

واصطفت روسيا إلى جانب سوريا دمشق، وأعلن رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب أليكسي بوشكوف أن أوباما يدفع الولايات المتحدة باتجاه «حرب غير مشروعة» في سوريا، فيما يشبه تحركات الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش قبل غزو العراق، وأضاف: «تماما كما حدث في العراق، فلن تكون هذه الحرب شرعية وأوباما سيصبح استنساخا لبوش».