تركيا مستعدة للانضمام إلى تحالف دولي وتحتضن اجتماعات لبحث ما بعد الأسد

أزمير ستكون مقر قيادة الضربة العسكرية والائتلاف قدم خطته لمواجهة السقوط

TT

احتضنت تركيا أمس اجتماعين مهمين، أحدهما أمني والآخر سياسي، يتعلقان بالوضع السوري المتأزم عشية تخلي أنقرة عن التزامها التاريخي وقف المشاركة بأي جهد دولي خارج مظلة الأمم المتحدة، وذلك بإعلانها الاستعداد للدخول في ائتلاف دولي من خارج المنظمة الدولية للعمل من أجل إسقاط النظام في الدولة الجارة لتركيا التي تجمعها معها حدود طويلة تقدر بنحو 900 كيلومتر، مما يجعلها النقطة المفضلة لأي عمل عسكري مناوئ للنظام.

وقالت مصادر تركية مطلعة أمس إن اجتماعات أمنية بالغة الأهمية تعقد حاليا في قاعدة أزمير التركية التي يرجح أن تكون مقر قيادة أي عملية عسكرية ضد سوريا، لا قاعدة أنجرليك القريبة نسبيا من الحدود مع سوريا. وقالت المصادر إن نحو 50 شخصية عسكرية وأمنية تركية وأجنبية تدرس «كل الاحتمالات» والسيناريوهات المطروحة وكيفية التعامل مع كل منها. وفي حين رفضت مصادر تركية رسمية تأكيد هذه المعلومات، فإنها قالت إن الأمنيين سيقدمون «المشورة اللازمة» للسياسيين بما يمكنهم من اتخاذ القرار المناسب.

وفي الوقت نفسه، عقد أمس اجتماع لـ«الأصدقاء المقربين» للشعب السوري في تركيا، ضم سفراء 12 دولة أوروبية وعربية من الداعمين للمعارضة السورية، في مقدمتهم السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد، الذي نقل معارضون سوريون عنه تأكيده أن الأميركيين «لن ينتظروا عمل المراقبين (الذين يتحققون من استعمال الأسلحة الكيماوية) للقيام بما يلزم». ورغم أن هؤلاء قالوا إن فورد رفض الكلام عن طبيعة وشكل هذا التحرك، فإنهم خرجوا بانطباع مفاده أن «ثمة ضربة أكيدة ستوجه للنظام».

ويشارك في عمل «نواة أصدقاء سوريا» 12 دولة هي الولايات المتحدة وتركيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر وإيطاليا والسويد وإسبانيا. ورغم أن هذا الاجتماع كان مقررا في وقت سابق، فإن التطورات الأخيرة في ملف الأزمة السورية ستكون حاضرة بقوة، كما أكد الناطق بلسان الخارجية التركية ليفنت جمركجي لـ«الشرق الأوسط». وأوضح الدبلوماسي التركي أن المجتمعين بحثوا في «الخطوات المستقبلية في ملف الأزمة».

وشارك في الاجتماع أعضاء هيئة الرئاسة في الائتلاف السوري المعارض برئاسة أحمد الجربا. وقال أحد المشاركين لـ«الشرق الأوسط» إن السفراء وجهوا أسئلة مفصلة للمعارضة عن برنامج عملها للتعاطي مع الوضع في سوريا في «لحظة ما بعد سقوط النظام» مشيرا إلى أن الدبلوماسيين طلبوا من الائتلاف تقديم تصور مكتوب لمناقشته في الاجتماع وهو ما حصل.

وقال المصدر إن أسئلة الدبلوماسيين تركزت على كيفية الحفاظ على أجهزة الدولة ومصير الأقليات وقدرة الائتلاف على إمساك زمام الأمور في حال سقط النظام لعدم ذهابها إلى متطرفين، بالإضافة إلى قدرته على القيام بالمهام السياسية المطلوبة حيال الشعب السوري.

وفي موقف لافت، أفاد مصدر تركي بأن المجتمعين بحثوا في «التحضيرات لمؤتمر جنيف2» الذي يفترض به أن يبحث المخارج السياسية للأزمة، وهو ما أكده مصدر بارز جدا في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» قائلا إن الضربة العسكرية المتوقعة ستكون جواز ذهاب المعارضة إلى جنيف. وإذ شدد المصدر على أن المعطيات المتوافرة للمعارضة تؤشر إلى «ضربة عسكرية للنظام خلال الأيام المقبلة»، قال المصدر إن الدول الغربية مهتمة بمعرفة ما سيكون عليه موقف المعارضة في حال أدت هذه الضربة إلى سقوط النظام نتيجة «انهيارات عمودية» قد تحصل إذا ما ضربت الألوية الأساسية التابعة للنظام. وأوضح مصدر شارك في إعداد ورقة العمل التي قدمت للمجتمعين إنها تتمحور حول 3 نقاط أساسية طلب المجتمعون توضيحات بشأنها، وهي أولا كيفية ضمان عدم حصول عمليات انتقام واسعة جراء تحول المحكومين إلى حاكمين، وثانيا كيفية التعاطي مع بقايا السلاح الكيماوي واحتوائها، وثالثها ترتيب شؤون سوريا من الناحية الدستورية والسياسية وكيفية تسيير شؤون المواطنين.

وأفاد المعارض السوري محمد سرميني بأن المعلومات الواردة للائتلاف تشير إلى سفر عوائل ضباط كبار من النظام من البلاد عبر مطاري اللاذقية وبيروت نتيجة معلومات عن «ضربة قريبة جدا». وقال سرميني إن «المعلومات المتوافرة لدى المعارضة تشير إلى أن الضربة لن تكون من أجل إسقاط النظام، بل من أجل إعادة التوازن إلى الميدان»، محذرا من أن تأثير هذه الضربة سيكون خطيرا، وقد يؤدي إلى إطالة عمر الأزمة، مشددا على أن المطلوب ضربة تقضي على النظام، وإلا فإن الارتدادات العكسية للضربة ستكون أكبر بكثير.

وأوضحت مصادر معارضة لاحقا لـ«الشرق الأوسط» أن الاجتماع خلص إلى تأكيد الدول المشاركة على ضرورة العمل العسكري وخصوصا أن الجرائم التي ترتكب في سوريا تتطلب تحركا دوليا حتى لو كان خارج إطار مجلس الأمن على أن يتم مناقشة التفاصيل في اجتماع رؤساء أركان الجيوش لعشر دول الذي يعقد حاليا في العاصمة الأردنية عمان. كما شددت على ضرورة تشكيل غرفة عمليات من أجل اللحظة بعد سقوط النظام للحفاظ على مؤسسات الدولة وحماية المدنيين وتفادي الفوضى.

وأعادت أنباء الضربة العسكرية المتوقعة الحرارة إلى ملف تشكيل الحكومة المؤقتة التي سيشكلها المرشح الوحيد لرئاستها أحمد الطعمة. وقالت مصادر في الائتلاف لـ«الشرق الأوسط» إن الطعمة استدعي إلى اسطنبول منذ 8 أيام، حيث طلبت منه الهيئة السياسية للائتلاف تحضير رؤية لحكومته. وكشفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن اجتماعا سيعقده الائتلاف في 13 سبتمبر (أيلول) المقبل لتكليف الطعمة تأليف الحكومة التي يرى المعارضون أن عدم تأليفها شكل «نقصا» في ملف تحضيرات المعارضة لتسلم السلطة.

وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قال إن بلاده مستعدة للانضمام إلى ائتلاف دولي ضد النظام السوري ردا على الهجوم الكيماوي المفترض حتى في غياب إجماع في الأمم المتحدة. وقال في حديث نشرته صحيفة «ميلييت» أمس «إذا تشكل ائتلاف ضد سوريا خلال هذه العملية فإن تركيا ستكون ضمنه». وأوضح دواد أوغلو أنه «بعد التفتيش ينبغي بالأمم المتحدة أن تتخذ قرارا حول عقوبات. لقد فضلنا على الدوام تحركا تحت غطاء الأمم المتحدة ومع المجموعة الدولية». وأضاف «وإذا لم يتخذ مثل هذا القرار فهناك خيارات أخرى على الطاولة». وأشار إلى أن «نحو 36 أو 37 دولة تناقش هذه الخيارات».

وقال دواد أوغلو إنه «منذ البداية اعتبرت تركيا أنه على المجتمع الدولي ألا يبقى غير مبال بالمجازر المرتكبة من طرف نظام الأسد»، مؤكدا أن «الذين يرتكبون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا بد أن يعاقبوا قطعا». وأضاف «عندما ننظر لما يجري في سوريا نرى أن نظام الأسد يستخدم طرقا تجاوزت كثيرا الأعمال غير الإنسانية والمجازر التي ارتكبت في البوسنة» خلال التسعينات.