هولاند لا يستبعد حصول الضربة العسكرية قبل الأربعاء المقبل

59% من الفرنسيين يعارضون مشاركة بلادهم في الحرب

TT

بينما أصيبت جهود الولايات المتحدة الأميركية بـ«نكسة» في مساعيها الهادفة إلى بناء تحالف دولي يتولى توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري عقابا له على استخدامه السلاح الكيماوي في ضواحي دمشق صبيحة الـ21 من أغسطس (آب) بسبب رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة، أخذت باريس تلبس ثياب الحليف الأوثق لواشنطن والطرف الغربي الأكثر تمسكا بـ«معاقبة» الرئيس السوري على فعلته. والأكثر من ذلك، تؤكد باريس على عزمها أن تكون طرفا فاعلا في العملية العسكرية مهما كانت الظروف، فضلا عن أنها لا ترى غضاضة في أن تحصل الضربة العسكرية قبل قمة العشرين يومي 5 و6 سبتمبر (أيلول) في مدينة سان بطرسبرغ الروسية.

وجاء التعبير عن هذه المواقف «الحازمة» على لسان الرئيس فرنسوا هولاند في حديث مطول لصحيفة «لو موند» المستقلة الصادرة بعد ظهر أمس، استغله لتوجيه جملة رسائل للرأي العام الفرنسي والدولي على السواء. وفيما سيعمد رئيس الوزراء جان مارك أيرولت إلى وضع البرلمان الفرنسي بمجلسيه في صورة الوضع في سوريا وإطلاعه على قرارات الحكومة، فإن السلطة التنفيذية غير معرضة لما تعرض له رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون؛ لأن الجلسة مخصصة للنقاش ولن تتبعها عملية تصويت. وكشف هولاند عن اتصال هاتفي «معمق» مع الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم أمس مخصص للوضع في سوريا ولمناقشة الخطط الموضوعة.

تتمثل رسالة هولاند الأولى في سعيه إلى «تبرير» الضربة العسكرية لسوريا في الداخل والخارج؛ إذ يؤكد أن باريس لديها «مجموعة من القرائن» التي تدلل على مسؤولية النظام السوري عن ارتكاب ما يسميه «المجزرة الكيماوية» التي استعار من الأمين العام للأمم المتحدة وصفه لها بأنها «جريمة ضد الإنسانية». وفي نظر هولاند، فإن جريمة كهذه «لا يمكن تركها من غير عقاب» وإلا فسيصبح استخدام الغازات السامة «أمرا اعتياديا» وسيهدد بلدانا أخرى لم يسمها. وتبدو باريس واثقة مما لديها من قرائن ما يعني أنها لا تنتظر الشيء الإضافي من المفتشين الدوليين.

وسعى هولاند في رسالته الثانية إلى الرد على الذين ينتقدون الضربة المتوقعة داخل فرنسا وخارجها ويحذرون من مخاطر انزلاق باريس إلى حرب إضافية بعد حربين في ليبيا ومالي أو ينبهون إلى أنه لا يعود لباريس ولا لغيرها من العواصم أن تنحي رئيسا أو تقيم نظاما جديدا. كذلك أراد هولاند طمأنة مواطنيه إلى الأهداف «المحدودة» للعمل العسكري.

يقول هولاند إنه «ليس ذاهبا إلى الحرب» في سوريا، بل المطلوب «معاقبة انتهاك رهيب لحقوق الشخص الإنساني» ما سيشكل «رادعا» في المستقبل لمن قد يسعى لفعل الشيء نفسه. كذلك فإنه يرى في الرد العسكري وسيلة «لوقف تصاعد دورة العنف» فضلا عن أنه «مسهل لفرض الحل السياسي». وتعتبر باريس أن النظام سيفهم عندها أن الرهان على الحل العسكري سيكون خاسرا وأن لا بديل عن الحل السياسي، أي مؤتمر «جنيف 2» أو أي شيء يشبهه.

ولكن من هي الأطراف التي ستتولى الرد بعد انسحاب بريطانيا ورفض إيطاليا وممانعة بلجيكا وكندا وانقسام الأوروبيين وشكوك الرأي العام؟ وهل ستكون العملية أميركية - فرنسية فقط؟

يجيب هولاند - وهذه رسالته الثالثة - بتأكيد أن «تحالفا (دوليا) سيقوم»، متمنيا أن يكون «الأوسع» وعماده الأول الجامعة العربية «التي أدانت الجريمة ودعت الأسرة الدولية للتحرك»، كما أنه يحظى بدعم الأوروبيين، علما بأن هؤلاء ليسوا جميعا من أنصار الحرب، خصوصا في غياب قرار من مجلس الأمن الدولي. ويستدرك الرئيس الفرنسي بقوله إن بلدانا «قليلة» لديها القدرات العسكرية المناسبة، ومن بينها فرنسا التي هي «جاهزة» للمشاركة بالتوافق مع حلفائها، في إشارة إلى الأميركيين. وأكد هولاند أن التحرك «ممكن» من غير البريطانيين، لا بل إنه سعى للتخفيف من وقع انسحابهم؛ إذ اعتبر أن لكل بلد «سيادته»، وله أن يقرر المشاركة من عدمها. بيد أن مصادر سياسية واسعة الاطلاع في باريس أفادت بأن وزراء من الحكومة الفرنسية ومسؤولين من الحزب الاشتراكي سعوا للتأثير على رئيس حزب العمال البريطاني أد ميليباند لدفعه للتصويت لصالح مبدأ التدخل العسكري في مجلس العموم، لكن الجهود الفرنسية لم تنجح؛ إذ صوت كل النواب العماليين ضد حكومة كاميرون.

يبقى السؤال المزدوج عن «شكل» العملية العسكرية وعن «موعدها»! يرى هولاند بالنسبة للنقطة الأولى أن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة». بيد أن ما تريده باريس هو «رد متناسب وحازم» ضد النظام السوري. وكان وزير الخارجية لوران فابيوس أضاف أول من أمس معيارا ثالثا هو أن يكون «مدروسا»، والمعني به هنا أن يستهدف «كل ما له علاقة بالسلاح الكيماوي ومن قرر استخدامه» من غير أن يكون الهدف النظام بحد ذاته. أما بخصوص موعد الضربة المرتقبة، فقد استبعد هولاند حصولها قبل خروج المحققين الدوليين من سوريا. وبحسب مصادر فرنسية، فإن ذلك مرتبط بالرغبة باستبعاد وقوع المحققين رهائن في أيدي النظام. وترك الرئيس الفرنسي الباب مفتوحا أمام حصول الضربة قبل قمة الدول العشرين في سان بطرسبرغ يومي الخميس والجمعة المقبلين وقبل انعقاد اجتماع البرلمان الفرنسي يوم الأربعاء المقبل، ما يعني أنه بالنسبة لباريس فإن الضربة العسكرية «على الأبواب».

وكانت مصادر فرنسية رسمية قد أبلغت «الشرق الأوسط» أول من أمس بأن باريس «لا تتخوف» من ردة الفعل الروسية رغم أن موسكو أعلنت إرسال قطعتين من أسطولها إلى شرق البحر المتوسط، ما فهم على أنه «رد» على عزم الغرب على معاقبة النظام السوري عسكريا.

ويحظى الموقف الفرنسي الرسمي بدعم التحالف الحاكم المشكل من الاشتراكيين والخضر، وبدعم واضح من بعض الشخصيات اليمينية مثل وزير الخارجية السابق ألان جوبيه. وبشكل عام «يتفهم» حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني بشكل عام توجهات الحكومة، إلا أن التيار «الشعبوي» فيه يعارض دخول فرنسا الحرب، كما تعارضها أحزاب الأطراف إن كان الحزب الشيوعي والأحزاب اليسارية المتطرفة أو حزب الجبهة الوطنية الذي تقوده مارين لوبن. وبحسب آخر استطلاع للرأي العام نشرت نتائجه صحيفة «لو فيغارو» أول من أمس، فإن 59 في المائة من الفرنسيين لا يريدون مشاركة فرنسية «مقابل 41 في المائة من الرأي الآخر». وبالمقابل، فإن 55 في المائة من الفرنسيين يحبذون قيامها شرط أن تجري تحت راية الأمم المتحدة ومن غير مشاركة فرنسية.