السعودية تؤكد حرصها على التعاون مع المجتمع الدولي لإحلال الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط

نائب وزير الخارجية السعودي أمام المنتدى الخليجي ـ السويسري بجنيف: بلادي لن تتهاون في مساندة الشعب المصري لتحقيق أمنه واستقراره

الأمير عبد العزيز بن عبد الله لدى وصوله إلى جنيف أمس (واس)
TT

جدد الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز نائب وزير الخارجية السعودي تأكيد بلاده على الوقوف دائما وأبدا مع مصر، وشدد على أنها «لن تتهاون في مساندة الشعب المصري لتحقيق أمنه واستقراره»، وأكد أن السعودية وهي تنظر لما شهدته مصر من أحداث وتطورات بلغت حدا من حرب في الشوارع وتدمير الممتلكات العامة والخاصة وترويع المواطنين وإزهاق الأرواح البريئة، «تستغرب في نفس الوقت وبأسف شديد ما رأته من مواقف دولية سلبية لم تبن على فهم دقيق وواقعي لمجريات الأحداث وتطوراتها الحقيقية».

وأكد في كلمته أمام المنتدى الخليجي السويسري الذي بدأت فعالياته في جنيف أمس أن السعودية تعد من أكبر الدول المانحة وشريكا رئيسا في التنمية الدولية، وأنها لم تألُ جهدا في السعي لتحقيق الاستقرار في أسواق البترول العالمية بما يخدم استمرار مسيرة النماء للاقتصاد العالمي.

وتطرق نائب الوزير السعودي إلى جهود السعودية لتبني مبدأ الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وإيجاد آليات لتعميق التفاهم بين الشعوب وتعزيز التعاون والسلم المبني على الاحترام الديني والثقافي المتبادل بين المجتمعات الإنسانية و«استنادا لذلك جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود للحوار بين أتباع الأديان والثقافات عام 2008م التي أثمرت عن افتتاح مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا».

وشدد في كلمته أمام المنتدى الخليجي - السويسري بصفته متحدثا رسميا في الفعالية، على دور الرياض بالتعاون مع المجتمع الدولي لإحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تدهورا خاصة الأزمة في سوريا وإمعان النظام السوري في دمشق في زيادة القتل للشعب السوري بجميع أنواع الأسلحة، مؤكدا للجميع أن السعودية ستقف دائما وأبدا مع مصر ولن تتهاون في مساندة الشعب المصري لتحقيق أمنه واستقراره.

وحول العلاقات الخليجية - السويسرية، أكد الأمير عبد العزيز أن القارة الأوروبية ومنطقة الخليج جمعتهما الكثير من الروابط التاريخية والسياسية والاستراتيجية لعقود طويلة، بل لا تزال الكثير من المصالح الاقتصادية والتجارية قائمة بين الطرفين، وأنه منذ بدايات القرن السادس عشر استقبلت سواحل الخليج العربي الكثير من السفن التجارية الأوروبية التي لم تحمل معها فقط البضائع التجارية والمؤن بل إنها حملت معها أيضا الكثير من الأفكار التي تلاقت مع أفكار أهل المنطقة الأمر الذي جسر هوة الاختلاف الثقافي القائم بين الحضارتين، وقال «إذا كان التاريخ القديم يشهد على عمق العلاقات بين أوروبا ومنطقة الخليج العربي فإن التاريخ الحديث يشهد على النمو والتطور المتسارع في وتيرة هذه العلاقات في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية».

وبين أنه على الرغم من أن منطقة الخليج العربي فإن الوقت الراهن يزخر بفرص واعدة تبشر بالتطور والنمو والازدهار، نتيجة للسياسات الحكيمة لقيادات هذه الدول لتسخير مداخيلها المالية لتنمية الإنسان وتحقيق التنمية في هذه المجتمعات.

وتحدث عن علاقات بلاده وسويسرا، التي أوضح أنها تتسم منذ تأسيسها بالعمق والمتانة والتواصل الدائم بين حكومتي وشعبي البلدين، وهو ما ينعكس إيجابا على العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وخصوصا في قطاعات الصناعات الكيمائية والأدوية والمنتجات الصيدلانية، وفي مشاريع نقل الطاقة وتطويرها ولا سيما في مجال الكهرباء بالإضافة إلى قطاع الخدمات مثل المؤسسات المالية والاستشارات التقنية.

وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين الجانبين وصل إلى ما يقارب 4 مليارات دولار «وهو الأمر الذي لا يرقى إلى مستوى طموحاتنا، ومن هذا المنطلق أدعو إلى زيادة النشاطات التجارية بين البلدين خصوصا في ظل تميز البيئة الاستثمارية في المملكة بالتطور المستمر وهو أمر يمثل عامل جذب هاما للاستثمار الأجنبي».

وفيما يخص أمن الطاقة أكد أن بلاده لم تألُ جهدا في السعي لتحقيق الاستقرار في أسواق البترول العالمية بما يخدم استمرار مسيرة النماء للاقتصاد العالمي، وفي هذا الصدد لا يمكن إغفال أن أمن الطاقة لا يقتصر على أمن الإمدادات لكن يتعداه إلى أمن الطلب أيضا وتلافي التذبذب في الأسعار، وعدم استهداف البترول بضرائب تمييزية، و«استشعارا منها بأهمية ذلك أعلنت بلادي عن تخصيص مبلغ 500 مليون دولار تقدم على شكل قروض ميسرة لتمويل مشاريع الطاقة في الدول النامية، كما أعلنت خلال قمة أوبك التي عقدت في الرياض عن تبرعها بمبلغ 300 مليون دولار لإنشاء صندوق خاص لأبحاث الطاقة والبيئة والتغير المناخي، بالإضافة إلى أن المملكة تستضيف مقر الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في مدينة الرياض للحوار بين المنتجين والمستهلكين للطاقة، الذي تم التوقيع على ميثاقه خلال الاجتماع الوزاري لوزراء الطاقة الذي عقد في الرياض يوم 22 فبراير (شباط) 2011م».

وعد الأمير عبد العزيز بن عبد الله بلاده من أكبر الدول المانحة وشريكا رئيسا في التنمية الدولية، بحسب التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن المملكة تتصدر دول العالم بالتبرعات الخيرية لتمويل عمليات الإغاثة الإنسانية لعام 2008م، ويقدر إجمالي المساعدات التي قدمتها للدول النامية خلال الثلاثين عاما الأخيرة بأكثر من 103 مليارات دولار استفادت منها 95 دولة نامية، وبما يتجاوز النسبة المستهدفة للعون الإنمائي من قبل الأمم المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي للدول المانحة البالغة 0.7%.

وأشار نائب وزير الخارجية إلى أن اختلاف الثقافة بين مجتمع وآخر سمة طبيعية لكن هناك الكثير من السمات المشتركة التي تجمع بين أبناء البشرية في كل أنحاء المعمورة قوامها احترام الآخرين ومعتقداتهم والالتزام بمبدأ السلام، مبينا أن الروابط التاريخية بين المجتمعات أثمرت عن ترسيخ فهم مشترك وعلاقات مميزة تؤكد في مضامينها على ضرورة مواصلة العمل لتعميق أواصر العلاقات بين الشعوب على أسس من الحوار والتفاهم وتنمية ثقافة الاحترام المتبادل بين كل المعتقدات الدينية ورموزها، وقال «عملت حكومة بلادي وما زالت، على تبني مبدأ الحوار بين الحضارات والثقافات وإيجاد آليات لتعميق التفاهم بين الشعوب وتعزيز التعاون والسلم المبني على الاحترام الديني والثقافي المتبادل بين المجتمعات الإنسانية، واستنادا لذلك جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود للحوار بين أتباع الأديان والثقافات عام 2008م التي أثمرت مؤخرا عن افتتاح مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا، والذي نرجو أن يكون الباعث لحوارات مستنيرة تتناول القضايا التي تشغل اهتمامات المجتمعات الإنسانية مثل انتشار الظلم والفساد واتساع دائرة الآفات الاجتماعية والأزمات الصحية والمشكلات البيئية والأزمات الاقتصادية».

وشدد في كلمته على أن ظاهرة الإرهاب الدولي «باتت مصدر خطر على الجميع، وما زالت الأعمال الإرهابية تختبر تصميمنا على محاربتها وتمتحن عزيمتنا على التصدي لها. وإن بلادي باعتبارها من الدول المستهدفة بالإرهاب، قد أدانت الإرهاب بكل أشكاله وصوره، وحققت نجاحات ملموسة في التصدي له»، مستطردا بأن بلاده انضمت إلى كافة الاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، وعقدت المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب بمدينة الرياض عام 2005م الذي تبنى مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، تحت مظلة الأمم المتحدة «حيث إن تبادل المعلومات في وقت مبكر والخبرات هو الطريق الأمثل لاستباق خطط الإرهابيين الشريرة وتجفيف مصادر تمويلهم ومواجهة فكرهم المتطرف».

وأشار إلى أنه تأكيدا لدور بلاده الفعال في هذا المجال فإن السعودية قدمت 10 ملايين دولار لإنشاء المركز، كما أعلن خادم الحرمين الشريفين أخيرا عن تبرع الرياض بـ100 مليون دولار لدعم أعمال المركز الدولي لمكافحة الإرهاب وتفعيله تحت مظلة الأمم المتحدة. ومن المهم في هذا الصعيد إعادة التأكيد على أنه لا يوجد دين يدعو إلى الإرهاب، وأن الأديان كلها تدعو إلى القيم النبيلة والتسامح والتعاون والحوار البناء لصالح المجتمع البشري ولا يصح تحميلها أوزار بعض الضالين من المنتسبين إليها.

وتطرق إلى مجال حقوق الإنسان في السعودية، التي أكد أنها قد حققت إنجازات كثيرة في هذا المجال مستمدة من المبادئ والتشريعات الإسلامية السمحة باعتبارها دستورا لها، وقال «تمشيا مع التطورات الدولية في هذا المجال فقد قامت المملكة خلال العقدين الماضيين بالانضمام إلى الكثير من الاتفاقيات الدولية والإقليمية الرئيسة لحقوق الإنسان، وإلى عدد من الأجهزة الدولية لحقوق الإنسان، وإنشاء الهياكل الوطنية الرئيسة - الحكومية وغير الحكومية - لحقوق الإنسان، وحققت الكثير من الإنجازات والجهود في مجال حقوق ووضع المرأة وحقوق الطفل داخليا ودوليا، وموافقة خادم الحرمين الشريفين على برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان بالمملكة، وتعزيز ودعم علاقة السعودية بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومساهمتها في البرامج الإنسانية التنموية الدولية وبما يتفق مع إعلان الأهداف التنموية للألفية التابعة للأمم المتحدة، حيث أعلنت عن تقديمها مبلغ مليون دولار سنويا ولمدة خمس سنوات لدعم أنشطة وبرامج المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة من أجل تعزيز مجال حقوق الإنسان».

وتناول ما تعيشه منطقة الشرق الأوسط حالة الاضطراب وعدم الاستقرار، على الرغم من ما لها من أهمية تاريخية وحضارية واقتصادية فهي تتوسط قارات العالم وجسر بين الشرق والغرب، واستقرارها ونموها ينعكس إيجابا على العالم أجمع، «إلا أنه وللأسف الشديد تعيش هذه المنطقة منذ عقود في اضطراب وعدم استقرار وتدركون معي أن من أهم أسباب هذه الأوضاع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وعلى الرغم من كل المبادرات التي طرحتها الدول العربية لإحلال السلام في المنطقة فإن إسرائيل ضربت في عرض الحائط كل محاولات التسوية وإعادة الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية ويزيد من إصرارها في تأزيم الوضع بناء المستوطنات في محاولات دؤوبة لزيادة الاستيطان وقطع كل الآمال في دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا ينعم فيها الشعب الفلسطيني بالحياة الكريمة مثل بقية شعوب العالم، ومما زاد من تدهور الأوضاع في المنطقة اشتعال الأزمة في سوريا وإمعان النظام السوري في زيادة القتل للشعب السوري بجميع أنواع الأسلحة، ومما زاد في مأساة هذا الشعب الباحث عن الحرية وحقوقه تقاعس المجتمع الدولي وعدم الوقوف بحزم تجاه ما يجري في سوريا».

وقال «إننا في هذا الجزء الهام من العالم ننشد الأمن والسلام والاستقرار الذي هو حق لشعوب هذه المنطقة مثل ما تنعم به شعوب العالم الأخرى وننادي من هذا المنبر جميع القوى والهيئات الدولية الفاعلة أن تساعد على إحلال السلام والاستقرار في هذه المنطقة ليس من منطلق مصالحها وأمنها فقط لكن كحق لشعوب المنطقة».