العاهل المغربي يدعو سفراء بلاده إلى التصدي لخصوم وحدتها الترابية ومنح الأولوية للدبلوماسية الاقتصادية

العثماني لـ «الشرق الأوسط»: نحمل دمشق مسؤولية ما سيترتب على استخدام «الكيماوي» وننسق مع دول الخليج والجامعة العربية

الملك محمد السادس
TT

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس سفراء بلاده في العالم إلى التصدي بحزم إلى مناورات «خصوم وحدته الترابية»، واستثمار التطورات الإيجابية التي شهدتها قضية الصحراء، بعد مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب حلا للنزاع. كما دعا السفراء إلى إعطاء الأولوية لـ«الدبلوماسية الاقتصادية»، من أجل جلب الاستثمارات، مشددا على أهمية تعريف الدبلوماسيين المغاربة بالنموذج المغربي في الإصلاح. إلى جانب دورهم في تعزيز الشراكة مع دول اتحاد المغرب العربي ومجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي.

جاء ذلك في رسالة موجهة إلى اجتماع للسفراء المغاربة نظم أمس بمقر وزارة الخارجية المغربية بالرباط.

وفي هذا السياق، قال سعد الدين العثماني وزير الخارجية المغربي، الذي ترأس الاجتماع، إنها المرة الأولى التي يعقد فيها اجتماع للسفراء المغاربة في العالم. وأضاف في تصريحات صحافية عقب تلاوته لرسالة العاهل المغربي، إن اجتماع السفراء «عادي، وليس رد فعل على أي شيء». في إشارة إلى الانتقادات التي توجه إلى الدبلوماسية المغربية. وأضاف أنه في الدول الديمقراطية يجتمع السفراء سنويا أو كل سنتين لتبادل وجهات النظر، وتلقي توجيهات رؤساء الدول لتطوير عملهم، مشيرا إلى أن الملك محمد السادس سطر في رسالته أولويات الدبلوماسية المغربية، ومنهجية عمل السفراء في المستقبل.

وأضاف أنه سيجري التركيز خلال الاجتماع على كيفية التعريف بالنموذج المغربي على المستويين السياسي والاقتصادي.

إلى جانب ذلك، قال العثماني إن السفراء سيعقدون لقاءات مع مسؤولين مغاربة في مختلف الإدارات الحكومية، حتى يكون هناك تنسيق بين مختلف المتدخلين في الدبلوماسية المغربية، مشيرا إلى أن الدبلوماسية المغربية حققت نتائج ملموسة في السنوات الماضية، من بينها الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة، والشراكة مع دول الخليج.

وفي موضوع منفصل، وردا على سؤال «الشرق الأوسط» حول موقف بلاده من الاستعدادات الجارية لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، قال العثماني: «نحن عبرنا بوضوح في بيان أصدرته الوزارة عن أن المغرب يندد بالمجازر التي ارتكبت في سوريا»، مشيرا إلى أن المغرب يحمّل النظام السوري مسؤولية المجازر الأخيرة التي شهدتها الغوطة، والتي استعملت فيها الأسلحة الكيماوية، وسقط فيها مئات القتلى وآلاف من المصابين. وأضاف: «نحمل النظام السوري أيضا المسؤولية عما يمكن أن يترتب عما قام به»، وقال: «عمليا، نحن ننسق مع الأشقاء العرب وبالأخص مع (الإخوان) في دول الخليج، وأعضاء الجامعة العربية الآخرين، وسنشارك في جميع القرارات التي ستصدرها الجامعة العربية، التي ما زالت تدرس هذا الموضوع».

وعودة إلى رسالة الملك محمد السادس الموجهة إلى السفراء المغاربة في العالم، قال العاهل المغربي إن عمل الدبلوماسية المغربية يستند إلى المحددات التي يكرسها دستور المملكة، وإلى توجيهاته، التي ما فتئ يقدمها إلى الحكومات المتعاقبة لتأطير عملها.

ويتعلق الأمر في المقام الأول، يضيف الملك: «بالتعبئة المستمرة من أجل الدفاع عن وحدة المغرب الترابية شمالا وجنوبا، والاستثمار الأمثل للتطورات الإيجابية التي شهدتها قضية الصحراء المغربية، خاصة بعد أخذ بلادنا لزمام المبادرة، وتعاطيها بشكل أكثر فعالية مع هذه القضية المصيرية، بفضل مبادرتنا المقدامة لمنح حكم ذاتي لأقاليمنا الجنوبية، وهي المبادرة التي حظيت بدعم دولي متواصل ومتنامٍ».

وفي السياق ذاته، قال الملك إن المغرب «استطاع، في السنين الأخيرة، بحكم عدالة قضيته ووجاهة موقفه، كشف زيف الأطروحة الانفصالية، حيث توالى سحب الاعتراف بالجمهورية المزعومة من قبل كثير من الدول»، في إشارة إلى الجمهورية الصحراوية التي أعلنت عنها جبهة البوليساريو من جانب واحد عام 1976 بدعم من الجزائر.

وأضاف الملك محمد السادس أنه «إذ نشدد على أهمية الاستمرار في النهج نفسه، فإنه يتعين التصدي، بكل حزم، للمناورات والمحاولات اليائسة، القائمة على الافتراء والتضليل، التي ما فتئ يشنها خصوم وحدتنا الوطنية والترابية، حيث يجب على السفراء خوض هاته المعركة، في كل وقت وحين، بيقظة خاصة، وعمل مستمر، على جميع الأصعدة، لدى المسؤولين في بلدان اعتمادهم».

ودعا الملك محمد السادس الدبلوماسية المغربية إلى تقوية العمل من أجل الترويج للنموذج المغربي القوي والغني بفضل الإصلاحات العميقة التي أقدم عليها، وكذا الأوراش التنموية الكبرى التي يقودها في جميع المجالات.

وأضاف أن «التعريف بالنموذج المغربي ليس مجرد شعار فحسب، وإنما هو هدف استراتيجي سيمكن بلوغه من تحقيق كل فرص التعاون الممكنة في جميع الميادين».

ولبلوغ ذلك الهدف، دعا العاهل المغربي الحكومة إلى «إعطاء الأولوية لدبلوماسية اقتصادية مقدامة، قادرة على تعبئة الطاقات، بغية تطوير الشراكات وجلب الاستثمارات، وتعزيز جاذبية البلاد، وكسب مواقع جديدة، وتنمية المبادلات الخارجية». كما دعا إلى إعطاء الدبلوماسية الثقافية ما تستحقه من دعم وتشجيع، من خلال إقامة دور المغرب، والمراكز والمصالح الثقافية بالخارج.

وبخصوص علاقة المغرب بالتكتلات السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية، دعا الملك محمد السادس بلاده إلى «مضاعفة الجهود لتجسيد التزام المغرب ببناء الاتحاد المغاربي باعتباره خيارا استراتيجيا منصوصا عليه دستوريا»، مشيرا إلى أن «بناء المغرب الكبير يعرف جمودا مؤسفا، على الرغم من توافر شروطه، وذلك في تعارض مع دينامية العصر، ومع التطلعات المشروعة للشعوب المغاربية الشقيقة».

وأضاف أنه «في انتظار رفع كل المعيقات الموضوعية، التي تقف أمام هذا البناء الاندماجي المنشود، فإننا ندعو دبلوماسيتنا إلى تعزيز علاقات بلادنا مع باقي البلدان المغاربية الشقيقة».

وعلى المستوى الأفريقي، دعا الملك محمد السادس إلى «تطوير علاقات المغرب الثنائية مع دول جنوب الصحراء، وتجمع دول الساحل والصحراء (سين صاد)، وتقوية علاقاته مع المنظمات الإقليمية الأفريقية، وخاصة منظمات أفريقيا الغربية والوسطى».

وعلى الصعيد العربي، قال الملك محمد السادس إن بلاده «تتابع بانشغال كبير وقلق عميق، الأوضاع الصعبة التي تعيشها بعض الدول العربية الشقيقة، بدرجات متفاوتة، وحسب خصوصيات ورهانات مختلفة، حيث تشهد تغيرات سياسية ومؤسساتية. لكن يحدونا الأمل في أن تتمكن هاته الدول من تجاوز هذه المرحلة الصعبة من تاريخها، من خلال الحوار البناء، والمصالحة الوطنية، في إطار الوحدة الترابية والتطلعات المشروعة للشعوب المعنية».

وأضاف العاهل المغربي أنه يولي «أهمية بالغة لتطوير علاقات متميزة مع دول مجلس التعاون الخليجي، الذي تجمعنا بقادة دوله وشائج الأخوة الراسخة، والتقدير المتبادل، والتفاهم الموصول، ونحرص سويا معهم على تعزيز الشراكة الاستراتيجية النموذجية التي جرى إرساؤها في 2011». كما دعا لتقوية العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، وتوطيد الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة.

وخلص الملك إلى القول إن «التجربة والخبرة اللتين راكمتهما الدبلوماسية المغربية، تفتحان أمامها آفاق التأهيل والإبداع، من أجل الارتقاء بها إلى دبلوماسية نشطة واستباقية»، و«لتصل، ليس فقط إلى أعلى مراتب الاحترافية، بل لتحقق التميز على المستوى العالمي» على حد تعبيره.