ساحة «رابعة العدوية» بالقاهرة تتجمل تحت مظلة خارطة المستقبل السياسية

ترميم المسجد وإعادة تشجير الشوارع بعد أسبوعين من فض اعتصام الإخوان

جانب من آثار الدمار في منطقة رابعة العدوية وفي الخلفية تبدو حركة السير في الشوارع تعود تدريجيا لطبيعتها («الشرق الأوسط»)
TT

بعد نحو أسبوعين من فض اعتصام جماعة الإخوان المسلمين، تجري على قدم وساق أعمال التجميل لساحة «رابعة العدوية» في شرق العاصمة المصرية القاهرة، تحت مظلة خارطة المستقبل السياسية التي جرى بموجبها الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، المنتمي للجماعة. وبدأ كبار المسؤولين المصريين في زيارة العمال الذين ينفذون ترميم الموقع الذي يشمل إعادة تأهيل المسجد الرئيس هناك وإعادة التشجير على جانبي الشوارع.

وعاش سكان مدينة نصر، وهي الضاحية التي شهدت ساحة اعتصام الإخوان، أسابيع من الرعب بعد أن أمضى أنصار الجماعة نحو أربعين يوما من احتلال الساحة التي تطل على مسجد رابعة العدوية وعلى عدة شوارع رئيسة أهمها شارع الطيران وطريق النصر. وما زالت آثار الخراب والدمار والأشجار المحترقة والأسوار المهدمة موجودة في المكان، بعد أن اضطرت قوات الأمن لفض الاعتصام بالقوة منتصف هذا الشهر. ووقعت معركة بالأسلحة الرشاشة بين السلطات ومسلحين يعتقد أنهم تابعون للجماعة.

كانت ساحة رابعة العدوية من أجمل الساحات في القاهرة، إلى أن قرر أنصار الرئيس السابق الاعتصام هناك مطالبين بعودته إلى الحكم، ورافضين الاعتراف بالحكام الجدد، ورافضين أيضا الاعتراف بملايين المصريين الذين خرجوا على مدار أيام من الشهرين الماضيين للمطالبة بعزل مرسي وطرد جماعة الإخوان من السلطة. ونصب الإخوان أمام مسجد رابعة العدوية منصة للخطابة والتحريض ضد الحكام الجدد والجيش والشرطة، وأعلن بعضهم الحرب من هناك على الدولة، بعد أن أحاطوا مقر الاعتصام الذي كان يتردد عليه نحو ثلاثين ألفا من أنصار الإسلاميين، بالحواجز والأسوار، مما أدى إلى شلل المنطقة بالكامل.

وما زالت الكتابات التحريضية وآثار الحرائق موجودة على جدران المباني. ولا يوجد داخل ساحة رابعة العدوية في الوقت الحالي سوى حركات المعاول الضخمة وهدير محركات الأوناش التي تتولى عملية الترميم في أسبوعها الثاني. وعلى مداخل الساحة انتشرت عناصر القوات المسلحة التي تقوم بتأمين المداخل لمنع أي محاولة لإعادة احتلاله من جديد من قبل أنصار الجماعة الذين بدأوا تجمعاتهم واعتصامهم هناك من يوم 28 يونيو (حزيران) الماضي حتى يوم فض الاعتصام في 14 من الشهر الحالي.

وباستثناء عمليات الترميم وما تتطلبه من معدات ضخمة وعمال، تخلو ساحة رابعة العدوية من أي مظاهر للحياة انتظارا للإعلان الرسمي عن انتهاء الترميمات وإعادة الموقع إلى ما كان عليه قبل الاعتصامات. وبينما الساحة التي تطل على شارعي الطيران والنصر، خالية من السيارات والمارة، يترقب سكان المنطقة أعمال الإنشاءات من الشرفات بعد أن كان محرما عليهم فتح نوافذ بيوتهم المطلة على الموقع أثناء أسابيع الاعتصام.

وبالأمس كان العميد طارق محمد حسن، من الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، يقف إلى جانب إحدى مدرعات الجيش المنتشرة بالميدان، مرتديا بدلته العسكرية الأنيقة، بينما كان وزير الإسكان والمرافق المصري إبراهيم محلب، يستعد لزيارة المكان لمتابعة عملية تجميل ساحة رابعة العدوية بالتزامن مع تنفيذ الحكومة والرئاسة في البلاد لبنود خارطة المستقبل التي أعلن عنها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، مع كبار قادة المؤسسات الدينية والقادة السياسيين، يوم الثالث من الشهر الماضي، والتي تتضمن تعديل الدستور والاستعداد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

وقال العميد حسن إن الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة تلقت أوامر من الفريق أول السيسي بترميم وتجميل مسجد رابعة العدوية بالكامل، بما في ذلك المنشآت التي تشمل دار مناسبات اجتماعية ومستشفى إلى جانب الشوارع المحيطة بالساحة التي تضررت من النيران.

وتقوم القوات المسلحة بالاشتراك مع عدة شركات منها «المقاولون العرب» و«اسما مصر» و«المصرية العامة للمباني» بتمويل عملية الترميم وإعادة بناء الإنشاءات بالكامل، وتقدر الكلفة بنحو 85 مليون جنيه مصري، حيث بدأت عملية الترميم بالفعل منذ ثمانية أيام ومن المقرر لها أن تستمر لمدة شهر، يكون بعدها - كما أوضح العميد حسن - قد جرى ترميم المسجد والمباني المحيطة بالكامل.

كما يشارك نحو 4000 متطوع من الشباب في عملية تجميل رابعة، بالتنسيق مع كل من وزارتي الشباب والبيئة ومحافظة القاهرة. وأكدت الدكتورة ليلى اسكندر، وزيرة الدولة لشؤون البيئة، أن الوزارة تشارك أيضا لإعادة منطقة رابعة العدوية وطريق النصر إلى طبيعتها، مشيرة إلى أن وزارة البيئة تشارك بزراعة 40 ألف شجرة و50 نخلة و15 ألف متر نجيلة سابقة التجهيز لإعادة المنطقة إلى مظهرها الطبيعي.

وتجري أعمال صيانة وإصلاح المباني المجاورة خاصة المدارس العامة والخاصة والتي حطم أنصار الإخوان أبوابها ومكاتبها للإقامة فيها هم وأسرهم بشكل كامل لأسابيع. لكن شهرة المكان مستمدة من اسم مسجد رابعة العدوية الذي يرجع تاريخ بنائه إلى عام 1969 بأوامر من وزارة الأوقاف آنذاك. وتبلغ مساحة الساحة المحيطة بالمسجد نحو 6735 مترا مربعا، وطالت أعمال تخريب المعتصمين العديد من المباني والشوارع المحيطة بالمسجد خاصة شارع أنور المفتي من الخلف وطريق النصر من الأمام وعباس العقاد من اليمين وشارع الطيران من اليسار.

وتتهم السلطات جماعة الإخوان التي كان عدد من أنصارها يتحصنون داخل المسجد أثناء عملية فض الاعتصام. ويقول أحد حراس المسجد ويدعى حسين، إن اعتصام الإخوان تسبب في حرق الجامع من الداخل وحرق العديد من الكتب القيمة التي تقتنيها مكتبة المسجد، ومنها نسخ من القرآن مكتوبة بخط اليد بالرسم العثماني وأمهات الكتب الإسلامية والتاريخية التي كانت السعودية قد أهدتها لمصر قبل عقود، ومنها أيضا كتاب تفسير الإمام البخاري ومخطوطات أخرى.

وتعد منطقة رابعة العدوية من المناطق التي تضم الطبقات الاجتماعية المتوسطة نسبيا، وعانى سكانها الكثير أثناء فترة اعتصام الإخوان بالمنطقة. ويقول عيسى أحمد (37 عاما)، وهو محاسب من السكان المجاورين لمسجد رابعة العدوية: «قام المعتصمون بتشكيل لجان أمنية تقوم بتفتيشنا عند الذهاب للعمل أو العودة للبيت».

ولدى باقي السكان وتجار المنطقة ذكريات مريرة عن فترة الاعتصام تدور كلها عن تحجيم المعتصمين لحرية التنقل وتسببهم في توقف حركة البيع والشراء. ويقول السيد جمال (54 عاما)، من سكان المنطقة: «كانت خيام المعتصمين منصوبة في الشوارع وأنا ممنوع من مغادرة منزلي، كأنني رهينة». ويضيف محمد عاطف (34 عاما) من سكان رابعة ومالك لإحدى الصيدليات هناك: «هذه غمة وأزاحها الله عنا بفضل قواتنا المسلحة وجهاز الشرطة.. ومهما وصفت لن أستطيع وصف كم المعاناة التي عانينا منها طيلة فترة اعتصام الإخوان هنا».

ويوضح عاطف قائلا: «خلال اعتصام الإخوان في رابعة تم تهجير الأهالي من بيوتهم، وتوقفت حركة البيع والشراء في المنطقة بالكامل، والإخوان يفتشون كل من يخرج من بيته وإذا اشتبهوا في أحد السكان كان الموت أرحم له من عمليات التعذيب التي كانت تتم لأي مشتبه به».

ومنذ بث ونشر مقاطع الفيديو والقصص المرعبة عن اعتصام الإخوان في رابعة العدوية، لم تقدم أي جهة تحقيق محايدة في البلاد ما يفيد صحة وجود مخازن أسلحة ومقابر جماعية في مقر الاعتصام. لكن ترديد مثل هذه الاتهامات بحق الجماعة التي جرى توقيف أكثر من 40 من كبار قادتها، أسهم في تكوين صورة إرهابية عن الجماعة التي تأسست كجماعة دعوية عام 1928، وتتجه للعمل السياسي بشكل واضح منذ أربعينات القرن الماضي، حتى الآن، وتخلل كل تلك العقود صدامات وعمليات اغتيال بسبب صدامها مع النظم الحاكمة في البلاد.

ويقول عاطف، بينما تبث قناة التلفزيون الحكومي مشاهد عما تسميه «إرهاب الإخوان»، إن «جرائم الإخوان لم تقتصر على حرق مسجد رابعة العدوية فحسب بل امتدت لتشمل حرق منشآت عامة وخاصة انتقاما من عملية فض الاعتصام منها أقسام شرطة ومستشفيات وكنائس ومدارس دون تمييز، إضافة إلى قتل الأبرياء في الشوارع وانتهاك السيادة المصرية بقتل الجنود على الحدود في سيناء، حتى أصبحت الدولة تواجه تنظيما إرهابيا يهدد السلم والأمن القومي».

ويضيف حسن شعبان (37 سنة) وهو مدرس تاريخ من سكان منطقة رابعة العدوية قائلا إن «ما حدث من تخريب هنا لا يستغرب من جماعة الإخوان التي تريد بذل كل غال ونفيس في سبيل تحقيق مصلحتها». لكن جماعة الإخوان تنفي كل التهم الموجهة إليها قائلة إن اعتصامها كان سلميا، وإنها لم تعتد على المنشآت.

وفي أول ظهور له في تسجيل مصور جرى بثه على قناة «الجزيرة مباشر مصر» منذ فض الاعتصام، نفى الدكتور محمد البلتاجي الاتهامات الموجهة لجماعته، قائلا إن الاعتصام لم تكن فيه أسلحة، وإن الجماعة ليست إرهابية كما يروج البعض، لكن عددا من أهالي رابعة العدوية يقولون إن التسجيل لم يقدم تفسيرا مقنعا لوجود مسلحين كانوا يهاجمون قوات الشرطة والجيش أثناء فض الاعتصام، وسبب احتفاظ الجماعة بعدد من الجثث في مقر الاعتصام دون إرسالها إلى المشرحة لدفنها في حينه، وسبب حرق مسجد رابعة، وغيرها من الألغاز.

ومن جانبه يقول مسؤول عسكري ممن يشرفون على أعمال الترميم في موقع رابعة العدوية إن القوات المسلحة، وعن طريق متخصصين، ستحاول ترميم المخطوطات التي نجت من النيران وستقوم بتغليفها من جديد نظرا للقيمة التاريخية والأدبية والفقهية لهذه الكتب.

ولم يتعرض مسجد رابعة العدوية للحرائق فقط، بل امتدت أيدي التخريب إلى الزخارف الكتابية الموجودة على الجدران والأعمدة والأسقف. وقال اللواء هشام أبو سنة، رئيس جهاز تعمير القاهرة الكبرى والمشرف العام على عمليات الترميم إن عمليات الإصلاح تتضمن إعادة الزخارف الإسلامية والنقوش اليدوية والرسوم الزيتية على نفس الطراز المعماري الإسلامي القديم الذي كانت عليه، مشيرا إلى أن كلفة هذه العملية ستكون عالية جدا على (ميزانية) القوات المسلحة، ليتم ترميم كل شيء من جديد وإعادته للحالة التي كان عليها.

ويضيف اللواء أبو سنة أن أعمال الإصلاح والترميم ستمتد أيضا إلى مصلى السيدات ودار الاجتماعيات بعد أن تعرضت كلها للحرق بالكامل، قائلا إنهم (أي المعتصمين الذين كانوا هنا)، لم يبقوا على شيء، وحرقوا مئذنة المسجد بالكامل، مضيفا أنه لم يطلع على تحقيقات النيابة ليقف على أسباب كل هذا الدمار؛ ولكنه رجح أن تكون ناتجة عن «حرائق أشعلها الإخوان عقب وأثناء فض الاعتصام».