جرحى التفجيرات في العراق.. رحلة ما قبل الموت

حالات كثيرة تنتهي بالوفاة والأخرى تتراوح بين بتر الأطراف والطرش

TT

أحيانا تبدو كما لو كانت موتا مؤجلا.. فالرحلة التي يقطعها جريح الحادث الإرهابي في العراق، وهو أمر يتكرر يوميا وفي غالب الأحيان على مدار ساعات الليل والنهار طبقا لجغرافية البلاد، تمر بعدة مراحل قد تنتهي به في واحدة منها إلى الموت ويصبح في عداد «الشهداء» غير المحسوبين أو المسكوت عنهم، إذ إن قتلى الحادث يكونون قد جرى تصنيفهم إداريا وإعلاميا في خانة «الشهداء» وهي التسمية التي تعني حصولهم على امتيازات الشهيد في بلد مثل العراق صار خبيرا في قضايا من هذا النوع، فضلا عن كل ما له صلة بالطوارئ في حياة تبدو للعراقي وكأنها طارئة إلى حد كبير.

منذ ثمانينات القرن الماضي رتبت الحروب حقوقا مادية واعتبارية لضحايا الحروب وفي مقدمتهم قتلاها. أما المعاقون فإن لهم أيضا حقوقا أخرى ولكنها أقل بكثير من تلك التي يحصل عليها ذوو «الشهيد» لا سيما على عهد النظام السابق عندما كانت تلك الامتيازات مرتبطة بالمشاركة بالحرب بل والبلاء فيها بلاء حسنا. أما اليوم فإن حوادث القتل والتفجيرات يمكن أن تحصل في الشارع وفي المقهى وفي المجمع التجاري وساحة كرة القدم بل وحتى في المستشفيات نفسها.

أرقام القتلى والجرحى لا تزال موضع خلاف بين وسائل الإعلام والمصادر العسكرية والمؤسسات الصحية. فوسائل الإعلام كثيرا ما تعتمد على المصادر الأمنية التي غالبا ما تكون مجهولة الهوية وهي أعداد تبدو مبالغا فيها سواء من حيث الأعداد أو سرعة الإحصاء. أما وزارة الداخلية وقيادة العمليات العسكرية فإن لها رأيا آخر. العميد سعد معن المتحدث باسم وزارة الداخلية وعمليات بغداد يقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المبالغة في أعداد الجرحى لا تختلف بالنسبة لوسائل الإعلام عن الشهداء» مشيرا إلى أن «المصدر الصحيح لأعداد الضحايا هي شرطة النجدة ووزارة الصحة». ويضيف معن أن «المبالغة في الأرقام من قبل وسائل الإعلام قدم سواء بشكل مقصود أو غير مقصود خدمة كبيرة لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي بات يعتمد أصلا على مبدأ التهويل الإعلامي وهذا ما تتيحه له وسائل الإعلام أحيانا بشكل غير مقصود».

وفي حين أن لدى وزارة الصحة أجوبة للكثير من الأسئلة التي تبدو واجبة الطرح فيما يتعلق بمصائر الجرحى الذين كثيرا ما يلفهم النسيان بعد الحادث فإن الإجابات لدى المستشفيات العراقية المختلفة تتباين. ولعل الأهم من كل ذلك أن أيا من الأطباء والصيادلة المعنيين بمثل هذه الحوادث طلبوا عند الكلام عدم الإشارة إلى أسمائهم لأن الجهات الصحية المسؤولة عنهم لم تخول أيا منهم بالحديث. مع ذلك فإن المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مستشفى اليرموك، وهو أحد أكبر مشافي بغداد، تشير إلى أن أعداد الجرحى التي تصل إليهم غير صحيحة صعودا أو نزولا. إحدى الطبيبات المقيمات تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «أعداد الشهداء صحيحة إلى حد كبير بينما أعداد الجرحى مختلفة، إذ تكون أحيانا مطابقة لما يعلن عنه وأحيانا أكثر بكثير قد يصل إلى الضعف». وتضيف قائلة: إن «بعض الجرحى قد لا يأتون في اليوم نفسه إلى المستشفى بل يذهبون إلى عيادات أو مضمدين صحيين ولكنهم يأتون في اليوم الثاني ولأسباب مختلفة». زميل لها رفض هو الآخر الكشف عن اسمه يقول بشأن حالات الشفاء أو العوق أو غيرها من الحالات إن «نحو 80 في المائة من الحالات هي حالات بتر أعضاء و20 في المائة حالات طرش للسمع طبقا لشدة صوت الانفجار».

مدينة الطب هي المستشفى الأكثر كفاءة بين مشافي العاصمة ولها حصة الأسد بين الجرحى خصوصا طالبي الدم بسبب قربها من مصرف الدم. أحد أطبائها يقول إن «الكثير من الحالات العلاجية تتوفر في مدينة الطب بما في ذلك عمليات جراحية فضلا عن زرع طبلة الأذن وغيرها ودون تأخير أحيانا». وبسؤاله عن حالات الوفاة من بين الجرحى قال: «نعم هناك حالات وفاة كثيرة تحصل إما نتيجة شدة الإصابة أو أحيانا التأخر في العلاج لا سيما في المحافظات التي لا تتوفر فيها قدرة علاجية مثل بغداد». ويلفت الطبيب المذكور إلى حالات أخرى منها مثلا «حصول حالات نفسية كثيرة بمعنى مريض لا يتكلم من شدة الصدمة والانفجار وهذا يحتاج إلى علاج من نوع آخر يستغرق وقتا».

وكيل وزارة الصحة الدكتور ستار الساعدي كانت لديه إجابات عن الكثير من الأسئلة وفي المقدمة منها القدرة التي تتمتع بها المستشفيات العراقية وإمكانية توفير العلاجات اللازمة وما يتلوها من مراحل علاجية. ويقول الدكتور الساعدي لـ«الشرق الأوسط» إن «وزارة الصحة ومنذ عام 2004 جندت مواردها المالية والبشرية باتجاه الطوارئ بحيث أصبح لدينا اختصاص طوارئ بنسبة 150 في المائة وهو ما يجعل مستشفياتنا قادرة على التعامل مع حالات تبدو مخيفة للآخرين». ويضيف الساعدي: «لقد عملنا على مضاعفة أعداد الخفر والمقيمين المتخصصين في المستشفيات، إذ إن المستشفى الذي فيه 7 إخصائيين يبقى اثنان منهم خافران». وردا على سؤال بشأن حالات العلاج ومراحله يقول الدكتور الساعدي إن «الحالات مختلفة فهناك جروح وخدوش بسيطة لا تتطلب وقتا طويلا وهناك حالات معقدة تتطلب وقتا وهناك حالات تتطلب تسفير المريض إلى خارج العراق»، مؤكدا في الوقت نفسه «أننا نفتقر إلى مستشفى تخصصي للطوارئ وقد حصلنا على موافقة مجلس الوزراء على تخصيص أرض معسكر الرشيد (82 دونما) لغرض إقامة مراكز صحية متخصصة من بينها أكبر مركز طوارئ في الشرق الأوسط». وبشأن ما إذا كانت أعداد الجرحى صحيحة أم مبالغ فيها، يقول الساعدي إن «الأعداد مبالغ فيها لأسباب مختلفة من بينها أن البعض يأتي مع الجريح الحقيقي بينما هو لا يحمل سوى بقعة دم بسيطة وذلك لغرض تسجيل اسمه لدى الجهات المسؤولة عن التعويضات أو أسباب مختلفة وبالتالي فإن أي إحصائية لأعداد الجرحى لا يمكن أن تكون معتمدة إلا بعد مضي خمس ساعات على الحادث».