صلاة الجمعة في لبنان بحماية الدبابات وسيارات الإسعاف

بعد أسبوع على مجزرة السيارتين المفخختين في طرابلس

TT

لم تكن صلاة الجمعة في المساجد اللبنانية كسابقاتها ظهر أمس. الخوف من تكرار مجزرة السيارتين المفخختين اللتين انفجرتا تزامنا مع خروج المصلين من مسجدي «التقوى» و«السلام» في طرابلس قبل أسبوع، وأوقعت نحو ألف ضحية، بينهم 45 قتيلا، غير العادات، وأجبر المساجد والقوى الأمنية كما المصلين، في كافة المناطق، على اتخاذ إجراءات استثنائية، للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الأهلية.

وإذا كان الحذر والخوف قد هيمنا على كل المساجد تخوفا من أن يطال مسلسل التفجيرات مناطق جديدة، وتم منع ركن السيارات أمام المساجد، كما أغلقت بعض الطرقات، فقد كان لطرابلس التي لا تزال تعيش تحت وقع الصدمة، وضعها المختلف. فقد جابت سيارات، تحمل مكبرات صوت، شوارع المدينة منذ يوم الخميس تطالب الأهالي بالتوجه للصلاة ظهر الجمعة في المسجدين اللذين تم استهدافهما، أي «التقوى» و«السلام»، تحديا للإرهاب وتضامنا مع القتلى والجرحى. ورفعت لافتات كتب عليها «مصلايتك بإيدك لنصلي معا الجمعة»، نظرا لأن المسجدين المستهدفين لا يزالان في ورشة إصلاح ولم يكتمل فرشهما. ويقول أيمن المحمود، أحد المصلين في «السلام» إن احتشاد المصلين هناك، ظهر أمس، أراحه وبث في نفسه الطمأنينة. ويضيف: «لم أشعر بخوف لأن السير في الشارع كان قد قطع، ومنع إيقاف السيارات، بينما دبابات الجيش كانت تشرف على حماية المكان». وفي مسجد «التقوى» كانت الإجراءات ذاتها، وملالات الجيش متأهبة، بينما الجنود يراقبون. ولكثرة المصلين افترش بعضهم الأرض خارج المسجد. وشددت كلمات الخطباء في هذا اليوم، الذي تناقص فيه عدد المصلين، بسبب الخوف، في غالبية المساجد اللبنانية إلى النصف، باستثناء المسجدين المستهدفين، على ضرورة الصلاة في المساجد وترك الهلع جانبا. وقال أحد المصلين في «الجامع الحميدي» في طرابلس «إنها المرة الأولى التي أرى فيها المسجد هادئا على هذا النحو ظهر الجمعة، عدا أن الإمام كرس خطبته، لإرشاد المصلين حول الإجراءات الاحترازية التي يتوجب احترامها، ناصحا بالابتعاد عن التجمعات، والحرص على الخروج من المسجد بمجموعات صغيرة. وهو ما فعله المصلون الذين غادروا بشكل ثنائي أو ثلاثي، تجنبا لأي ازدحام، يمكن أن يستغل لإصابة أكبر عدد منهم»، مؤكدا أن «الخطبة جاءت قصيرة ومختصرة، وربما شعر كثيرون أن علينا أن ننصرف بسرعة».

جدير بالذكر أن المخاوف من تفجيرات محتملة، ألقت بظلالها على مختلف المساجد. فقد كتب أحد المصلين من صيدا على صفحته على «فيس بوك»: «كانت أمي تبادرني بعبارة (تقبل الله)، حين أعود من الصلاة، فإذا بها هذه المرة تقول لي (الحمد لله على السلامة)». بينما عمد القائمون على «جامع الأمين» وسط بيروت، بحسب المصلين، إلى تفتيشهم واحدا واحدا، قبل الدخول إلى المسجد.

وإذ شهد محيط بعض المساجد اللبنانية ازدحاما بسبب صعوبة ركن السيارات، والتفتيش المشدد، فإن محيط مساجد طرابلس بقي هادئا جدا، بسبب قلة عدد المصلين، وحرصهم على الوصول سيرا على الأقدام، وتعاون لجان الانضباط الخاصة بالجوامع، التي أوكل إليها أمر التنظيم.

وتزامنا مع رفع الأذان، ووسط هدوء شوارع المدينة القاتل، قرعت أجراس الكنائس حزنا على الذين رحلوا منذ أسبوع، وتضامنا مع المصلين في المساجد، وتأكيدا على العيش المشترك.

وأعلن منذ مساء الخميس أن فرق الإسعاف في طرابلس، وكذلك سرية الإطفاء، والفرق الأمنية، مستنفرة، وهي في جهوزية تامة للتصدي لأي طارئ، يمكن أن يحدث تزامنا مع صلاة الجمعة. وتأتي هذه الإجراءات بعد أن وجهت انتقادات كبيرة لفرق الإغاثة والإطفاء بسبب تقصيرها في مساعدة الضحايا، بعد الانفجارين القاتلين، منذ أسبوع. وشوهدت سيارات الجيش تسير دوريات مكثفة في المدينة، كما عمدت إلى تفتيش السيارات ومراقبتها، وتمركزت حواجز وملالات عند مداخل طرابلس، وتم تفتيش الوافدين.

ورغم كل هذه الإجراءات، كان الخوف سيد الموقف أمس، بين أهالي طرابلس، وبدت الشوارع وكأنها تشهد منع تجول طوعي، بينما تنادى الأهالي وتبادلوا الرسائل التليفونية التي تنبه إلى «ضرورة فتح النوافذ والأبواب الزجاجية ظهر الجمعة، تحسبا لوقوع انفجار» لكون غالبية الجرحى في الانفجارين السابقين هم ضحايا الزجاج المتشظي. وقال صاحب أحد المطاعم الشهيرة في المدينة، أمس، لـ«الشرق الأوسط» إن «الناس في حالة ذعر. هذا أسوأ يوم تشهده طرابلس. لم أر في حياتي المدينة خالية على هذا النحو، ولا حتى يوم الأحد (العطلة الرسمية). هناك خوف شديد لا مبرر له. الانفجاران انتهيا، وعلينا أن نعود إلى حياتنا الطبيعية، لا يجوز أن يكسرنا الإرهاب وينتصر علينا».

الانفجارات لم تنته فعليا بالنسبة للسكان. فالتبليغ عن السيارات المشبوهة، والتي يتبين خلوها من المتفجرات لا يتوقف، وخبر العثور على سيارة مفخخة، في البحصاص، عند مدخل طرابلس تحمل عبوة زنتها 130 كلغ، ظهر أمس، أرعب الناس قبل أن يتم تكذيب الخبر في الإعلام. ومع ذلك بقي الأهالي يقولون إن التكذيب ليس صحيحا وإن القوى الأمنية تخفي الحقائق، كي لا تبث الرعب في النفوس. وكان النهار في طرابلس قد بدأ بتوتر بين جبل محسن وباب التبانة أدى إلى سقوط جريحين، وهو ما لم يسعف في إقناع الخائفين بأن جمعة التفجيرات قد تكون انتهت، وعليهم أن يعودوا إلى حياتهم اليومية.

وكان مجلس الأمن الفرعي في الشمال قد انعقد صباح أمس، برئاسة محافظ الشمال ناصيف قالوش، وخرج عن المجتمعين بيان أعلنوا من خلاله عن «اتخاذ تدابير سريعة وفورية على المديين القريب والمتوسط، وذلك باتخاذ إجراءات أمنية مشددة حول دور العبادة والمجمعات السياحية والتجارية والإنسانية وفي الشوارع المكتظة بالمواطنين». وأعلن البيان أن «المجتمعين تداولوا في تسيير دوريات متنقلة وثابتة على معظم مداخل المدن والقرى وطرقاتها، والعمل مع البلديات المعنية على تركيب أجهزة مراقبة فعالة ومتطورة للإفادة منها».