بغداديون: الإجراءات الأمنية عقاب جماعي

نقاط التفتيش تشل الحركة في العاصمة

جنود يجرون في معسكر التاجي شمال بغداد التحضيرات الأخيرة لإطلاق منطاد للمراقبة في إطار خطة أمنية جديدة في العاصمة العراقية (رويترز)
TT

يطلق العراقيون على شهر أغسطس (آب) تسمية «آب اللهاب» نظرا لشدة الحرارة في هذا الشهر، وهذا العام زادته سخونة الأوضاع الأمنية والسياسية، وأخيرا اختيار آخر أيامه، أول من أمس، موعدا لمظاهرات عمت شتى مدن البلاد ضد امتيازات الطبقة السياسية.

المتظاهرون واجهوا نوعين من القمع الحكومي؛ تمثل الأول في الإجراءات الأمنية التي تراوحت بين منع المتظاهرين من الوصول إلى الأماكن المحددة للمظاهرات، وعمليات الاعتقال بحق عدد من الناشطين والمتظاهرين، وممارسة شتى أعمال العنف الجسدي من خلال الضرب والإهانات. أما النوع الثاني من العقاب، فتمثل في ممارسة نوع من العقاب الجماعي بحق سكان العاصمة بغداد (ستة ملايين نسمة).

العقاب الجماعي بلغ ذروته أمس؛ فمنذ ساعات الصباح الأولى كثيرا ما يعتاد العراقيون على أنماط مختلفة من الاتصالات الهاتفية، من أبرزها عند سماع أصوات انفجارات هنا أو هناك؛ إذ تبدأ مساعي الاطمئنان على الآباء والأبناء والأزواج ممن يخرجون منذ ساعات الصباح الأولى تحاشيا للزحامات المرورية التي صارت سمة طبيعية في شوارع بغداد وقد لا يفلت منها إلا من يبكر بالخروج من منزله لكي يصل إلى مقر عمله. لكن يوم أمس كان مختلفا عن أي يوم آخر بما في ذلك أيام التفجيرات التي يسقط فيها المئات بين قتلى وجرحى.

ومع أن يوم الأحد في بغداد هو الأكثر زحاما بسبب أنه أول أيام الأسبوع بعد يومي عطلة (الجمعة والسبت)، لكنه كان هادئا أمس من حيث التفجيرات التي تشكل الهاجس الأكبر للخوف عند المواطن العراقي والبغدادي تحديدا.

«الشرق الأوسط» ومن خلال ما تلقته من رسائل هاتفية وأخرى نصية على صعيد معاناة أمس التي تمثلت في غلق كل منافذ العاصمة والبدء بعملية تفتيش دقيق للسيارات؛ سيارة سيارة، مع حجز المخالفات لنظام السير (الزوجي والفردي بالنسبة لسيارات المنيفيست) تمكنت من جمع حصيلة ترسم مشهدا لمعاناة يراد لها ألا تنتهي، بل إنها تابعت المشهد في أحد شوارع العاصمة بعد أن تحولت الشوارع إلى برلمانات شعبية طارئة.

الحاج أبو حيدر (صاحب مكتب عقار) قال إنه «خرج مبكرا لكي يتابع معاملة بيع قطعة أرض في دائرة تسجيل المنصور». وفي حين كان يخشى أن يكون المشتري قد وصل قبله إلى هناك، حظي باتصال هاتفي منه يعتذر له عن عدم قدرته على الخروج من منطقته لأنها مغلقة بالكامل. يقول إن «المشتري يسكن حي العامرية والمنطقة مغلقة ولا أحد يعلم السبب».

المحامي علي الناصري قال لـ«الشرق الأوسط» إن «لديه موعدا مهمّا في مقر نقابة المحامين بالمنصور يتعلق بالموقف من المظاهرات لأن هناك نية لإقامة دعاوى قضائية ضد الجهات الأمنية التي مارست أعمال عنف بحق المتظاهرين». كان الهاتف ساخنا بينه وبين زملائه المحامين الذين علق كل واحد منهم في شارع مزدحم من شوارع العاصمة.

الطريق السريع الذي يسمى «طريق محمد القاسم» كانت طوابير السيارات فيه، وطبقا لشهود عيان، بدأت عند حي الدورة جنوبي بغداد وحتى معسكر الرشيد قرب بغداد الجديدة شرقي العاصمة، وهي في حدود أربعة كيلومترات. الموظف رائد حسين يقول: «خرجت من منزلي الساعة السادسة والنصف صباحا ووصلت إلى دائرتي في حي جميلة الساعة التاسعة والنصف تماما». زميله أركان عبد الستار يقول: «التفتيش كان لا معنى له؛ فكل سيارة تقف عند نقطة التفتيش يترجل منها السائق ويفتح صندوقها ليلقي عليه الجندي نظرة ومن ثم يغلقه وتمضي السيارة.. وهكذا».

الآراء تضاربت بين المواطنين بشأن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ كل هذه الإجراءات؛ فمنهم من قال إنها عقوبة جماعية للناس بسبب تأييدهم مظاهرات السبت، ومنهم من قال إن هناك مخاوف مرتبطة باحتمال توجيه ضربة عسكرية أميركية إلى سوريا.. هتف الحاج أبو حيدر قائلا: «الضربة على سوريا والعقوبات على بغداد».