قراءة واقعية لتوضيح سوء فهم تصويت البرلمان البريطاني حول سوريا

TT

«لقد أعطى البرلمان البريطاني صكا على بياض لبشار الأسد لكي يستخدم الأسلحة الكيماوية».. هذا ما أوحت به لهجة بعض وسائل الإعلام في أعقاب خسارة حكومة رئيس الوزراء البريطاني مساء الخميس التصويت للحصول على موافقة مجلس العموم للتحرك عسكريا ضد سوريا. ولكن، مهلا.. الأمور ليست كذلك بالضرورة. فلدى إمعان النظر قد تتكون لدينا صورة مختلفة.

بداية، لقد وفرت المناقشات في مجلسي العموم واللوردات فرصة نادرة لتأمين وحدة الصف إزاء الأسئلة الرئيسة المطروحة حيال أحدث مراحل المأساة السورية. وكان السؤال الأول هو حول ما إذا كانت الأسلحة الكيماوية قد استخدمت أم لم تستخدم في سوريا.. وكانت الإجابة بالإيجاب في المجلسين شبه إجماعية. وهذا يناقض تماما مزاعم موسكو وإيران، أكبر داعمي الأسد، عن أنها لم تستخدم، وأن المسألة برمتها أشبه بفيلم هوليوودي من إنتاج «أجهزة الاستخبارات الغربية».. بل حتى جورج غالواي، عضو البرلمان الوحيد المتكلم باسم الأسد، اعترف باستخدام أسلحة كيماوية.

السؤال الثاني يتعلق بالمسؤولية عن الهجمات (بالسلاح الكيماوي)، وهنا أتاحت المناقشات للحكومة البريطانية الكشف عن أن الأسد كان وراء استخدام الأسلحة الكيماوية ما لا يقل عن 14 مرة «بصورة لا تترك مجالا للشك». ومجددا، لم يكرر أي مشارك في المناقشات، بمن فيهم غالواي، ادعاءات الحكومة السورية أن الثوار مسؤولون عن الهجمات. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على مستوى عال من الوحدة في الإعراب عن السخط إزاء استراتيجية الأسد للبقاء في السلطة. ولكن هل ستشارك بريطانيا في تحرك يهدف إلى وقف الأسد عند حده؟ الواقع أن رد فعل كاميرون المتسرع بعد المناقشات كان مفاجئا. لقد قال إن البرلمان عبر عن موقفه الرافض لدعم أي تحرك عسكري ضد سوريا، مع أن هذا ما كان مطروحا، وحتى التعديل الذي تقدم به حزب العمال المعارض أخذ في الاعتبار احتمال أن تحركا من هذا النوع قد يكون ضروريا.

حقا كانت الغاية من المناقشات التفاهم على الجدول الزمني للتحرك وأسلوبه، وليس جوهره أو طبيعته. وما فعله مجلس العموم بتصويته هو رفض الجدول الزمني والأسلوب اللذين طرحهما كاميرون. وبالتالي، من وجهة نظر قانونية، سيكون باستطاعته في أي وقت العودة بمشروع قرار مغاير والحصول على حصيلة مغايرة. ويبدو أن كاميرون أدرك ذلك بعد الحصول على قسط من النوم المريح.. وذلك أنه قال صباح أمس: «أعتقد أنه سيكون من الأهمية بمكان الرد بقوة على استخدام الأسلحة الكيماوية، وهناك سلسلة من الإجراءات التي سنواصل اعتمادها». وأردف: «سنواصل حمل القضية إلى الأمم المتحدة، والعمل مع جميع المنظمات التي ننتمي إليها - مثل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) و(مجموعة الثماني) و(مجموعة العشرين) - لإدانة ما حدث في سوريا. إنه لأمر مهم التأكيد على التحريم الدولي لاستخدام الأسلحة الكيماوية».

هل غدا البرلمان البريطاني انعزاليا؟ لا. البرلمان نفسه أقر التدخل في ليبيا ومدد مهمة القوات العاملة في أفغانستان، ولا تتفاجأوا إذا أيد في فترة لاحقة التدخل في سوريا.

هل سيؤثر التصويت البريطاني سلبا على العلاقات البريطانية - الأميركية؟ ليس بالضرورة، بدليل أن الدولتين الحليفتين لم تقاتلا معا على الدوام في جميع الساحات. فالولايات المتحدة وقفت ضد بريطانيا في «حرب السويس» عام 1960، كما أن بريطانيا لم تشارك في «حرب فيتنام». ثم إن الولايات المتحدة ظلت بعيدة عن المشاركة في الحروب التي خاضتها بريطانيا من الملايو (ماليزيا) إلى جزر الفولكلاندز مرورا بعدن. وفي المقابل، أحجمت بريطانيا عن السير في خطى الولايات المتحدة في فرض الحصار على كوبا أو غزو غرينادا. ومع كل هذا حافظت الحليفتان على التعاون الوثيق عبر القوات المسلحة والاستخبارات على امتداد العالم، وهما تفعلان ذلك حتى في الموضوع السوري اليوم.

بريطانيا والولايات المتحدة عضوان مؤسسان لـ«الناتو»، والحلف يفرض على أعضائه معاونة باقي الدول الأعضاء في المواجهات العسكرية. وبناء عليه، إذا طلبت واشنطن الدعم البريطاني، فإن لندن ستقدمه تلقائيا. غير أن المشكلة هنا أن العملية التي يتصورها الرئيس باراك أوباما لا تشمل حتى الآن تغيير النظام في دمشق، وبالتالي لا تستوجب المشاركة البريطانية الكاملة.

على امتداد 30 شهرا، عاشت المأساة السورية تحولات وتقلبات عديدة، ويوم الخميس الماضي شهدنا أحد هذه التحولات والتقلبات، وإن على مستوى محدود. ولكن على الرغم من ذلك ظل هناك ثابت واحد وسط المتحولات العديدة، هو أن استراتيجية تشبث الأسد بالسلطة عبر القتل والإرهاب محكوم عليها بالفشل.