حكومة المالكي تستحضر بطش الماضي لصرف الأنظار عن إخفاقاتها

اتهامات لها بمحاكاة القمع الذي مارسه نظام صدام

TT

في هذه الأيام في العراق دائما ما تتوافر الشواهد المدعومة من الحكومة على فظائع حكم صدام حسين. ففي مكتب وزير حقوق الإنسان، تعرض الواجهات المحاطة بالزجاج ملابس ملطخة بالدماء جرت استعادتها من مقابر كبيرة. كما تخطط الحكومة لافتتاح متحف يحيي ذكرى ضحايا النظام السابق وانتهاكات الماضي المؤرخة.

قد يبدو الأمر كمحاولة رائعة لمساعدة العراقيين في التعامل مع ماضي العنف الطائفي المؤلم في بلدهم لو لم يقع عدد كبير من أعمال العنف المماثلة عبر أنحاء البلاد هذا العام، حسبما يشير مدافعون عن حقوق الإنسان.

وفي ظل الانفلات الأمني المتفاقم، يقول عراقيون إنه يتضح أكثر فأكثر مع كل قصف أو تفجير وكل موجة عنف جديدة أن قوات الأمن المدربة على أيدي الأميركيين ليست فعالة، والأسوأ من ذلك أنها أصبحت مصدرا متزايدا للانتهاكات.

ويتبدد الأمل في الاستقرار تحت قيادة رئيس الوزراء نوري كامل المالكي، الذي تعهد بأن يكون قائدا لكل العراقيين، ليفسح المجال لمخاوف من أن تحاكي حكومته العديد من الأساليب القمعية التي عانى منها جمهور ناخبيه الشيعة في ظل النظام السابق. فمع شن جماعات مسلحة سنية تفجيرات أكثر تدميرا هذا العام، ردت قوات المالكي بأشرس عمليات القمع، بما في ذلك، بحسب نشطاء حقوقيين، حملات اعتقال السنة دون تمييز واستخدام أسلوب التعذيب لانتزاع الاعترافات والاستغلال المشين لشهادات المخبرين السريين في كيل اتهامات وطلب رشاوى بشكل متكرر من أسر المعتقلين.

لقد بدأ المواطنون، الذين أحبطهم عجز قوات الأمن عن حمايتهم، يأخذون الأمور على عاتقهم، على نحو يكشف عن وجه جديد للاضطراب في البلاد. فمع معاناة بغداد من يوم آخر من التفجيرات الأسبوع الماضي، هاجم جمع غاضب في ضاحية شيعية رجلا يتهم أفراد منتمون إليه بزرع قنبلة في سيارة. وقاموا بضربه وطعنه ليلقى مصرعه، ثم ربطوا جثته بسارية علم وأشعلوا فيها النيران. أظهر مقطع فيديو تم التقاطه بهاتف جوال وبث على شبكة الإنترنت قوات الأمن تراقب المشهد ولا تحرك ساكنا.

علاوة على ذلك، فإنه مع استجابة المزيد من العراقيين، السنة والشيعة، لنداء الانضمام إلى الأطراف المتناحرة في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، أصبح من الأسهل الاعتقاد بأن الولاء الطائفي ربما يتجاوز الحدود الوطنية. يبدو العنف أقرب من أي وقت مضى، بحسب العديد من العراقيين، إذ ينحرف مفهوم مجتمع موحد عن مساره.

وفي خضم كل هذا، شاركت الحكومة بشكل متزايد في التطبيق المبدع للتاريخ، بحسب محللين. ففي وقت سابق من هذا العام، وبعد أن أسفر قمع دموي لمظاهرة للسنة في شمال العراق عن سقوط قتلى واندلاع معارك ضارية بين قوات الأمن التابعة للنظام وميليشيات السنة، بثت المحطات التلفزيونية الرسمية أفلاما وثائقية عن جرائم حزب البعث، الأمر الذي دعا المنتقدين لاتهام الحكومة بمحاولة صرف الانتباه عن أساليبها العنيفة.

وقال حميد فاضل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، إن إشارات الحكومة المستمرة إلى فظائع العيش تحت حكم نظام صدام كانت جزءا من استراتيجية علاقات عامة تهدف إلى إخفاء أوجه إخفاق المالكي في توفير خدمات أساسية مثلا الكهرباء والأمن. ويضيف قائلا «تحاول الحكومة إظهار أن الخيار الآخر أمام هذه الحكومة الديمقراطية سيتمثل في عودة البعثيين وتعذيب المدنيين».

غير أن منظمة «هيومان رايتس ووتش» وغيرها من المنظمات الأخرى، بما فيها وزارة الخارجية الأميركية، مستمرة في توثيق وقائع تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان في ظل الحكومة العراقية الحالية. وتعتبر اللغة التي يستخدمها العديد من السنة لوصف عمليات الأمن الأخيرة مماثلة لتلك التي تستخدمها الحكومة في عرضها أفعال الحكومة السابقة. على سبيل المثال، وصف وليد محمدي، وهو مشرع سني، أفعال الحكومة بأنها تشجع على «الطائفية» و«الوحشية».

وكتب معهد دراسة الحرب، في بحث نشر مؤخرا، أن «الطائفة السنية العراقية كانت تزعجها الاعتقالات للرجال السنة من دون تمييز». وجاء في البحث أنه «على الرغم من هذه الحملة، استمر تنظيم القاعدة في إظهار قدرته على العمل وشن الهجمات في بغداد والمناطق المحيطة».

وقبل فترة، حذرت مجموعة الأزمات الدولية من «حرب أهلية طائفية جديدة»، وذكرت أن استراتيجية «انتهاج إجراءات أمنية أكثر عنفا من شأنها أن تزيد من تفاقم الوضع».

وتتجلى أصداء تلك الاحتمالية في صور التعبير عن الغضب من جانب سنة بارزين. فقد أصدر أسامة النجيفي، رئيس البرلمان، أخيرا بيانا يشجب فيه موجة الأعمال القمعية من جانب النظام، واصفا إياها بأنها «أعمال استفزازية تنفذ يوميا ضد سكان تلك المناطق». وأضاف النجيفي «يجب ألا يأتي تنفيذ القانون على حساب حياة العراقيين، أو كرامتهم أو أملاكهم».

وقد ارتدى المالكي عباءة مقاتل ضد الإرهاب، ليقوم بما يتعين عليه القيام به. وفي خطاب أخير، تعهد قائلا «لن نتهاون في مواجهة الإرهابيين». وأشار إلى أن الحكومة اعتقلت أخيرا 800 شخص «وقتلت عشرات الآخرين في اشتباكات مع قوات الأمن، التي دمرت أيضا البنية التحتية التي يستخدمونها في تصنيع أدوات القتل والتفجيرات، واستحوذت على أعداد ضخمة من الأسلحة المعقدة والمتفجرات».

الآن، يقول الكثيرون من السنة إنهم اعتادوا على الشعور بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، تماما مثلما كان يشعر الشيعة في ظل النظام السابق. ويقول حكيم الأعظمي، العاطل البالغ من العمر 54 عاما ويعيش في منطقة الأعظمية السنية في بغداد «لست مندهشا مما يحدث». ويضيف «إنهم يستغلون السنة ويزيدون خصومهم السياسيين». وقال إن الحكومة ضغطت على السنة لتوفير معلومات استخباراتية عن الأنشطة الإرهابية. وتحدث قائلا «بعدها، هناك التفجيرات، ويتهم السنة بأنهم إرهابيون، ويبدأون في اعتقالهم».

ورغم ذلك، فإن التفجيرات أصبحت أكثر تدميرا وتكرارا، بغض النظر عن الإجراءات الأمنية الأشد قسوة. ويتناقص عدد العراقيين، بمن فيهم الشيعة، الذين يعربون عن ثقتهم في قدرة القوات الأمنية على إبقائهم آمنين.

وتحت الحصار، يبحث المالكي عن تعزيزات. ومن خلال قيامه بهذا، يستقي مباشرة من صفحة في كتاب سجل النظام القديم الشيطاني. فقد ظهرت دعوة أخيرا في وسائل الإعلام الإخبارية المحلية تحث ضباط القوات الخاصة السابقين ومدربيهم، ممن يحملون رتبة رائد أو أقل، على تلبية احتياجات بلدهم وزيارة الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع لإعادة التقدم بطلب للانضمام للخدمة العسكرية. وكانت تلك القوات الخاصة من بين أكثر القوات المهيبة لدى صدام، وتحملت المسؤولية عن أفظع الجرائم التي ارتكبت ضد الشيعة في العراق.

* خدمة «نيويورك تايمز»