بقايا كنائس المنيا تلملم شتاتها

سكان: القصة ليست مسيحيين ومسلمين.. بل قصة أناس متشددين

مسيحيون يتفحصون الدمار الذي لحق بكنيسة الأنبا موسى في المنيا (أ.ف.ب)
TT

يتمشى المهندس باسم يوسف فوق حجارة بيضاء وسوداء تفترش أرض كنيسة الأنبا موسى في المنيا، متأملا بغضب ما تبقى من الكنيسة التي أحرقت مع نحو عشرين أخرى في المحافظة عقب فض اعتصامي الإسلاميين في القاهرة.

ويقول يوسف عضو لجنة الكنيسة لوكالة الصحافة الفرنسية: «بعد فض اعتصام رابعة.. هاجم نحو 500 شخص من التيارات الإسلامية المتشددة الكنيسة مساء، وأضرموا النار فيها».

ويضيف وهو يقلب بين يديه صورا قديمة للكنيسة التي تحولت إلى ما يشبه المنزل قيد الإنشاء «هكذا كانت، انظر إلى لوحة الموازييك الجميلة هذه.. كل شيء دمر الآن ونحتاج إلى خمس أو ست سنوات حتى نعيدها كما كانت. فعلا لم نكن نتوقع هجوما بهذا الحجم».

وشهدت محافظة المنيا عقب فض اعتصامي الإسلاميين في رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس (آب)، موجة هجمات ضد المسيحيين فيها، شملت إحراق وتدمير نحو 20 كنيسة و200 محل ومنزل، بحسب الأنبا بطرس فهيم مطران المنيا للأقباط الكاثوليك.

ويعيش في المنيا نحو خمسة ملايين نسمة بينهم ما لا يقل عن مليون مسيحي من الأرثوذكس والكاثوليك والإنجيليين، لتشكل هذه المحافظة مع محافظة أسيوط أكبر تجمعين للمسيحيين الذين يمثلون نحو 10 في المائة من مجموع سكان مصر.

وتغلب على وسط مدينة المنيا مركز المحافظة، الأحياء المختلطة التي تحمل المحلات فيها أسماء مسيحية وإسلامية، وتنتشر الكنائس والمساجد في غالبية هذه الأحياء، حتى يبدو وكأن لكل مسجد أو مسجدين كنيسة.

ورغم مرور أسبوعين على الهجمات، فإنه لا يزال التوتر يخيم على المنيا وسط غياب تام للشرطة من شوارع المدينة التي تتوزع على غالبية جدران ساحاتها الرئيسية تعليقات مناهضة لقوات الأمن.

وعلى بعد نحو كيلومترين من كنيسة الأنبا موسى التي باتت تستقبل المصلين في قبو ضيق، تتكفل أم سامح وحدها بحماية مدرسة الأقباط الإعدادية، التي تعرضت للإحراق أيضا.

وتقول وهي تشير إلى جهاز كومبيوتر محترق وأوراق مبعثرة على أرض غرفة متفحمة: «كانوا يجمعون بعضهم البعض ويقولون (حي على الجهاد).. عندما سمعناهم عرفنا أن شيئا ما سيحصل فطلب مني المدير أن أغادر. كنا مرعوبين جدا».

وتبدو من باب المدرسة قبة كنيسة الأمير تادرس الشطبي المقابلة لها، وقد اسودت جراء حرق الكنيسة التي بنيت قبل 97 سنة، وذلك على بعد أمتار من ملجأ مسيحي للأيتام تعرض للحرق والنهب أيضا.

وكتب على الجدار السفلي للمبنى الذي حافظت بعض أجزائه العلوية على لونها الأخضر: «رغم كل مافعلتموه، ربنا يسامحكم»، بينما كانت السيارات تعبر بصعوبة الشارع الذي يقع فيه المبنى والمدرسة والكنيسة جراء وجود سيارتين محترقتين فيه.

وفي مقر «جمعية الجزويت والفرير للتنمية»، التي تبعد أمتارا قليلة عن كنيسة الأنبا موسى، يعمل الأب بيمن مع آخرين على إزالة بعض آثار الهجوم الذي أحرق مكتبة ودار حضانة ومكاتب الجمعية الكاثوليكية، من دون أن يمس كنيسة سان مارك فيها وعمرها 125 سنة. ويقول بيمن بلكنة عربية ثقيلة وابتسامة صغيرة وهو يسير خلف باصين محترقين في ساحة صغيرة تتوزع في أرجائها ست دراجات نارية محترقة وبعض الكراسي الخاصة بأصحاب العاهات الجسدية المحترقة أيضا: «أشعر بغضب كبير».

ويتابع الأب وقد ارتدى قميصا أبيض كتب على جهته اليسرى من الأعلى: «اذهبوا وأضرموا العالم بنار المحبة» أنه يشعر «بالمحبة في الوقت ذاته تجاه هؤلاء الذين هاجمونا. فليسوا هم من قام فعلا بذلك، حيث إنهم تعرضوا لعملية غسل دماغ».

وفي الطابق العلوي من المبنى، تقول ماريا حنا (42 عاما) المسؤولة عن برامج التعليم في الجمعية وهي تشير إلى زينة خاصة بشهر رمضان أتى الحريق على نصفها: «القصة ليست قصة مسيحيين ومسلمين، بل قصة أناس متشددين».

وتتابع: «تظاهرنا هنا ضد (الرئيس الإسلامي المعزول محمد) مرسي وكانت هذه أول مرة يخرج فيها المسيحيون بمظاهرة بهذه الأعداد، ودفعنا بعدها ثمنا لم نكن نتوقعه».

وتوضح ماريا: «تظاهرنا لأننا كنا نشعر بأن البلد يسرق. كنا نتوقع أن يحكموا بالعدل، لكننا وجدناهم أناسا يسعون وراء السلطة»، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي.

وبينما يصعب التحدث إلى قادة إسلاميين في المنيا بسبب التوتر المخيم على المدينة، يقول محمد جمعة (42 سنة) الذي يعمل مسؤول صيانة في جمعية مسيحية: «الحادث مخطط له من قبل إسلاميين متشددين»، من دون أن يذكر جماعة الإخوان.

ويضيف: «نعمل اليوم على تحسين صورة الإسلام أمام المسيحيين بعد الهجوم، لأن ما حدث حرام ولا علاقة له بالدين. الذين هاجموا ليسوا سوى بلطجية». ورغم اتساع رقعة الهجمات التي طالت الكنائس والمحلات والمنازل، فإنها لم تدفع نحو رد فعل من قبل المسيحيين، في بلاد عادة ما تشهد مواجهات غير منظمة على خلفية طائفية.

ويقول الأنبا بطرس مطران المنيا للأقباط الكاثوليك لوكالة الصحافة الفرنسية: «تعرضنا لهذه الهجمات لأنه جرى إقناع المعتدين من المتعصبين بأن المسيحيين مع العلمانيين يريدون إنهاء الإسلام السياسي».

ويتابع: «أقول للمهاجمين من الإسلاميين المتشددين إن عنفكم ورغبتكم في كسر المسيحية والمسيحيين لا يخيفنا، وسنظل قائمين. نحن في منتهى القوة، وإن كان المسيحيون لم يردوا، فلا يعني ذلك أنهم خائفون أو مرعوبون، لكنهم حكماء».