ثرية فلبينية «فاسدة» تلجأ إلى قصر الرئاسة احتماء من المتظاهرين

ملاحقتها بشبهة التلاعب بأموال الفقراء وصور بذخ ابنتها دفعا الآلاف إلى الاحتجاج ضدها في الشوارع

ليم نابوليس تمر عبر إجراءات التفتيش في القصر الرئاسي بعدما قررت تسليم نفسها مباشرة إلى الرئيس أكينو أول من أمس (أ.ب)
TT

سلمت سيدة أعمال ثرية وملاحقة بتهم فساد في الفلبين، نفسها، الليلة قبل الماضية إلى الرئيس بنينو أكينو، مما أنهى حملة بحث وطني عنها شملت المطارات ونوادي اليخوت. ومباشرة بعد تسليم جانيت ليم نابوليس، نفسها، جرى اعتقالها بناء على مذكرة توقيف صدرت بحقها بتهمة التورط في «احتجاز غير قانوني» لشاهد ادعى أنها ساعدت في تحويل أموال مخصصة لبرامج مكافحة الفقر، قيمتها 141 مليون دولار، إلى خزائن سياسيين ومساعديهم. وقال مسؤولون قضائيون إنهم يعدون لتوجيه تهم أخرى ضد ليم نابوليس تتعلق بالفضيحة.

وسلمت ليم نابوليس نفسها إلى القصر الرئاسي بعدما تظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص في شوارع مانيلا لمدة أربع ساعات يوم الاثنين، متأثرين بأخبار الفضيحة وبصور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تبرز بذخ ابنتها وهي تستمتع بعطلات فخمة في أوروبا والولايات المتحدة.

التقت ليم نابوليس في البداية مع المتحدث باسم الرئاسة ادوين لاسيردا، في مقبرة مانيلا، وطلبت منه السماح لها بتسليم نفسها مباشرة إلى الرئيس. وقال المتحدث لاسيردا إن المرأة المعنية اقتيدت إلى الرئيس أكينو، الذي أكد لها ضمان سلامتها وأبلغها أنها ستحصل على كافة الإجراءات القانونية التي تخولها الدفاع عن نفسها. وأمس، نفى المتحدث اسيردا تلقي ليم نابوليس أي معاملة خاصة إثر السماح لها بتسيلم نفسها مباشرة إلى الرئيس. وأشار إلى حالات فارين بارزين آخرين كانوا سلموا أنفسهم إلى رؤساء البلاد. وقال لاسيردا في مؤتمر صحافي بعد ظهر أمس: «اسمحوا لي أن أقول إن الرئيس رجل محترم. إن من ثقافتنا أنه في حال استنجد شخص هارب بأعلى مسؤول، فإن الرئيس يتشرف باستقباله وضمان سلامته».

وشملت الفضيحة التي دفعت المتظاهرين إلى النزول إلى الشوارع يوم الاثنين اتهامات جهاز المحاسبة المالية الحكومي لأعضاء في البرلمان بالتعاون مع مساعديهم لتحويل تمويلات عامة إضافية إلى مشاريع مثيرة للريبة وشركات وهمية مقابل الحصول على رشاوى.

وأصدر «المكتب الوطني للتحقيق» أمر اعتقال بحق، ليم نابوليس، بشبهة بتورطها في تسهيل بعض المعاملات الفاسدة مع أعضاء في البرلمان. وتم إلغاء جواز سفرها، وتحولت إلى مادة للنقاش على الصعيد الوطني. وقد نفت ليم نابوليس هذه الاتهامات في مقابلات أجرتها مع وسائل الإعلام قبل صدور مذكرة القبض عليها، لكن الغضب الشعبي تصاعد إثر نشر صور تظهر البذخ الذي تعيشه ابنتها، جين ليم نابوليس، فقد أمطرت الشابة البالغة من العمر 23 عاما، خريجة مدرسة الموضة، صفحاتها على «فيس بوك» و«تويتر» ووسائل الإعلام الاجتماعية الأخرى بصور وأشرطة فيديو لإجازتها في لندن ولوس أنجليس وباريس. ونُشِرت صور أخرى لمجموعة أحذيتها الفاخرة وأخرى وهي جالسة على سيارة بورش، كما عرض شريط فيديو لحفل عيد ميلادها الحادي والعشرين، أقامته في فندق في بيفرلي هيلز، بكاليفورنيا، مع صفوف من زجاجات الخمور وموائد السوشي المكلفة. وعرضت أيضا صورها مع جاستين بيبر وجاستين تيمبرليك في حفل توزيع جوائز «إم تي في» للأفلام.

لم تكن تلك قضايا الفساد الوحيدة الأبرز خلال العام الجاري فقد شهدت الفلبين قضايا تورطت فيها مجموعة متنوعة من الوكالات الحكومية. ففي مارس (آذار) الماضي غادر سونجون بارك، وهو هارب مختف في الفلبين ومطلوب في بلده الأم كوريا الجنوبية لصلته بوقائع فساد في مجال الاستثمار، الفلبين عبر مطار مانيلا. وبدلا من القبض عليه، ساعده مسؤولو الحكومة الفلبينية في تجنب الكشف عنه في الوقت الذي استخدم فيه ضباط الهجرة هواتفهم الجوالة وأداروا وجوههم في الاتجاه الآخر. لكن كاميرات الفيديو في المطار التقطت هذا المشهد وجرى بثه في جميع المحطات في الفلبين.

وفي 23 يوليو (تموز)، أعلن رئيس الشرطة الوطنية الفلبينية عن اعتقال 14 ضابطا لعلاقتهم بمصرع اثنين من أبرز المشتبه بهم جنائيا كانا في حراستهم في 15 يوليو. وأثيرت تكهنات بأن الرجلين قتلا لأنهما كانا في طريقهما للكشف عن أسماء ضباط الشرطة الفاسدين.

وعلى الرغم من وجود أولئك الضباط رهن الاحتجاز، وضع الكثير من المحققين في قضية منفصلة قيد التحقيق من قبل وزارة العدل بعدما قال شهود إنهم سرقوا مبالغ مالية ومخدرات من أحد زعماء الجريمة لدى اعتقاله.

وعلى الرغم من تلك الفضائح، تلقت حكومة أكينو الثناء من البنك الدولي ووكالات التصنيف المالي وغيرها لما يبذله من جهود لمكافحة الفساد في البلاد. كان أكينو قد دشن حملة لمكافحة الفساد تسعى لمراقبة استخدام المال العام عن كثب، وإجراء تحقيقات فاعلة ومقاضاة المسؤولين الفاسدين.

وفي عام 2011، وجهت اتهامات بالفساد إلى الرئيسة التي سبقته، غلوريا أرويو. كما شهد العام نفسه عزل كبير القضاة في المحكمة العليا، الذي كانت عينته غلوريا، وسط اتهامات له بامتلاك ثروة غير معلنة. وقد عززت هذه الاتهامات الموجهة للمشاريع الحكومية الفاسدة التقرير الشامل الذي أصدره مكتب المحاسبة التابع لإدارة أكينو.

كما أشار أحدث تقرير لمنظمة «الشفافية الدولية» لمكافحة الفساد، صدر في يوليو الماضي، إلى أن 38 في المائة من الفلبينيين يرون أن الفساد انخفض بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين. ويعد هذا تحسنا إذا أخذنا في الاعتبار أن النسبة كانت 6 في المائة فقط في عامي 2010 و2011. ومن بين 107 دول شملها المسح، كانت الفلبين واحدة من 11 دولة تحدث فيها المشاركون عن تحسن الوضع. وقال التقرير أيضا إنه على الرغم من تحقيق إدارة أكينو بعض النجاحات البارزة، فإن الرئيس لم يتمكن من إحداث تغييرات فاعلة في المؤسسات الحكومية.

وقال فنسنت لازاتين، المدير التنفيذي لـ«شبكة الشفافية والمساءلة»، وهي مجموعة تعنى بمكافحة الفساد، إن الإدانات بحق المسؤولين لم تستطع القضاء على تفشي الرشوة والابتزاز داخل المؤسسات في الحكومة الفلبينية، بما في ذلك مكتب الجمارك، ومكتب الإيرادات الداخلية والشرطة. وأضاف «لم يكن هناك تأثير واضح على الفساد اليومي، فالشرطي الفاسد الموجود في الشارع، ومسؤول الجمارك الفاسد.. لم يتغيرا».

وقال لازاتين إن أكينو يواجه معركة شاقة في محاولته لإصلاح المؤسسات الحكومية التي احتفظت بالممارسات الفاسدة من خلال عقود من الرئاسات المختلفة. وأضاف: «الفساد في هذه المؤسسات الحكومية ضارب بجذوره، ومن دون تطهير هذه المؤسسات، هناك القليل الذي يمكن تحقيقه».

* خدمة «نيويورك تايمز»