النقص بعدد قوى الأمن في لبنان يدفع السلطات لإشراك البلديات في حفظ الاستقرار

وزير الداخلية لـ«الشرق الأوسط»: ستحد من إجراءات الأمن الذاتي المخالف للقانون

TT

ضمت السلطات اللبنانية، أمس، الشرطة البلدية إلى الأجهزة الأمنية التي تتخذ تدابير أمنية صارمة بهدف الحيلولة دون وقوع انفجارات لا يزال التهديد بوقوعها قائما، إذ أعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل إشراكها في تلك المهمات لمساندة الأجهزة الأمنية في حفظ الأمن والنظام والاستقرار وتوفير شبكة أمان تعم المناطق كافة.

ويأتي هذا القرار في وقت ارتفع فيه منسوب الخوف من تفجيرات تهز المناطق اللبنانية، بعد تفجيري بئر العبد والرويس في ضاحية بيروت الجنوبية، وتفجيري طرابلس خلال الشهر الماضي، في حين لجأت أحزاب إلى الأمن الذاتي، مثل حزب الله الذي فرض إجراءات أمنية في الضاحية الجنوبية، عقب تفجير الرويس، بينما برزت تدابير أمنية حول المساجد في بيروت وطرابلس خلال صلاة الجمعة الأسبوع الماضي. وينظر إلى القرار على أنه ضرورة، بعدما اتسعت رقعة التهديد في لبنان لتشمل مختلف المناطق اللبنانية، في وقت لا تستطيع قوى الأمن الداخلي تغطية كافة المناطق في مهمات أمنية مكثفة، حيث يصل عديدها إلى 23 ألف ضابط ورتيب وعنصر.

وأعاد شربل هذا التعاون إلى «المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان والدول الإقليمية»، مؤكدا أنها «تحثنا على ضرورة رفع مستوى الجهوزية والتعاون بين الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية من أجل مواجهة كل التداعيات المحتملة والمخاطر المحدقة بوطننا». وأشار إلى أن «هذا الاستنفار يحتمه عدم قدرة لبنان على بناء مؤسسات يمكنها حماية المواطن منذ عام 1943، ليس على مستوى الأزمات الأمنية الكبيرة فقط، بل وأيضا على مستوى الكوارث الطبيعية»، لافتا إلى أن «لبنان مستهدف بسبب الأوضاع الدقيقة بالسيارات المفخخة وربما بالعبوات الناسفة للقيام بالاغتيالات، ولذلك نعمل على تأمين الجهوز التام لمواجهة هذه الاحتمالات لمنع الأعمال الإجرامية عبر اعتماد سياسة الأمن الوقائي والاستباقي الذي يجنب البلد خضات أمنية هو بغنى عنها».

وأكد شربل أن «الأجهزة الأمنية والعسكرية رفعت مستوى التنسيق والتعاون والتكامل في ما بينها لمواكبة المرحلة الصعبة وقطع دابر الفتنة البغيضة»، مشددا على أن «لدى وزارة الداخلية احتياطا كبيرا في هذا السياق هو البلديات، وخصوصا أن رئيس البلدية ضمن نطاقه الجغرافي هو ضابط عدلي مساعد للنيابة العامة ويمكنه المساعدة في حماية المواطنين عبر حفظ الأمن والنظام ومراقبة المخلين بالاستقرار، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية».

وتأتي هذه الخطوة، بعد إعلان معظم المسؤولين اللبنانيين رفضهم لإجراءات الأمن الذاتي التي بدأت في الضاحية الجنوبية لبيروت. وأكد وزير الداخلية لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمن الذاتي ممنوع في لبنان، إذ لا يحق لغير الدولة اتخاذ إجراءات أمنية، لكن قدرات الدولة محدودة، بحيث لا تستطيع تغطية كافة الأراضي اللبنانية، مما دفعنا للاستعانة بالبلديات». ويبلغ عدد قوى الأمن الداخلي، بحسب شربل، 13 ألف ضابط ورتيب وعنصر، «نصفهم فقط فاعل على الأرض بحكم الإجازات واهتمام البعض بالقضايا الإدارية»، مشيرا إلى أن حاجة لبنان إلى العناصر الأمنية في ظل هذه الظروف «كبيرة جدا». ويفترض، أمنيا، في الحالات الطبيعية، أن يكون لكل ألف مواطن سبعة شرطيين، وإذا اعتبرنا أن عدد سكان لبنان المقيمين أربعة ملايين مواطن، فيجب أن يكون عدد الشرطيين 28 ألفا، ويزداد عند الضرورات الأمنية.

وشدد شربل على أن هذه الخطوة «ستحد من إجراءات الأمن الذاتي التي انتشرت بعد تفجيرات الضاحية وطرابلس»، لافتا إلى أن الخطة تقضي أيضا بـ«أن يتحول كل مواطن إلى خفير، ويعلم القوى الأمنية عن سيارات مشتبه فيها».

وتواجه هذه الخطوة معضلة قانونية، إذ يعتبر رئيس البلدية هو المرجع الوحيد للشرطة البلدية. وعما إذا كان التنسيق سيكون عبر خط ساخن بين شرطة البلدية والقوى الأمنية، قال وزير الداخلية إن مرجع البلديات هو مخافر قوى الأمن، بحيث يتصلون بالمخافر في حال العثور على جسم مشبوه.

وبرز تنفيذ خطة إشراك الهيئات المدنية، مثل الشرطة البلدية والدفاع المدني في الحماية، خلال الأسبوعين الأخيرين، بعد التهديدات الأمنية. واستعانت بلدية طرابلس (شمال لبنان) بالهيئات المدنية لحماية دور العبادة. ويقول رئيس البلدية نادر غزال لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نرفض الأمن الذاتي، ونؤيد أن تأخد الدولة دورها، وتعزيز القوى الأمنية، لكننا نستعين بالمدنيين عبر خلية أمنية بالتعاون أنشئت مع القوى الأمنية لحماية دور العبادة الإسلامية والمسيحية، أيام الجمع والآحاد». ولفت إلى أنه «تحقق الانضباط خلال الجمعة والأحد الماضيين، مع التشديد على عدم المبالغة بهذه الإجراءات وحصرها بأوقات الصلاة».

وينظر إلى قرار وزير الداخلية على أنه أعطى تسهيلات للبلديات لناحية الاستعانة بالشرطة الموسمية، والتعاقد مع شرطيين جدد في فترات الأزمات، على ضوء النقص بعديد الشرطة البلدية. ويقول رئيس بلدية طرابلس إن المدينة التي تمتد على مساحة 20 كيلومترا مربعا، «تحتاج إلى 450 شرطيا، بينما لا يوجد في البلدية إلا 85 شرطيا، بينهم 40 منتدبون لأعمال إدارية».

وتتفاوت إمكانات الشرطة البلدية بين المدن والقرى اللبنانية، لجهة قدرتها الأمنية، على ضوء عديدها. وتعتبر بلدية بيروت من أكبر المدن، وتليها طرابلس وصيدا، ويتفاوت عديد الشرطة فيها، بينما يصل عدد الشرطة في بعض البلدات إلى شرطي واحد.

وكان وزير الداخلية أشار إلى أن التعاون والتنسيق بين السلطة المركزية والسلطة المحلية يمكن أن يكونا في زيادة عديد عناصر الشرطة وحراس البلدية، والطلب إلى البلديات القيام بتركيب كاميرات مراقبة في المداخل والأحياء وشوارع البلدة، وعدم الاكتفاء بتسجيل التصوير على أقراص مدمجة، إنما إنشاء غرفة مراقبة للتمكن من تبادل المعلومات عند حصول أي اشتباه بصورة مباشرة مع غرف العمليات لدى القوى العسكرية والأمنية، والتنسيق بين البلديات ذات الإمكانات المادية المحدودة التي لا تخولها موازنتها استخدام العدد الكافي من عناصر الشرطة والحراس، وتزويد عناصر الشرطة البلدية بشبكة اتصال (أجهزة لا سلكية) وفقا للقوانين المرعية الإجراء، والطلب إلى البلديات التي تسمح إمكاناتها المادية شراء أجهزة رصد يدوية للكشف على الأجسام المشبوهة، وتدريب عناصر الشرطة على مهماتها، وتنفيذ دوريات مشتركة بين عناصر شرطة البلديات وقوى الأمن وتكثيف الدوريات الأمنية أمام دور العبادة وفي محيط المدارس التي عليها تركيب كاميرات، وغيرها من الإجراءات اللوجستية.