التطبيق الصارم لـ«خارطة المستقبل» يجبر متشددين مصريين على طي صفحة مرسي

رئيس الوزراء الأسبق قال لـ «الشرق الأوسط» إن استمرار العنف لن يأتي بنتيجة

TT

يجبر التطبيق الصارم لـ«خارطة المستقبل» بمصر متشددين إسلاميين في البلاد على طي صفحة الرئيس السابق محمد مرسي، والنظر إلى المستقبل، لكن توجد مخاوف من لجوء بعض الجماعات الصغيرة إلى العنف. وشدد الدكتور عبد العزيز حجازي رئيس وزراء مصر الأسبق لـ«الشرق الأوسط» على أن المصالحة «هي الأساس»، خصوصا أنها ستؤثر بالإيجاب على المسار الاقتصادي، لأن الاستمرار في العنف لن يأتي بنتيجة.

وتوجد ثلاثة تيارات رئيسة للإسلام السياسي في مصر، هي جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس السابق مرسي، وتيار السلفيين الذي تحالف مع «الإخوان» في جميع الاستحقاقات الانتخابية التي جرت بعد سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، والجماعة الإسلامية التي تحول بعض قادتها بعد الإطاحة بمرسي إلى ما يشبه الجناح العسكري لـ«الإخوان».

وزجت السلطات بقادة «الإخوان» في السجون منذ سقوط مرسي وفض اعتصامي أنصاره في ساحتي «رابعة العدوية» و«نهضة مصر». وفي الوقت الحالي، تحاول الجماعة الإسلامية القفز من سفينة «الإخوان»، بينما يسعى التيار السلفي للانخراط مع الحكام الجدد في خارطة المستقبل، لكن المشكلة لا تتعلق بمدى تجاوب الحكومة مع «التائبين» من هذه التيارات كما يصفهم البعض، وإنما تكمن في الرفض الشعبي لتيار الإسلام السياسي بشكل عام بعد فشل مرسي وجماعته في الحكم لمدة سنة.

وتقف الدبابات على رؤوس الشوارع في المدن الكبرى والاستراتيجية، وما زالت حالة الطوارئ سارية ومعها فرض حظر التجول في 17 محافظة، بينما تلاحق الأجهزة الأمنية قيادات التيار الإسلامي المتهمين بالتحريض على العنف وعلى قتال قوات الجيش والشرطة.

وأوضح مصدر حكومي لـ«الشرق الأوسط» أن التنفيذ الحرفي لخارطة المستقبل ومعها تفويض الشعب للجيش والشرطة لمكافحة الإرهاب، أسهم في تجفيف منابع التمويل المالي والخطاب التحريضي، وتبع ذلك ضعف الجموع والمسيرات التي كانت تهتف بعودة مرسي للحكم، لكنه لفت إلى «وجود مخاوف من أعمال عنف من مجموعات صغيرة تقوم بتفجيرات يائسة هنا أو هناك»، لافتا أيضا إلى «استمرار الضغوط الخارجية للدخول في حوار ومصالحة مع (الإخوان)».

ومن أحاديث غالبية المصريين على المقاهي وفي الحافلات، يبدو أن الجدل السياسي أنهك الكثيرين منذ 25 يناير (كانون الثاني) 2011 حتى القضاء على أسطورة تيار الإسلام السياسي الشهر الماضي. وأصبح على رأس أولويات الشباب الشأن الاقتصادي وقدرة الأموال العربية على خلق فرص عمل. ويقول خالد الشامي، الباحث المالي والاقتصادي بوزارة المالية بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: ليست الأولوية لموضوع المصالحة مع «الإخوان» أو غيرهم من الإسلام السياسي. الغالبية تبحث عن أمل في تحسن الاقتصاد، ويشعرون بالغضب بسبب تصدير «الإخوان» لغة تؤلب الغرب ضد مصر، خصوصا الولايات المتحدة الأميركية. وأضاف: «معدل البطالة يتزايد، وأعتقد هناك شخصيات محسوبة على (الإخوان) يمكن أن يلعبوا دورا في التهدئة والمصالحة الوطنية مثل سليم العوا وعبد المنعم أبو الفتوح».

وعما إذا كان بعض المتشددين من الإسلاميين سيجبرون، كما يتوقع البعض، «على طي صفحة مرسي» مع التطبيق الصارم من جانب السلطات لخارطة الطريق ومحاولة بسط الأمن والاستقرار في البلاد، قال الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في جماعة الجهاد بمصر، لـ«الشرق الأوسط» إن الإسلاميين - سواء من «الإخوان» أو الجماعة الإسلامية أو التيار السلفي - «سيجبرون على قبول أي شيء، خصوصا في حال استمرار الحكومة في حملات الاعتقال والملاحقات الأمنية وتقليص المظاهرات، لأن هذه التيارات نفسها قصير، والجماهير تخلت عنها».

وقالت مصادر الجماعة الإسلامية المتحالفة مع «الإخوان»، والتي كانت ترفع السلاح في وجه الدولة في تسعينات القرن الماضي، إنه يوجد خلافات داخلها بسبب التعاطي مع المرحلة الجديدة في البلاد، مع توجه بعض القيادات للتخلي عن الارتباط بجماعة الإخوان. لكن الشيخ نعيم قلل من صدق ما يجري تسريبه عن خلافات داخل الجماعة الإسلامية، وقال إن هذه «أكاذيب تروجها الجماعة للجميع من أجل القفز من سفينة (الإخوان) دون خسائر، هذا إن لم تكن قد قفزت من سفينتهم بالفعل».

وتابع نعيم قائلا إن «فرص مصالحة بعض تيارات الإسلام السياسي مع الحكومة ممكنة، لكن مع الشعب أصبح الأمر معقدا»، مشيرا إلى أن «فرص المصالحة بالنسبة لـ(الإخوان) أصبحت معدومة على المستوى الشعبي، بغض النظر عن التسريبات الحكومية حول هذا الموضوع»، أما عن المصالحة مع الجماعة الإسلامية، فقال نعيم إنه أمر شديد الصعوبة لأنها أصبحت جماعة منبوذة من كلا الطرفين؛ الشعب والحكومة. أما عن التيار السلفي، فقال الجهادي السابق: «فرصته أكبر من (الإخوان) وأكبر من الجماعة الإسلامية لأنه لم يتلوث بالدماء أو بالقتل أو بالحرق».

وتخوض الحركة السلفية، وفي القلب منها حزب النور، معركة داخلية بين قادتها بسبب انخراط الحزب في خارطة الطريق ولجنة تعديل الدستور الحالية. كما تقوم بعض القيادات السلفية الأخرى بالتشديد على أتباعها لنبذ العنف وفك الارتباط مع جماعة الإخوان، ما أدى إلى استقالات من الحركة، كان آخرها استقالة الشيخ علي غلاب الداعية السلفي الشهير بمحافظة مطروح شمال غرب القاهرة، بسبب تشدده في الوقوف إلى جانب «الإخوان».

ومع ذلك قال الشيخ نعيم إن تنازلات عدد من زعماء التيار الإسلامي، سواء كانوا سلفيين أو من الجماعة الإسلامية أو «الإخوان»، ربما لن تفيد في المصالحة «لأن الشعب حين خرج في ثورة 25 يونيو (حزيران) 2013 كان يهتف يسقط حكم المرشد ولا بد للحكومة أن ترضخ لإرادة الشعب» الذي يرفض استخدام الدين في العمل السياسي.

ومن جانبها تقول الحكومة إنها تمد يدها للجميع وأن خارطة المستقبل نفسها تتضمن المصالحة الوطنية، لكنها لا تشمل من استخدام العنف أو تسبب في إراقة الدماء.

وعن التيارات المدينة التي تتخوف من المصالحة وتقول إن «الإخوان» لا بد أن تصنف كجماعة إرهابية، قال رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور حجازي، إن «الأحداث تظهر موقف جماعة الإخوان في الواقع، دون تحليل أو تفسير.. العنف الدائر والهجمات؛ هذا يشبه حربا أهلية».

وبشأن الوضع الحالي وما يدور تجاه المصالحة أو السير في طريق أكثر تشددا تجاه التيارات الإسلامية، وعلى رأسها «الإخوان»، قال حجازي، إن المصالحة هي الأساس، لأن الاستمرار في العنف لن يأتي بنتيجة. وعما إذا كان يرى احتمال وقوع عمليات عنف مثلما حدث في تسعينات القرن الماضي، أوضح قائلا: «يمكن أن يحدث هذا، وكل شيء وارد».

وعما إذا كان يعتقد أن المصالحة ستشمل كل التيارات الإسلامية بما فيها الإخوان، قال: «إذا تعقل الطرف الآخر، فقد تكون هناك فائدة»، مشيرا إلى أن الوضع الاقتصادي من الصعب أن يعود إلى ما كان عليه في الماضي «ولكي يعود إلى ما كان عليه يحتاج إلى مجهود كبير، رغم أن الحالة الآن أفضل مقارنة بأسابيع مضت».