اليمين الفرنسي يأخذ على الرئيس هولاند ارتباطه بـ«العربة الأميركية»

رئيس الحكومة: استخدام الأسد للكيماوي أعادنا مائة سنة إلى الوراء

TT

في وقت واحد ولكن في جلستين منفصلتين، واحدة لمجلس النواب وأخرى لمجلس الشيوخ، استمع ممثلو الشعب الفرنسي لرئيس الحكومة ووزيري الخارجية والدفاع يعرضون سياسة بلادهم إزاء الأزمة السورية وخطط باريس العازمة على التمسك بالخيار العسكري. وبينت المداخلات أن ما يشبه «الإجماع الوطني» الذي برز بين الأحزاب (باستثناء أحزاب الأطراف يمينا ويسارا) في الأيام الأولى التي أعقبت استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع في 21 أغسطس (آب) انهار بعدما تبين للجميع أن بلادهم بقيت وحدها في الميدان عقب انسحاب بريطانيا من الضربة العسكرية وتلكؤ الرئيس الأميركي باراك أوباما.

بيد أن الاختلاف الأساسي في المسار القانوني بين فرنسا من جهة وبريطانيا والولايات المتحدة من جهة أخرى يكمن في أن جلستي البرلمان الفرنسي لم تنتهيا بعملية تصويت لأن الدستور لا يلزم الرئيس بالحصول على ضوء أخضر من البرلمان طالما أن العمليات العسكرية التي قد يأمر القيام بها بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الفرنسية ضد أهداف في سوريا لا تتجاوز الأشهر الأربعة.

ولم تخرج مناقشات البرلمان بعد ظهر أمس بجديد. ففي الكلمة التي ألقاها أمام النواب، استعاد جان مارك أيرولت الحجج الأساسية التي استخدمتها باريس منذ البداية لتبرير الحاجة لتوجيه ضربة عسكرية لنظام الرئيس الأسد حتى من غير قرار من مجلس الأمن. فالحكومة الفرنسية تعتبر أن عدم الرد على «أوسع مجزرة كيماوية في القرن الحادي والعشرين» سيهدد من جهة الأمن والسلام في المنطقة كلها وسيشجع، من جهة أخرى، نظام الأسد على اللجوء مجددا إلى هذا السلاح المخيف فضلا عن أنه «يشكل رجوعا مخيفا إلى الوراء في إشارة إلى ما شهدته الجبهة الفرنسية من استخدام ألمانيا للغازات السامة في الحرب العالمية الأولى. ولأن فرنسا «متيقنة» من الأدلة التي لديها من مسؤولية النظام عن «المجزرة الكيماوية» ولأن استخدام السلاح الكيماوي خروج على الشرعية الدولية ونقض لمعاهدة عام 1925 ولمعاهدة عام 1993. ولأن معاقبة النظام «المجرم» وردعه واجب إنساني وأخلاقي وسياسي رغم تعطل مجلس الأمن، فقد أكد رئيس الحكومة أن باريس «ستتحمل كافة مسؤولياتها» بالنظر «للقيم» التي تدافع عنها ولأن «إشاحة النظر عن البربرية لا يشكل حلا». وأخيرا اعتبر أيرولت أن الضربة العسكرية هي الطريق للحل السياسي الذي «ما زالت فرنسا تبحث عنه». وفي رأيه أنه طالما النظام يعتبر أنه قادر على «الحسم» عسكريا، فلن يذهب للتفاوض.

أما صورة التدخل، فقد أكد أيرولت أن بلاده «لن تتدخل وحدها» وهي تريد بناء أوسع تحالف دولي يضم فرنسا والولايات المتحدة الأميركية ودولا من المنطقة (في إشارة إلى تركيا بشكل خاص) والجامعة العربية ويحظى بدعم أوروبي. وأكد أيرولت أن الرئيس هولاند «لن يتخذ القرار الأخير (أي تنفيذ التهديد بالعمل العسكري) إلا بعد تشكيل التحالف» الذي اعتبره «شرطا للمبادرة» ولأن فرنسا «لن تتدخل وحدها».

ويأتي التركيز على بناء التحالف لسببين: الأول، التحسب لما قد تؤول إليه المعركة التي تخوضها الإدارة الأميركية في الكونغرس. ويعني كلام رئيس الحكومة، عمليا، أن باريس لن تقدم على أي عمل عسكري من غير الولايات المتحدة الأميركية. والثاني، حاجة الحكومة للرد على إحدى أهم حجج المعارضة الفرنسية التي تأخذ عليها «عزلتها» الأمر الذي ركز عليه بقوة كريستيان جاكوب، رئيس مجموعة نواب حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني المعارض. ورجحت مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن تعود الحكومة إلى البرلمان طلبا للتصويت على عزمها المشاركة في عمل عسكري ضد سوريا في حال نجحت الإدارة في انتزاع الموافقة نفسها من الكونغرس. وقالت هذه المصادر إن الحكومة «لن تغامر» بطلب الموافقة البرلمانية لأن ذلك سيضعها في موقف حرج إذا حصلت على الدعم البرلماني الذي تريده في حال أجبرت الإدارة الأميركية على التخلي عن خططها بسبب الكونغرس.

وحرص رئيس الحكومة على تأكيد أن بلاده «تتمنى رحيل الأسد ولكن في إطار حل سياسي تستمر باريس في العمل من أجله» أي أن غرض الضربة ليس إسقاط النظام مستبعدا بشكل مطلق وكما الطرف الأميركي إرسال قوات أرضية إلى سوريا. أما إذا وجدت باريس نفسها وحيدة في الميدان، فإن الخطة «ب» التي ستعمل عليها هي مساعدة المعارضة السورية عسكريا الأمر الذي أشار إليه الرئيس هولاند أول من أمس.

بيد أن هذه الحجج لم تقنع حزب المعارضة الرئيسي (الاتحاد من أجل حركة شعبية) الذي أخذ على الرئيس والحكومة «عزلة فرنسا الحادة» مقارنة مع الدعم الذي حظيت به قبل وأثناء التدخل العسكري في ليبيا. وكذلك أخذ كريستيان جاكوب على هولاند «ربط فرنسا بالعربة الأميركية» وهي حجة تقليدية لليمين الفرنسي الديغولي المتمسك بأهداب السيادة الوطنية المطلقة رغم أن الرئيس ساركوزي اليمين هو من أعاد باريس إلى القيادة الأطلسية العسكرية الموحدة. وقال جاكوب بلهجة حازمة: «نحن حلفاء للولايات المتحدة ولسنا تابعين» الأمر الذي أثار موجة تصفيق حادة داخل صفوف اليمين.

بيد أن المأخذ الأكبر لليمين هو ما يعتبره خروج الحكومة على الشرعية الدولية بسبب عزمها على العمل العسكري من غير قرار من مجلس الأمن الدولي ما يجعل اليمين الفرنسي في خط واحد مع روسيا وإيران وكل الرافضين للتدخل من غير انتداب دولي واضح. ونبه جاكوب رئيس الحكومة من أن تخطي شرعية الأمم المتحدة يرتب على فرنسا «مسؤولية كبرى» وهي التي كانت تتمسك تقليديا بأهداب الشرعية الدولية ووقفت بوجه الولايات المتحدة وبريطانيا قبل عشرة أعوام وحرمتهم من قرار يجيز لهم التدخل العسكري في العراق.

وطالب جاكوب بـ«ثمن» هو أن تعود الحكومة أما البرلمان وتطرح سياستها على التصويت في حال عزمها على التدخل من غير انتداب دولي.