زنجبار المعتمدة كليا على السياحة تخشى هاجس الإرهاب

سكان يرفضون فرضية تورط أحد أبنائهم في الهجوم ضد بريطانيتين بمادة حمضية

شبان يؤدون حركات استعراضية أمام سياح في أحد شواطئ جزيرة زنجبار (نيويورك تايمز)
TT

بدأ سعيد علا التدريب في وقت مبكر على العمل في مهنة السياحة في زنجبار. فعندما كان شابا اعتاد الذهاب إلى متنزه شهير يطل على المحيط الهندي، وكان واحدا من المعروفين باسم «شبان الممارسة» الذين يتعلمون اللغة الإنجليزية عن طريق الحديث مع السائحين.

وبعدما تعلم سعيد اللغة الإنجليزية، عمل سائق سيارة أجرة ومرشدا سياحيا للسائحين الذين يتوافدون على الجزيرة كل صيف للسباحة بين الشعاب المرجانية واستكشاف مزارع التوابل والتجول حول أنقاض الأيام الخوالي عندما كانت زنجبار عاصمة لسلطنة عمان.

ومثله مثل نحو اثني عشر مرشدا سياحيا تجمعوا في الآونة الأخيرة على حافة الحديقة في مدينة ستون تاون التاريخية، لم يكن سعيد على استعداد لأن يصدق أن أحد السكان المحليين يمكن أن يكون وراء الهجوم بمادة حمضية الشهر الماضي على فتاتين من بريطانيا في الثامنة عشرة من عمرهما، وهو ما أساء لصورة الجزيرة المعروفة باسم «جنة العطلة».

وقال سعيد: «لسنا بهذا الغباء»، في إشارة إلى اعتماد تلك الجزر على عائدات السياحة، مضيفا أنه لولا المتنزهون ومرتادو الشواطئ الذين يفدون للجزيرة «لأكلنا العشب في نهاية اليوم».

واتفق على عبد الكريم، وهو مرشد سياحي أيضا، مع نفس الرأي، قائلا: «هذه هي حياتنا. نحن نعتمد على السياحة». وكانت هناك همهمات بالموافقة على تلك الكلمات من باقي المرشدين السياحيين الواقفين حول عبد الكريم. وقال مرشد سياحي آخر: «لو نعرف من قام بهذا الفعل، لكنا أول من يعاقبه».

يخشى سكان زنجبار من أن يقال إن الهجوم على الفتاتين البريطانيتين كان بسبب التطرف الديني وأن يتم الإعلان أن الجزيرة، التي يشكل المسلمون غالبية سكانها، منطقة معادية للغربيين. وقد عزز هذا الهجوم المخاوف من ربط ما حدث باكتشاف أن أحد المتورطين في الهجوم على السفارة الأميركية في مدينة دار السلام التنزانية عام 1998 كان من جزيرة بيمبا، وهي إحدى الجزر الرئيسة التي تشكل زنجبار.

وخلال السنوات الأخيرة، دعت جماعة تطلق على نفسها اسم «الصحوة» إلى الإعلان عن استقلال زنجبار وأن يتم تطبيق الشريعة الإسلامية بها، كما جرى إحراق الكنائس وتعرض كهنة في زنجبار إلى هجمات خلال العامين الماضيين، وقد قتل أحد هؤلاء الكهنة. وفي البر الرئيس، تم إلقاء القبض على رجل دين متشدد يدعى الشيخ بوندا عيسى بوندا بتهمة التحريض على الاضطرابات بعد وقت قصير من الهجوم على الفتاتين البريطانيتين.

في زنجبار، يجلس السائحون مرتدين الشورت تحت أشعة الشمس مع النساء اللاتي يرتدين عباءات، أما في مدينة ستون تاون، فيتناول السائحون الكحوليات غالبا في المطاعم والحانات بعيدا عن أنظار السكان المحليين. وكانت هناك هجمات في الماضي ضد الحانات الصغيرة التي تخدم الأحياء المحلية، لكن لم يكن هناك استهداف للسياح أنفسهم أو الأماكن التي يترددون عليها.

وقال إسماعيل جوسا، وهو أحد سكان زنجبار وفي العقد السادس من عمره ويمثل مدينة ستون تاون في مجلس نواب زنجبار: «لكي نكون صادقين، ما حدث كان صدمة بالنسبة لنا. لم يحدث من قبل أن جرى الاعتداء على أي شخص أجنبي هنا».

تجذب زنجبار، التي تقع في منتصف الطرق الملاحية في المحيط الهندي، الكثير من الأفارقة والإيرانيين والعرب إلى سواحلها منذ عدة قرون. وكانت زنجبار خاضعة لحكم البرتغاليين والعمانيين والبريطانيين على التوالي، قبل أن تستقل عام 1963. وفي العام التالي، دخلت الجزيرة في اتحاد مع تنغانيقا ليكونا سويا جمهورية تنزانيا الاتحادية.

وقد اكتسبت الحملة المطالبة بالاستقلال، أو على الأقل الحكم الذاتي بعيدا عن البر الرئيس، زخما جديدا بعدما بدأ الساسة والحقوقيون العمل العام الماضي على صياغة دستور جديد. وقال جوسا: «عندما بدأت عملية مراجعة الدستور، قال سكان زنجبار إن هذا هو الوقت المناسب للاستقلال»، مضيفا أنه يفضل أن يكون لزنجبار عملتها الخاصة وأن يكون لها مقعد في الأمم المتحدة وفريق في الأولمبياد، ولكن يجب أن تكون هناك سياسة دفاعية وأمنية مشتركة مع البر الرئيس. واستطرد جوسا قائلا: «كلما جرت إعاقة هذه المسألة، زاد الغضب في نفوس جيل الشباب».

وقال القس قزماس شايو، الذي جاء إلى زنجبار عام 1976 وأصبح كاهنا كاثوليكيا في العام التالي، إن عددا قليلا من سكان زنجبار كانوا يفرقون أيام حكم الحزب الواحد بين السكان المحليين وسكان البر الرئيس، الذي يمثل المسلمون أقلية به، إلا أن هذه التفرقة ازدادت عمقا بعد إصلاحات التعددية الحزبية عام 1992. وأضاف شايو، الذي أصبح الآن كاهنا في كاتدرائية سانت جوزيف الكاثوليكية في ستون تاون: «المسلمون يجاهرون بالحديث ضد المسيحية. ويعتقد البعض أن التخلص من الكهنة والأساقفة سوف يقضي على الاتحاد».

تعرضت كنيستان إلى الحرق في مايو (أيار) 2012 في خضم أعمال الشغب بعد أن اعتقلت الشرطة قادة الجماعة الانفصالية المعروفة باسم «أوامشو». وفي يوم عيد الميلاد العام الماضي، جرى إطلاق النار على كاهن وأصابت الرصاصة فكه ونجا من الموت، قبل أن يقتل كاهن آخر يدعى إيفاريستوس موشي، في السابع عشر من شهر فبراير (شباط).

وخلال قداس الأحد في كاتدرائية سان جوزيف، وقف بعض الشبان في الخارج يراقبون الغرباء. وقال شايو: «ضع كل هذه الأمور سويا، وسوف تستنتج أمرا ما. يمكن أن يكون الدافع دينيا ويمكن أن يكون سياسيا».

ومع ذلك، لم تحظ الاضطرابات في زنجبار باهتمام كبير خارج تنزانيا قبل الهجوم على اثنتين من المدرسات البريطانيات المتطوعات في السابع من أغسطس (آب) الماضي، عندما أقدم رجلان يستقلان دراجة نارية على إلقاء مادة حمضية على الفتاتين أثناء سيرهما في ستون تاون، مما أدى إلى حرق وجهيهما وصدريهما وأيديهما بشدة. وبعد ذلك، ابتسم الرجلان وانطلقا بسرعة.

تلقى عبد الصمد أحمد، وهو رئيس جمعية زنجبار للمستثمرين السياحيين، مكالمة بعد وقت قصير من الهجوم وهرع إلى الفندق الذي تم نقل الفتاتين إليه. وقال أحمد إنه كشخص ذهل لقسوة الهجوم، وكمستثمر فإنه مرعوب من العواقب. ومثله مثل الكثير من سكان زنجبار، لا يعتقد أحمد أن التطرف المتنامي هو المسؤول على ذلك، معربا عن اعتقاده أن الهجوم شخصي. وأضاف: «لا، إنه ليس اضطهادا دينيا، ولا يتعلق بكون المسلمين لا يحبون المسيحيين».

ويرى المرشدون السياحيون الموجودون بالمتنزه أن هذه مؤامرة لإبعاد السائحين عن زنجبار، وقد تكون من تدبير المنافسين على الساحل الكيني، أو عن طريق التنزانيين في البر الرئيس لعرقلة جهود الاستقلال. وقال سعيد: «يمكن أن تكون هذه المشكلة سياسية لتشويه صورة زنجبار».

* خدمة «نيويورك تايمز»