نجاة وزير الداخلية المصري من محاولة اغتيال بعبوة ناسفة

اللواء إبراهيم عدَّها «بداية موجة إرهابية».. و«الإخوان» استنكروا

رجال شرطة ومواطنون حول موقع الانفجار الذي استهدف موكب وزير الداخلية المصرية بضاحية مدينة نصر أمس (أ.ب)
TT

نجا وزير الداخلية المصري، اللواء محمد إبراهيم، أمس، من محاولة اغتيال فاشلة بعبوة ناسفة زرعت على جانب الطريق بالقرب من منزله بمدينة نصر (شرق القاهرة). وأسفر الانفجار عن إصابة 21 شخصا، وصفت حالة أحدهم بالخطيرة، بحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، اللواء هاني عبد اللطيف.

وأضاف عبد اللطيف لـ«الشرق الأوسط» أن «11 مدنيا أصيبوا جراء الانفجار، بينهم طفل عمره سبع سنوات ويدعى فارس بترت ساقه، في حين أصيب 10 من أفراد الشرطة المرافقين للوزير، بينهم أمين شرطة بترت ساقه أيضا».

ونفى عبد اللطيف ما تردد عن مقتل اثنين من مستهدفي موكب الوزير أمس، مؤكدا أن عبوة ناسفة شديدة الانفجار زرعت على جانب الطريق وتم تفجيرها عن بعد، بحسب تحليل مبدئي لخبراء المفرقعات، استهدفت موكب الوزير مباشرة في شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر. وعقب نحو ساعتين من التفجير الذي استهدف موكبه، ظهر وزير الداخلية في لقطات بثها التلفزيون الرسمي لدى وصوله إلى مقر وزارة الداخلية في وسط القاهرة. وقال الوزير الذي بدا متماسكا، إن «الهجوم على موكبه ليس النهاية، بل بداية لموجة من الإرهاب»، مضيفا أن الحادث عودة لإرهاب الثمانينات والتسعينات، وأنه لا يستبعد تورط جهات خارجية بالتنسيق مع عناصر داخلية لإحداث حالة من الإرهاب.

وأشار اللواء إبراهيم إلى أن الآثار الارتدادية للانفجار بدت واضحة على السيارة التي استقلها، مشيرا إلى تدمير سيارات الحراسة المرافقة له.

وبينما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن محاولة الاغتيال الفاشلة، كلف المستشار هشام بركات، النائب العام، أمس، نيابة أمن الدولة بإجراء تحقيق عاجل في محاولة اغتيال إبراهيم.

وتباينت أمس المعلومات الأولية حول طبيعة العملية وطريقة تنفيذها، حتى كتابة هذا التقرير.. وفي حين أشارت الرواية الرسمية إلى «عبوة ناسفة»، بحسب اللواء عبد اللطيف، قالت مصادر النيابة، إن المعاينة الأولية أظهرت أن سيارة مفخخة كانت تنتظر على جانب الطريق، وبداخلها عبوات ناسفة انفجرت عن طريق جهاز تحكم عن بعد أثناء مرور موكب وزير الداخلية، وعثرت النيابة أثناء المعاينة على بعض «كرات البلي» داخل السيارة، بحسب مصدر قضائي، بينما أشار بيان لوزارة الداخلية نشر لاحقا إلى أنه «عثر على أشلاء بشرية بموقع الحادث، جارٍ تحديد هويتها»، وهو ما يفتح باب احتمالية أخرى أن تكون العملية «انتحارية».

كما أفادت المعاينة بأن هناك 3 مراكز للانفجار، حيث وجدت النيابة آثار فتحات في الأرض بثلاثة أماكن تبعد كل فتحة عن الأخرى نحو مترين تقريبا. وقال المصدر القضائي، إن تلك الفتحات تؤكد أن الانفجار تم عن طريق ثلاث عبوات ناسفة تم وضع اثنتين منها في مستوى ارتفاع لا يزيد على نصف متر، في حين ترجح المعاينة أن العبوة الثالثة كانت على ارتفاع أكثر من ثلاثة أمتار، وقد تكون سقطت من أعلى، وذلك نظرا لأن هناك فتحة أعمق من الأخريين.

وتعيش مصر حالة من الاضطرابات الأمنية منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو (تموز) الماضي، تحت ضغط المظاهرات الشعبية، لكن موجة من أحداث عنف دام اجتاحت البلاد، بعد أن فضت السلطات الأمنية بالقوة اعتصامين لمؤيدي مرسي، قتل خلالها المئات منتصف الشهر الماضي.

وأغلقت السلطات الأمنية الطرق المؤدية لموقع الانفجار الذي استهدف اللواء إبراهيم، وقامت بتمشيط المنطقة. وظهرت آثار التدمير على واجهة المحال التجارية ونوافذ العقارات بشارع مصطفى النحاس، وتبدت آثار الانفجار بوضوح على سيارتين تابعتين للشرطة من موكب تأمين الوزير، بالإضافة لثلاث سيارات أخرى لمواطنين كانت تقف على جانب الطريق.

وقال شهود عيان، إن دوي انفجار ضخم سمع عند الساعة العاشرة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، في حين تضاربت الروايات بشأن تبادل إطلاق نار أعقب الانفجار، فبينما قال أحد شهود العيان ويدعى محمد السيد، إنه سمع تبادلا لإطلاق النار عقب الانفجار، نفى شاهد عيان آخر يدعى شريف عبد الحميد الأمر، قائلا إن «حالة من التوتر والفوضى سادت المكان، لكن لم أشاهد أو أسمع تبادلا لإطلاق النار». وأعلنت حالة الطوارئ في البلاد في 14 أغسطس (آب) الماضي لمدة شهر، وفرض حظر التجوال في 14 محافظة مصرية لمدة 11 ساعة، قبل أن يتم تخفيفه مرتين، لكن مصادر أمنية وسياسية توقعت تمديد حالة الطوارئ لشهر آخر، عقب محاولة اغتيال وزير الداخلية.

وعقب الحادث، أكدت الرئاسة المصرية أنها «لن تسمح بعودة الإرهاب بوجهه القبيح مجددا للبلاد، وتعهدت بألا يفلت مرتكبو الجرائم الإرهابية، أيا كانت انتماءاتهم، من سيف القانون وقبضة العدالة». وقالت في بيان إنها تابعت «العملية الإرهابية التي استهدفت وزير الداخلية ومواطنين أبرياء، ترويعا للمجتمع والقائمين على أمنه، وإرهابا لإرادة المصريين في التوجه نحو مستقبلهم المستحق». وشددت على أن «مثل هذه الأحداث الإرهابية لن تثني الدولة المصرية عن عزمها على المضي في طريق المستقبل، بل تزيدها إصرارا وإيمانا وعزما على استكمال ما وعدت به من عدم السماح لكائن من كان، بأن يرهب الشعب المصري أو يقف في مسيرة مستقبله». كما أدان الجيش محاولة استهداف وزير الداخلية وقال في بيان له أمس، إن الجيش قيادة وضباطا يدينون المحاولة الآثمة لاغتيال وزير الداخلية، واعتبر المحاولة «تبعد عن روح جميع الأديان السماوية التي نزلت بالمحبة والتسامح، والتي تبتعد عن روح الشعب المصري».

وأضاف الجيش في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، ووقعه الفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة، أن تلك المحاولة الآثمة لن تؤثر على الروح المعنوية لرجال القوات المسلحة والشرطة في القبض على العناصر الإرهابية وتنفيذ الإجراءات الأمنية بكل حزم، ولكنها ستشد من أزرهم في تنفيذها بحزم للتعامل مع جميع العناصر الإرهابية في البلاد.

من جانبه، أدان مجلس الوزراء المصري برئاسة الدكتور حازم الببلاوي الحادث، قائلا في بيان له أمس، إن «الحادث الإجرامي لن يثني الحكومة عن مواجهة الإرهاب بكل قوة وحسم، وكذا الضرب بيد من حديد على كل يد تعبث بأمن الوطن، حتى يعود الاستقرار إلى ربوع مصرنا الحبيبة».

وأضاف البيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن رئيس مجلس الوزراء يتابع تطورات الحادث، والجهود الحالية لضبط الجناة وتقديمهم للعدالة، كما قام بالاطمئنان على حالات المصابين من المواطنين ورجال الشرطة.

من جانبه، قال أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت عدلي منصور، في تصريحات صحافية، إن الحادث الغاشم الذي وقع لوزير الداخلية «يدفعنا للاستمرار لمواجهة الإرهاب واستكمال النهوض بالملف الأمني». واستنكرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر محاولة اغتيال وزير الداخلية، وقال عمرو دراج القيادي في تنظيم الإخوان المسلمين وتحالف دعم الشرعية المؤيد للرئيس المعزول محمد مرسي، إنه يدين الاعتداء. وأكد دراج في بيان صادر عن تحالف دعم الشرعية، الذي تقوده جماعة الإخوان ويطالب بعودة مرسي، أمس، أن «التفجير مدان أيا كان مرتكبوه.. ونحن نؤكد مجددا منهجنا السلمي الذي توضحه كل احتجاجاتنا». وسارعت الجماعة الإسلامية، وهي أحد الفصائل الداعمة لمرسي، إلى نفي أي صلة لها بمحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها وزير الداخلية، أمس، مؤكدة إدانتها للعملية أيا كانت الجهة التي تقف وراءها. وتبنت الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي استهداف وزراء وسائحين غربيين ومسيحيين مصريين في التسعينات لإقامة دولة إسلامية في البلاد، لكن السلطات الأمنية واجهتهم بعنف وأحكمت الرقابة على تلك الجماعات، التي قام قادتها بمراجعات فكرية داخل السجون.

وقالت الجماعة في بيان لها: «تؤكد الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية (ذراعها السياسية) إدانتهما لتلك العملية أيا كانت الجهة التي تقف وراءها وأيا كانت مبرراتها، لأن تلك التفجيرات فضلا عن أنها قد تؤدي إلى إراقة دماء لا يصح شرعا إراقتها، فإنها ستفتح بابا من الصراع الدموي بين أبناء الوطن الواحد قد لا ينغلق قريبا، وهو ما يجب أن تتكاتف جميع الجهود لمنع حدوثه».

ومن جانبه، قال الشيخ إسماعيل الجن، القيادي في الجماعة الإسلامية جنوب مصر، إننا «نرفض أي محاولة لاغتيال أي قيادي أو سياسي، ومنهجنا الفكري في الجماعة يتعارض مع العنف والقتل». ودافع الجن عن «الإخوان» قائلا: «أي اتهامات موجهة للجماعة الإسلامية أو (الإخوان) أو تحالف الشرعية باطلة ولا يمكن قبولها»، رافضا توجيه أي اتهامات للإسلاميين دون دلائل، وقال الجن لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجماعة الإسلامية والجهاد ينظمون فعاليات سلمية».

وكانت جماعة معروفة باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، أحد أذرع تنظيم القاعدة، دعت في بيان أذيع على شبكة الإنترنت مطلع سبتمبر (أيلول) الحالي، المصريين لحمل السلاح ضد الجيش وقالت، إن «القمع الدموي للمحتجين الإسلاميين يبين عدم جدوى الوسائل السلمية».

وقال أبو محمد العدناني، المتحدث باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، في رسالة مسجلة، إن «جيوش الطواغيت من حكام ديار المسلمين هي بعمومها جيوش ردة وكفر، وإن القول اليوم بكفر هذه الجيوش وردتها وخروجها من الدين، بل بوجوب قتالها وفي مقدمتها الجيش المصري، لهو القول لا يصح في دين الله خلافه».

من جانبه، حذر اللواء سامح سيف اليزل، الخبير العسكري والاستراتيجي، من أن تكون عملية استهداف وزير الداخلية بداية لتوجه الجماعات المتطرفة إلى القاهرة ومحافظات مصر، بعد أن كانت تتمركز في شبه جزيرة سيناء. وأشار سيف اليزل إلى أن ذلك يشكل خطورة كبيرة على البلاد، ويعيدنا لسيناريوهات عنف وإرهاب الجماعات الإسلامية خلال فترة التسعينات من القرن الماضي، وتوقع أنه لو تمكنت هذه الجماعات من تنفيذ مخططات في القاهرة ووسط الدلتا والصعيد، سوف تمتد تلك العمليات الإرهابية لسنوات طويلة، وسيصعب السيطرة عليها.

وتابع سيف اليزل قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مطلوب الآن مد العمل بحالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر أخرى قابلة للتجديد لحين استقرار الأوضاع، وتفعيل دور أجهزة الكشف عن المفرقعات، وتمشيط الشوارع والطرق الرئيسة والعامة ووسائل المواصلات من أي مفرقعات أو قنابل».