الحكومة الفرنسية تقدم أدلة باستخدام الأسد للكيماوي

باريس تراهن على نجاح أوباما في «امتحان» الكونغرس لحفظ ماء الوجه

TT

أكدت الحكومة الفرنسية أمس أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. وقال رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك أيرولت أمس إن فرنسا تهدف إلى بناء ائتلاف دولي لدعم التحرك العسكري ضد النظام السوري ردا على هجوم بالأسلحة الكيماوية في دمشق. وصرح أيرولت بعد تقديم تقرير للمخابرات عن سوريا، يظهر أن الأسلحة الكيماوية انطلقت من مناطق يسيطر عليها النظام السوري، إلى أعضاء البرلمان: «هذا التصرف لا يمكن تركه يمر دون رد»، مضيفا: «فرنسا مصممة على معاقبة نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد على استخدام أسلحة كيماوية وردعه برد قوي وصارم».

ودعا رئيس الحكومة رؤساء المجموعات البرلمانية في مجلسي الشيوخ والنواب ورؤساء اللجان المعنية لاجتماع في مكتبه لإطلاعهم على تطورات الملف السوري وعلى ما تمتلكه الحكومة من معلومات خاصة بصدد استخدام النظام للسلاح الكيماوي وللترسانة التي يمتلكها والتي تعتبرها باريس «الأضخم» في العالم. وبحسب التقرير الذي أعدته أجهزة المخابرات الفرنسية والتي تسرب جزئيا إلى الإعلام، فإن دمشق تمتلك ألف طن من الغازات السامة المتنوعة.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر حكومي فرنسي أمس - استنادا إلى وثيقة أعدتها الاستخبارات الفرنسية - أن الهجوم الكيميائي الذي وقع في 21 أغسطس (آب) قرب دمشق تم من مناطق تابعة لنظام الرئيس بشار الأسد واستهدف أحياء تحت سيطرة المعارضة. وأضاف المصدر نفسه أن «الصور تكشف أن المناطق التي انطلقت منها القذائف كانت بأيدي النظام، والمناطق التي سقطت فيه كانت بيد المعارضين». وتسعى باريس من خلال كشف وثائق سرية إلى التأثير على الرأي العام وإقناعه بمسؤولية النظام السوري وتبرير السياسة التي رسمها الرئيس هولاند وتنفذها حكومته وإيجاد مبرر شرعي وأخلاقي وقانوني للضربة العسكرية التي كانت باريس أول من دعا إليها منذ اليوم التالي لما تسميه «المجزرة الكيماوية». وترى فرنسا أن ما تمتلكه من معلومات ومؤشرات وقرائن «كاف بنفسه» لتحميل المسؤولية للنظام السوري ليس فقط في الغوطتين الشرقية والغربية بل في أماكن أخرى من سوريا.

وجاء لقاء الأمس مع أيرولت فيما تتصاعد المطالبات بأن تخضع الحكومة قرارها بالمشاركة في الضربة العسكرية للتصويت في البرلمان الذي يجتمع رسميا غدا (الأربعاء) على غرار ما فعلت بريطانيا والولايات المتحدة. وحتى عصر أمس، تمسكت الحكومة بالدستور نصا وروحا لرفض طلب المعارضة المشكلة من اليمين والوسط. وتتابع باريس عن كثب ما يجري في كواليس الكونغرس الأميركي وتطورات لعبة «شد الحبال» بين الرئيس الأميركي أوباما وإدارته من جهة، والنواب والشيوخ من جهة أخرى، بصدد الملف السوري والضربة العسكرية الموعودة. وأكثر من أي وقت مضى، يبدو القرار الفرنسي «رهينة» ما يحصل في واشنطن فيما أجمعت الصحافة الفرنسية على اعتبار أن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وقع في «فخ» رغبة نظيره الأميركي بالتريث وطلب موافقة الكونغرس قبل إعطاء الأوامر للمدمرات الأميركية المبحرة قبالة الشواطئ السورية بإطلاق صورايخها المحددة سلفا «عقابا» للنظام السوري على لجوئه إلى استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع في ضواحي دمشق صبيحة 21 أغسطس (آب) الماضي.

وبانتظار أن يقول الشيوخ والنواب الأميركيون كلمتهم في خطط أوباما العسكرية، فإن الكابوس الذي يثقل كاهل السلطات الفرنسية يتمثل في فشل الإدارة في إقناع هؤلاء بالموافقة على توجيه الضربة العسكرية المرتقبة. ورغم المحادثة الهاتفية المطولة بين أوباما وهولاند بعد ظهر السبت الماضي، فإن المصادر الفرنسية تبدي «عدم تفهمها» لقرار الرئيس الأميركي اتخاذ خطوة غير مضمونة النتائج من شأنها ضرب مصداقيته في الشرق الأوسط والعالم وخصوصا بالنسبة لفرنسا التي وضعها في موقف «بالغ الصعوبة» حيث تبدو تهديدات هولاند في خطابه أمام السفراء يوم 27 أغسطس فارغة من المعنى طالما أن تحقيقها رهن بما تقرره واشنطن.

وتأمل فرنسا أن يفوز أوباما في عملية «لي الذراع» مع الكونغرس وألا يعرف المصير الذي عرفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مجلس العموم. فباريس معنية أكثر من غيرها بالمناقشات الدائرة في الكابيتول كونها الشريك الغربي العسكري «الوحيد» في مشروع الضربة الأميركية بعد انسحاب بريطانيا. وتريد مصادرها، رغم الصدمة التي «عزلت» الرئيس هولاند وكشفته أمام المعارضة الداخلية، أن تبقي على بعض التفاؤل بالنظر لعنصرين اثنين، الأول، اعتبارها أن واشنطن وباريس ما زالتا على موقفهما «المشترك» المتمسك بتوجيه الضربة العسكرية رغم قرار أوباما الذهاب إلى الكونغرس، والثاني ترجيحها أن ينجح الرئيس الأميركي، على الأقل، في إقناع مجلس الشيوخ حيث يتمتع الديمقراطيون بالأغلبية المطلقة في حال استعصى عليه إقناع أغلبية مجلس النواب المعقود الولاء للجمهوريين.

ونقلت مراسلة صحيفة «لوموند» في العاصمة الأميركية عن مسؤولين في البيت الأبيض أن الإدارة يمكن أن «تكتفي» بموافقة مجلس الشيوخ وتخطي معارضة النواب مقتفية بذلك أثر ما قام الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في كوسوفو، عام 1999 لتنفيذ الضربة العسكرية. وفي هذه الحال، فإن تطويق الخسارة سيكون أمرا متيسرا بحيث تنحصر بتأخير العملية العسكرية لمدة أسبوعين أو أقل.

أما الكابوس المطلق للحكومة الفرنسية فيكمن في رفض الكونغرس بمجلسيه إعطاء الضوء الأخضر للرئيس إذ سيكون من الصعب عندها على أوباما استعادة المبادرة وبالتالي ستجد باريس نفسها في مأزق سياسي، دبلوماسي وعسكري.