حرب العراق تلقي بظلالها على سوريا.. في واشنطن ولندن

الحليفان الغربيان لا يريدان تكرار سيناريو 2003 ويواجهان معارضة شعبية للتدخل

TT

بعد 10 سنوات، ما زالت حرب العراق تلقي بظلالها، ليس فقط على العراق والمنطقة فحسب، بل على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللذين قادا التحالف العسكري لإطاحة نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وبينما تواجه واشنطن، وحليفتها لندن، قرارا صعبا حول ردها على استخدام السلاح الكيماوي المؤكد في سوريا، تعاني من قرار إدارات سابقة بتشويه الوقائع حول الأسلحة الكيماوية في العراق قبل عقد من الزمن. والربط بين العراق وسوريا يذكر في كثير من النقاشات الدائرة في واشنطن ولندن اليوم، خصوصا من حيث تداعيات أية ضربة عسكرية وانعدام الثقة من قبل شعبي البلدين ودول أساسية تجاه سياسية تدخل بناء على منع استخدام أسلحة كيماوية.

وحذر الناطق باسم وزارة الخارجية الروسي أليكساندر لوكاشيفيتش أمس من أن التطورات الأخيرة في سوريا واتهام الغرب لنظام الرئيس السوري بشار الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية «تدفعنا لنتذكر أحداث قبل 10 أعوام، عندما معلومات خاطئة عن أسلحة دمار شامل في العراق استخدمت كذريعة من الولايات المتحدة للاحتيال على الأمم المتحدة واتخاذ خطوة يعلم الجميع نتائجها»، في إشارة إلى حرب عام 2003. وأضاف: «نحن نقف بشدة ضد تكرار أخطاء الماضي وعدم السماح لتصرفات تتناقض مع الحقوق الدولية».

وقال ستيفن كوك، الباحث في معهد «مجلس العلاقات الدولية» الأميركي النافذ، إن «حرب العراق تفرض نفسها على صناعة القرار تجاه سوريا، فالرئيس الأميركي باراك أوباما فاز بانتخابات الرئاسة الأميركية (لعام 2008) بناء على وعده بـ«إنهاء الحرب»، في العراق، بعد أن كان من بين أعضاء مجلس الشيوخ القلة الذين صوتوا ضد خوض حرب عام 2003، ولم ينو السماح لبلده بالدخول في نزاع جديد في الشرق الأوسط». ويذكر أن أوباما أصبح الرئيس الذي فاز بجائزة «نوبل» للسلام عام 2009 وبات حريصا على إظهار نفسه ملتزما بالخيارات السلمية. ولفت كوك إلى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري «يريد إجراء أكثر حزما، وقبله كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تفضل التحرك الحازم أيضا، ولكن أوباما غير مستعد لذلك، ولا ننسى أن الشعب الأميركي يرفض التدخل بأغلبية تصل إلى 70% في بعض استطلاعات الرأي». وأفاد استطلاع للرأي نشرت وكالة «رويترز» يوم السبت الماضي أن 60% من الأميركيين يرفضون التدخل في سوريا بينما 9% فقط أيدوا تدخلا عسكريا.

واعتبر كوك في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «القيادات العسكرية لا تريد التورط في سوريا، على الرغم من أنها قادرة على القيام بعمل عسكري ولكنها تريد تحديد هدف محدد، وتغيير النظام لن يكون الهدف خاصة بعد ما حدث في العراق».

وفي بريطانيا، يأتي الحديث عن احتمال تحرك عسكري خلال العطلة الصيفية للبرلمان البريطاني. وناشد عدد من أعضاء البرلمان البريطاني، من بينهم النائبة سارة والستون عن حزب المحافظين، على ضرورة قطع العطلة وبدء مناقشة جدية عن احتمال موافقة الحكومة البريطانية على عمل عسكري في سوريا. ويذكر أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير حصل على موافقة البرلمان عام 2003 لخوض الحرب في العراق ولكن 149 من أصل 562 صوتوا ضد الحرب. الحزب الليبرالي الديمقراطي المعارض حينها عارض الحرب بشدة واليوم حلف حليف حزب المحافظين في الائتلاف الحكومي البريطاني مما يزيد تعقيد اتخاذ الحكومة البريطانية قرار الحرب.

ويذكر أن 70% من البريطانيين لا يريدون التدخل في سوريا، بحسب استطلاع للرأي نشره موقع «إم إس إن» قبل يومين. وبدأ تحالف «أوقفوا الحرب»، الذي حرك مسيرات شارك فيها ملايين البريطانيين عشية الحرب في العراق، بحملة إعلامية ضد التحرك في سوريا.

وقال الباحث لدى معهد «روسي» (المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن) مايكل ستيفنز: «بالطبع الحرب في العراق تؤثر على ما يحدث»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن على الرغم من أن المعلومات المغلوطة عن الأسلحة الكيماوية في العراق مختلفة عما يراه العالم اليوم. وأوضح: «هناك واقعة حقيقية لاستخدام الأسلحة الكيماوية الآن والأدلة واضحة ولكن نحن نعيش في واقع ما بعد حرب العراق، وهناك انعدام ثقة كبيرة ليس فقط مع دول أخرى (مثل روسيا) بل بالنسبة للشعوب مع حكوماتها».

واعتبر ستفينز أن «عدم التحرك قبل 18 شهرا في سوريا جعلنا في هذا الوضع وجعل العالم أمام إمكانية مجموعات متطرفة تستقوي في سوريا.. ولكن الآن التدخل بات يحمل مشكلات كثيرة»، من بينها تقوية المتطرفين بين صفوف المعارضة. وتوقع ستيفنز أن في حال كان هناك تدخل عسكري «فيسكون لشل قدرات النظام السوري الجوية من بينها قصف مدارج المطارات ومخازن الأسلحة»، مضيفا: «بالتأكيد لن تكون هناك قوات على الأرض، فالشعبان الأميركي والبريطاني لا يريدون رؤية جنود بلادهم يموتون مجددا في حرب في الشرق الأوسط»، خصوصا وأنهم يعتبرون بأنهم غير مرحب بهم.

وبدأت صفحات الرأي في أبرز الصحف الأميركية والبريطانية تزدحم بمقالات رأي بين مؤيد ومعارض للتحرك في سوريا. وتحمل صحيفة «الإندبندنت» اليسارية البريطانية، والتي عارضت حرب العراق بشدة، أبرز المقالات المعارضة للتدخل العسكري في سوريا. وكتب أون جونز «كابوس سوريا يظهر على أنه لا يمكن أن يزداد سوءا ولكن في الحقيقة مع تدخل غربي، من المرجح أن يسوء الوضع».

ولكن في الوقت نفسه، أوضح كوك أن «هناك رأي قوي في بعض الأوساط الأميركية بأنه لا يمكن تحديد شروط واعتبار عمل ما (أي استخدام سلاح كيماوي) خط أحمر ومن ثم لا تتحرك في حال حدث ذلك»، مضيفا: «سيكون الضرر لسمعة الولايات المتحدة كبيرا وسيعطي قوة جديدة لمعارضيها مثل إيران». واعتبر ستيفنز أن «العالم يدخل مرحلة خطر جديدة باستخدام السلاح الكيماوي ومن الصعب تجاهل مثل هذا الحدث على الصعيد الدولي».