تكثيف المشاورات الحكومية في لبنان على إيقاع تفجيرات طرابلس

نائب في حزب الله: خلافنا خارج الحدود يجب ألا يمنع اتفاقنا على الاستقرار

TT

كشفت مصادر رئيس الوزراء اللبناني المكلف، تمام سلام، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، عن تسريع وتيرة المشاورات الحكومية في الساعات الأخيرة، خصوصا بعد تكرار سيناريو التفجير في مدينة طرابلس، شمال لبنان، يوم الجمعة الماضي. وقالت إن زيارة سلام إلى القصر الرئاسي أمس، حيث التقى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، تأتي في إطار «المشاورات التي تسرعت خلال الـيومين الأخيرين في اتجاهات مختلفة ومع معظم الأطراف، لكي تبصر الحكومة التي يريدها اللبنانيون النور في أقرب وقت ممكن، بهدف التصدي للمخاطر التي تهدد الوطن والتي ظهرت بوضوح في التفجيرات الأخيرة في أكثر من منطقة لبنانية».

وأوضحت مصادر الرئيس المكلف أن «ثمة سعيا حثيثا يقوم به كل من سلام وسليمان من أجل الوصول إلى صيغة حكومية تحاكي الهم الأمني»، معتبرة أنه «بعد الانفجارات المتنقلة برزت لحظة تعاطف وطني بعيدا عن بعض الأصوات الحادة، التي يمكن البناء عليها، للوصول إلى حكومة تتصدى للهم الأكبر الذي يواجهه اللبنانيون اليوم وهو الهم الأمني في المقام الأول».

وكان سليمان قد استقبل سلام بالقصر الجمهوري في بعبدا، وتناول اللقاء حصيلة الاتصالات والمشاورات الجارية في شأن تأليف الحكومة. وجاء اللقاء الثنائي إثر كلمة وجهها سليمان إلى اللبنانيين، مساء أول من أمس، دعا فيها «الجميع، ومن دون استثناء، إلى وقفة شجاعة وقرار وطني مسؤول، ينأى عن المصالح الخارجية والإقليمية، ويأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية الداخلية، والالتقاء ضمن حكومة جامعة وحول طاولة هيئة الحوار الوطني من دون شروط مسبقة لدرء المخاطر التي تهدد الوطن واستباحة إراقة الدم بلا تمييز».

ويتزامن تسريع الاتصالات والمشاورات التي يفرضها الهم الأمني الذي يلقي بثقله على الساحة اللبنانية، مع توافق الفرقاء السياسيين على التحذير من مؤشرات التصعيد الأمني على الساحة اللبنانية انطلاقا من حوادث التفجير المتكررة والمعطيات الأمنية الصادرة عن القادة الأمنيين.

وبرز أمس موقف لافت من حزب الله، عبر عنه النائب علي فياض، بقوله خلال احتفال تأبيني لإحدى ضحايا تفجير الرويس، إن «خلافاتنا تجاه ملفات ما وراء الحدود يجب أن تبقى ما وراء الحدود»، معتبرا أن «خلافنا تجاه ما يجري في سوريا أو تجاه أي ملف إقليمي آخر يجب ألا يحول دون اتفاقنا على أولوية الاستقرار وأولوية مواجهة المجموعات التكفيرية وأولوية التصدي لبؤر التطرف المذهبي». وقال فياض إنه «أمام نتائج متفجرات الضاحية وطرابلس قد وضع الجميع في مركب واحد، وباتت الملفات اللبنانية الأخرى تفصيلية وصغيرة أمام ما يجري على صعيد الأمن، وقد بات أي مكسب سياسي في هذه القضية أو تلك لا معنى له ولا قيمة»، مشيرا إلى أنه «في بعض الأحيان، تبدو بعض الحسابات الداخلية وبعض النقاشات تافهة أمام الخطر المستجد الذي يتهدد المركب اللبناني وقد يتسبب في إغراقه، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار فرضية أننا في بداية النفق وأن ما ينتظر اللبنانيين أشد ظلمة وخطورة».

وفي الإطار ذاته، رأى رئيس كتلة حزب الله في البرلمان اللبناني، النائب محمد رعد، أن «مؤشرات التصعيد تبدو واضحة في المرحلة المقبلة»، داعيا «كل المخلصين والعاملين في لبنان للعمل معا من أجل إطفاء النيران». وحذر رعد من أن «تشكيل حكومة الأمر الواقع لا يمكن أن يفهم منه سوى أنه صب للزيت على النار»، مشيرا إلى أن «هدف التفجير ليس قتل الناس فحسب، بل أيضا جر الناس ليقتلوا بعضهم بعضا».

من ناحيته، دعا عضو المجلس السياسي في حزب الله غالب أبو زينب جميع الفرقاء إلى «الإسراع بإيجاد حل سياسي»، معتبرا «ألا شيء يحمي لبنان إلا حكومة تتمثل فيها كل القوى السياسية اللبنانية، وتؤمن حالة من الأمن السياسي لكل اللبنانيين، ولا تسمح لكل المخابرات والمنظمات الإرهابية من استغلال الفراغ السياسي القائم لكي تضع متفجرة هنا ومشروعا هناك». واعتبر أن «التفجيرات التي حصلت ليست عندنا ولا في طرابلس، إنما يمكن أن تكون في كل مكان، ولذا المطلوب من الجميع حالة من الوعي تؤدي إلى إقفال الطريق على المؤامرة، وخارطة طريق من القيادات اللبنانية التي تدرك أن هذه المؤامرة التي نلمسها بأيدينا تطال الجميع».

ومن طرابلس، دعا «تيار المستقبل»، في بيان صادر عن اجتماع لنوابه: «القوى السياسية إلى تقديم التنازلات للوطن وتقديم مصلحة الوطن على أي اعتبار»، بالتزامن مع مناشدة النائب في كتلة المستقبل بهية الحريري الرئيس اللبناني «دعوة اللبنانيين المنتجين في كل القطاعات للوقوف وقفة وطنية في الأول من سبتمبر (أيلول) ليكون يوما وطنيا جامعا ولنعلن جميعا تمسكنا بدولة لبنان الكبير، لنبعث برسالة اطمئنان لأهل طرابلس والضاحية، بأن هناك مسؤولية جامعة لبقاء لبنان واستقراره متمثلا فقط بالجيش اللبناني والقوى الأمنية».

من ناحيته، رأى البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي زار مساء أمس طرابلس معزيا في ضحايا التفجيرين: «أنه على أصحاب السلطة في لبنان والفرقاء المتنازعين الرافضين الجلوس معا إلى طاولة الحوار والذين يعطلون تشكيل حكومة جديدة ويشلون عمل المجلس النيابي ويعلقون مجرى الحياة العامة، أن يدركوا أنهم هم أنفسهم المسؤولون عن الفلتان الأمني وتفشي السلاح غير الشرعي وتنقل السيارات المفخخة من منطقة إلى أخرى وعن التسبب في الانفجارات»، مشيرا إلى «أن دماء الشهداء تستصرخ ضمائرهم».

وقال الراعي خلال عظة الأحد إن «مسؤولية المرجعيات السياسية عن التسبب في الفلتان الأمني وتنقل السيارات المفخخة، توجب عليهم أيضا، بحكم ضميرهم الوطني، تلبية دعوة الرئيس اللبناني في ندائه إلى اتخاذ قرار وطني مسؤول يؤدي إلى المصالحة الوطنية، وإلى تسهيل التأليف لحكومة جديدة قادرة، وإلى الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني من دون شروط».