قيادات طرابلس ترفض «الأمن الذاتي» وتناشد الدولة اللبنانية القيام بمسؤولياتها

مقاتلو المحاور يتأهبون.. ووتيرة التسلح بين التبانة - جبل محسن ترتفع

TT

لم يعد الوجع الدامي مقتصرا على منطقتي التبانة وجبل محسن في طرابلس، بل انتقل إلى المدينة بأسرها وباتت تئن اليوم من جراء الجريمة التي أدمت قلبها ونشرت الدمار حتى في مرافقها الحيوية. مشهد الخراب والدمار الذي لحق بجوار مسجدي التقوى والسلام وحالة الهلع التي خلفها الانفجاران دفعا بعض قيادي المدينة الحزبيين إلى التهديد باللجوء إلى اعتماد الأمن الذاتي، في حال تقاعست الدولة عن أداء مهامها.

وتعتبر منطقتا باب التبانة، ذات الغالبية السنية، وجبل محسن ذات الغالبية العلوية، من أكثر المناطق توترا في مدينة طرابلس، تارة على إيقاع الأوضاع الإقليمية وطورا على إيقاع الأوضاع الداخلية. والمنطقتان اللتان تعيشان صراعا تقليديا منذ عقود تشهدان استنفارا أمنيا وانتشارا لرجال ومقاتلين متأهبين لأي هجوم أو رصاص مفاجئ.

يجلس أبو خليل، وهو قائد محور في باب التبانة في بداية الشارع يدقق بالسيارات والوجوه الداخلة إلى شارع بيته، خشية من اكتشاف تفخيخها بعد فوات الأوان. يقول إن «المتاريس جاهزة وشراء الأسلحة يتصاعد، خصوصا مع تدهور الأوضاع الأمنية». تمر بقربه امرأة مسنة، مقيمة في الشارع ذاته، وتدعو الله لحمايته «هو الذي يدافع عن بيوتنا وأعراضنا»، على حد تعبيرها، مشيرة إلى أن «لا دولة ولا ساسة ولا حتى أمن يمكن الاعتماد عليه». وتضيف: «اعتدنا الحرمان المعيشي والذل، ويبدو أنه حتى الموتة الكريمة ممنوعة علينا، ولا يسعنا إلا القول: ليجازِ الله من كان السبب».

لكن مظاهر الأمن الذاتي التي تشهدها المدينة بين الحين والآخر، لا سيما في منطقة النزاع التقليدي: جبل محسن وباب التبانة، ومن ثم الغضب الشعبي إثر تفجيرين استهدفا مسجدين في المدينة الأسبوع الفائت، والتهديد بالتوجه إلى الأمن الذاتي، على غرار ما تشهده الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، خصوصا بعد انفجار الرويس، منتصف الشهر الحالي، يدفع قياديي المدينة، تحديدا المراجع الإسلامية والحزبية ذات الحيثية الشعبية، إلى تأكيد رفضهم بروز أي مظاهر مماثلة، في وقت يلتقي فيه وزراء المدينة ونوابها على العمل لتجنيب طرابلس أي ردود فعل سلبية خطيرة قد تودي بالمدينة إلى قعر الهاوية.

وكان مؤسس التيار السلفي في لبنان داعي الإسلام الشهال قد أعلن إثر انفجاري طرابلس أن التيار السلفي «اتخذ قرارا باللجوء إلى الأمن الذاتي»، ما أثار موجة من ردود الفعل المنتقدة. ويقول الشهال لـ«الشرق الأوسط» إن ما أعلنه «ناتج عن الفراغ الأمني والإهمال والتقصير»، وأراد استخدامه كـ«ورقة ضغط على الدولة لتحمل مسؤولياتها كاملة في حمايتنا». وأكد: «إننا نرفض تشكيل الكنتونات والدويلات، وفي المقابل نرفض أن تمارس قوى سياسية كحزب الله دور الدولة علينا»، متسائلا: «هل من المقبول أن يكون ظهرنا مكشوفا للميليشيات ونقتل بالمجان؟».

وفي موازاة اعتبار الشهال أن «الدعوة إلى الأمن الذاتي أمر جدي ولكنني علقت هذا الأمر للتفاهم مع الفعاليات والأحزاب الطرابلسية»، مهددا بـ«اننا سنعطي الضوء الأخضر للمباشرة بإجراءات ميدانية في حال لم تبادر الدولة إلى حمايتنا»، يبدي الشيخ سالم الرافعي، أحد أبرز القيادات السلفية وإمام مسجد التقوى الذي استهدف الأسبوع الفائت، رفضه لأي مظهر من مظاهر الأمن الذاتي. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا نؤيد الدعوات إلى اللجوء للأمن الذاتي بالمطلق، فهناك دولة هي المسؤولة عن أمن طرابلس، لكن ذلك لا يمنع من اتخاذ تدابير احتياطية ووقائية بالتعاون مع القوى الأمنية، على غرار التأكد من هوية كل غريب نشك بأنه قد يهدد أمن منطقتنا وحيّنا».

ويعتبر الرافعي أن «الضاحية الجنوبية لبيروت هي خير دليل على الفلتان الأمني والذاتي، الذي تنتهجه منذ سنوات»، معتبرا أنه «لو امتثلنا بها لكنا اليوم يقتل بعضنا بعضا مسلمين ومسيحيين». وتتشابه الصورة في منطقة جبل محسن مع جارتها في باب التبانة. حالات استنفار وقلق تحيط بكل زاوية من زوايا الجبل، الذي يعتمد على «الأمن الذاتي» منذ سنوات. محمد اللبناني العلوي ليس بقائد محور ولا بمقاتل كما يصفه كل من شاهده يحمل السلاح ويصوب خلال الاشتباكات الأخيرة على باب التبانة. يصف نفسه ببساطة ويأس عميق قائلا: «أنا أدافع عن مستقبل عائلتي وأعراضنا فقط».

الوضع الأمني في الجبل، وفق محمد، على «نار حامية». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أمننا ذاتي (منا وفينا) منذ سنوات، وما يحدث بين الجبل وباب التبانة هو خير دليل، لِم نختبئ وراء أصابعنا؟»، مشيرا إلى أن «السياسيين يتفقون على حماية مصالحهم وأموالهم ونحن نختلف على 100 ألف ليرة و50 ألف ليرة نريد أن نشتري بها الخرطوش للكلاشنيكوف». وكان الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن رفعت عيد قد استنكر التفجير الذي طال مسجدي طرابلس، وقال إن مفتعل التفجيرين هدفه تفجير الوضع بين جبل محسن وباب التبانة. ويؤكد عيد لـ«الشرق الأوسط» القرار بالتهدئة، قائلا: «وقع 4 جرحى من العلويين تم التعرض لهم في أسواق طرابلس وأصيب شخص يدعى إبراهيم عبد الله بطلقتين في رجليه، ورغم كل هذه الاعتداءات اتخذنا قرارا بعدم الرد ريثما تهدأ الأمور». ويشير عيد إلى أنه «في حال بقيت الدولة متقاعسة عن أداء دورها وحمايتنا سنقوم بالدفاع عن أنفسنا ولكن لن نعلن الأمن الذاتي لجبل محسن ولا أحد من الأحزاب يستطيع ذلك، كل ما يمكننا فعله هو حماية حاراتنا من دخول الغرباء إليها والتدقيق في السيارات وإبلاغ القوى الأمنية في حال الاشتباه بأي جسم غريب». ولا يتردد في اتهام «من يقف وراء قتل العراقيين في العراق والمصريين في مصر بالوقوف خلف التفجيرات الإرهابية والجماعات التي تريد إشعال فتنة في المنطقة»، معتبرا أن «الموضوع أكبر منا كلنا، ولا بد داخليا من تشكيل حكومة وطنية تفعل دور الجيش اللبناني»، واعدا الطرابلسيين «بعدم الانجرار إلى حرب داخلية في طرابلس».