وزير الداخلية الفرنسي: باريس لن تهاجم سوريا بمفردها وستنتظر واشنطن

انسحاب بريطانيا وتردد أوباما يجعلان الرئيس هولاند في وضع «حرج»

TT

خيبة ثانية أصابت الدبلوماسية الفرنسية مع قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما السبت المرور أولا في الكونغرس قبل الضربة العسكرية الموعودة لسوريا غداة خيبة انسحاب بريطانيا من التحالف العسكري بعد نكسة رئيس الوزراء البريطاني في الحصول على موافقة مجلس العموم على المشاركة في العملية العسكرية.

وكان لافتا أن أوباما حرص على الاتصال بالرئيس الفرنسي لوضعه في أجواء قراره الجديد والتشاور معه قبل الإعلان عنه. واكتفت أوساط الرئاسة بالقول إنها «أخذت علما بالقرار الأميركي الذي لن يغير من عزم فرنسا على العمل مع واشنطن من غير أن يغل يديها. بيد أن وزير الداخلية مانويل فالس قال أمس في حديث صحافي إن قرار أوباما أحدث حالة جديدة، مؤكدا أن بلاده «لن تهاجم سوريا بمفردها» لأنها «لا يمكنها المضي بذلك لوحدها». ولأن هناك «حاجة لوجود ائتلاف». وبحسب الوزير الفرنسي، فإن باريس «ستنتظر انتهاء المرحلة الجديدة» ما يعني عمليا معرفة ما سيخرج به الكونغرس الأميركي بمجلسيه.

واضح أن العلاقات الأميركية الفرنسية كانت دخلت مرحلة جديدة عندما أصبحت باريس «الحليف الوحيد» القادر على مواكبة واشنطن في رغبتها توجيه الضربة العسكرية للنظام السوري بعد الكبوة البريطانية الأمر الذي يشكل انقلابا جذريا عما كانت عليه عشية التدخل الأميركي البريطاني في العراق ربيع عام 2003. وكانت باريس هددت باللجوء إلى حق النقض (الفيتو) لحرمان واشنطن وباريس من قرار من مجلس الأمن يجيز مهاجمة العراق مشكلة جبهة رفض تتكون من فرنسا وروسيا والصين وألمانيا. أما اليوم، فقد انقلبت الأمور رأسا على عقب ما يدفع بعض الفرنسيين إلى التساؤل عن «جدوى الالتصاق» بالأميركيين في الشرق الأوسط.

والحال أن الائتلاف الذي كانت تريده الحكومة الفرنسية «واسعا» في البداية اقتصر على البلدان الغربية الثلاثة «فرنسا، بريطانيا والولايات المتحدة» والآن تلاشى في المرحلة ولم تبق سوى فرنسا في الواجهة.

وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط» إنه «من المسلمات» أن تكون باريس مضطرة «لانتظار» واشنطن وهي «تأمل» أن تنجح الإدارة الأميركية في حمل الكونغرس على تأييد القيام بضربة عسكرية من غير غطاء من مجلس الأمن الدولي.

وفي هذا السياق، نبه هوبير فيدرين، وزير الخارجية الأسبق، في حديث لصحيفة «لو جورنال دو ديمانش» الأسبوعية في عددها ليوم أمس من أن الامتناع في نهاية المطاف عن القيام بالضربة العسكرية «سيفقد فرنسا والولايات المتحدة أي مصداقية» يتمتعان بها. ولذا، فإن الطرفين الموجودين في الواجهة «ملزمان» بالتحرك وبـ«تحمل نتائج خيارهما».

ومشكلة باريس أن «عزلتها» الراهنة تفاقم من حجم المشكلات التي تواجهها الحكومة مع الرأي العام ومع المعارضة وحتى مع بعض مكونات الحزب الاشتراكي الذي يشكل عماد الحكومة والأكثرية في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. وأبرز المشكلات ازدياد مطالبة الحكومة بالمرور عبر البرلمان للحصول على موافقته لتحقيق الضربة من خلال التصويت وعلى غرار ما قامت به الحكومتان البريطانية والأميركية.

والحال أن الدستور الفرنسي في مادته رقم 35 يلزم الحكومة بـ«إعلام» البرلمان فقط ولا يرغمها على العودة إلى البرلمان إلا في حالة تخطي التدخل العسكري الخارجي عتبة الـ45 يوما مثلما حصل هذا العام في مالي.

وحتى الآن، ترفض الحكومة الفرنسية الرضوخ لهذا الطلب رغم تزايد الأصوات المطالبة به. فقد طالب الوزير السابق ورئيس مجموعة الوسط في المعارضة جان لوي بورلو، الرئيس هولند «الاحتذاء» بما قام به أوباما وانضم إليه المرشح الرئاسي الوسطي السابق فرنسوا بايرو وخصوصا كريستيان جاكوب، رئيس مجموعة الاتحاد من أجل حركة شعبية «اليمين الكلاسيكي» المعارضة. وبعد أن كان هذا الحزب سائرا في ركب الرئيس هولاند، ازدادت انتقاداته وتحذيراته في الأيام الأخيرة على لسان رئيسه جانه فرنسوا كوبيه وعلى لسان رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون.

وثمة تيار سياسي هجين يعارض أصلا الضربة العسكرية التي تعارضها كذلك أكثرية الفرنسيين وفق ما تظهره استطلاعات الرأي. ويتكون هذا التيار من الأطراف «اليمين واليسار المتطرفين» ومن الحزب الشيوعي ومن شخصيات بعضها يتمتع بنفوذ واحترام مثل وزير الدفاع السابق وعضو مجلس الشيوخ الحالي جان بيار شوفنمان وآخرون.

واليوم، يلتقي رئيس الوزراء جان مارك أيرولت رؤساء المجموعات البرلمانية في الجمعية العامة ومجلس الشيوخ لاطلاعهم على تطورات الوضع وعلى الخطط الفرنسية تمهيدا للاجتماع الرسمي الذي دعي إليه المجلسان بعد غد (الأربعاء).

ويريد النواب «الناقمون» أن يطرح القرار على التصويت. لكن رئيسة لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية العامة «الاشتراكية» أليزابيت غيغو دافعت بشدة عن قرار الحكومة الامتناع عن طلب التصويت «لأن دستور الجمهورية الخامسة يجعل من رئيس الجمهورية قائدا للقوات المسلحة وينيط به مسؤولية قرار المشاركة في عمليات عسكرية خارجية».

ويرد المعارضون أن أوباما وكاميرون كانا بدورهما قادرين على ذلك أيضا «لكنهما فضلا استشارة ممثلي الشعب» مضيفين أن بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية «ليس نظامهما السياسي أقل ديمقراطية من النظام الفرنسي». لكن المراقبين يرجحون أن يتمسك الرئيس والحكومة بموقفهما لتحاشي حصول خضات سياسية وتلافي الانشقاقات داخل الصفين الحكومي والاشتراكي. ومعضلة باريس أن ما كانت تدافع عنه في السابق وتشديدها على ربط أي تدخل عسكري بوجود غطاء شرعي من مجلس الأمن غير متوفر في الوقت الحاضر الأمر الذي يضعف موقفها رغم أن لديها حججا قوية للدفاع عنه وأهمها ثلاثة: الأولى، أن الرئيس السوري بشار الأسد «انتهك» الشرعية الدولية باستخدام سلاح ممنوع بموجب معاهدة عام 1993، والثانية «واجب» حماية المدنيين بموجب قرار الأمم المتحدة لعام 2005 الذي «يفرض» على الأسرة الدولية التدخل لحماية المدنيين في حال تقاعس دولهم عن ذلك. أما الحجة الثالثة، فهي أن ما حصل في سوريا من استخدام النظام للسلاح الكيماوي «وما يمكن أن يحصل لاحقا» هو «جريمة ضد الإنسانية» لا يجوز المرور عليها مرور الكرام مخافة أن «تشجع» آخرين على الاحتذاء بما قام به الأسد أو أن تقنع الآخر بأنه قادر على كل شيء طالما المجتمع الدولي «عاجز عن معاقبته». ويختصر فيدرين كل ذلك بقوله إن «أسوأ الحلول هو ألا نقوم بشيء».