باريس مستمرة في الضغط على الاتحاد الأوروبي للحصول على تأييد لضرب النظام السوري

هولاند قدم تنازلا للأوروبيين ولمعارضته الداخلية في انتظار تقرير المحققين الدوليين

TT

قدمت باريس تنازلا مهما لشركائها في الاتحاد الأوروبي الذين تسعى لاستمالتهم وللحصول على تأييدهم أو على الأقل عدم معارضتهم في سعيها لتجميع تحالف دولي يدعم توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري عقابا له على استخدام السلاح الكيماوي يوم 21 أغسطس (آب) في ضواحي دمشق.

وأعلن الرئيس هولاند في مؤتمر صحافي في سان بطرسبورغ عقب انتهاء قمة العشرين أن باريس «ستنتظر صدور تقرير المحققين الدوليين»، وهو ما كانت طالبت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وزعماء أوروبيون آخرون الذين ربطوا موقفهم «النهائي» من الضربة العسكرية بما سيصدر عن الأمم المتحدة. وحث هولاند بدوره الأمم المتحدة على الإسراع في إذاعة النتائج.

ويشكل موقف هولاند «الجديد» مهارة تكتيكية رغم أنه يعد تحولا بالقياس لما كانت تقوله باريس حتى ظهر أمس.. فهو من جهة يرضي بعض الأوروبيين المطالبين بذلك ومن جهة أخرى ينزع البساط من تحت أرجل المعارضة الفرنسية الداخلية التي شددت على هذا الطلب كما تبين من مناقشات البرلمان يوم الأربعاء الماضي بصدد السياسة الواجب اتباعها إزاء النظام السوري.

وكان وزير الخارجية الفرنسي فابيوس الذي تحدث قبل المؤتمر الصحافي لرئيس الجمهورية قد قال إن التقرير «سيخيب آمال» البعض لأنه «لن يجيب» عن السؤال الخاص بالجهة المسؤولة والتي «لدينا بشأنها أدلة» على ضلوعها في هذه «المجزرة الكيماوية»، في إشارة إلى النظام السوري.

ويرى هولاند أن انتظار تقرير المحققين يسير بالتوازي مع انتظار قرار الكونغرس الأميركي، مؤكدا مجددا أن بلاده لن تقوم بأي عمل عسكري ضد سوريا وحدها وخصوصا من غير الولايات المتحدة. وفي حال فشل إقامة التحالف، فإن فرنسا ستعمد إلى تجهيز المعارضة السورية و«إعطائها كل الوسائل العسكرية التي تمكنها من الضغط العسكري (على النظام) وتسهيل الوصول إلى حل سياسي». ونفى هولاند تهمة المعارضة الفرنسية التي تأخذ عليه «تبعيته» لواشنطن، مشيرا إلى أن مسؤولية فرنسا في الملف السوري «متميزة» عن بقية الأوروبيين لكونها عضوا في مجلس الأمن وتتمتع بالإمكانات العسكرية التي تمكنها من التدخل.

وتوقع هولاند أن يتخلى الرئيس أوباما عن خططه العسكرية في الكونغرس في حال فشل في الحصول على انتداب منه. وأكثر من أي وقت مضى، شدد هولاند على الحاجة لبناء تحالف واسع «من كل الدول التي لا تقبل أن تستخدم دولة أو نظام الأسلحة الكيماوية».

وبينما تستمر المعارضة الفرنسية في حملتها على سياسة الحكومة في الموضوع السوري آخذة عليها «عزلتها» السياسية حتى داخل الاتحاد الأوروبي وفشلها البين في بناء تحالف دولي يتبنى نهجها المتشدد الداعي إلى توجيه ضربة، يضاعف هولاند وفابيوس جهودهما لدفع هذه التهمة وإظهار أن باريس «ليست وحدها» بل إنها تعمل من داخل «تحالف» دولي واسع. وجاء البيان الصادر عن عدد من أعضاء مجموعة العشرين عقب انتهاء قمة سان بطرسبورغ ليشد من عزيمة هولاند والحكومة الفرنسية، إذ ثمة خمسة بلدان أوروبية من بين الموقعين عليه وهي إلى جانب فرنسا، إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وتركيا، بينما بقيت ألمانيا على موقفها. وينص البيان على الدعوة لـ«جواب دولي قوي ردا على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي». وأكد البيان وجود أدلة «واضحة» تبين مسؤولية النظام. ومن غير الأوروبيين، وقع البيان الولايات المتحدة وكندا واليابان وكوريا الجنوبية والسعودية. واللافت أن النبأ جاء من واشنطن وليس من سان بطرسبورغ. وتركز باريس جهودها في المرحلة الراهنة على شركائها الـ27 داخل الاتحاد الأوروبي حيث لم تعلن أي من عواصمه تبنيها للمقاربة الفرنسية التي تقول بالحاجة لعمل عسكري لتأديب النظام وردعه عن اللجوء إلى الغازات السامة من جديد وفرض احترام المعاهدات الدولية وأخيرا تسهيل ولوج مرحلة العمل السياسي عن طريق تسريع قيام قناعة لدى الرئيس السوري قوامها أن «الحسم» العسكري غير ممكن وأنه لا حل إلا عن طريق «جنيف 2».

وتشكل اجتماعات وزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد في فيلنيوس (ليتوانيا) الأمس واليوم فرصة «ذهبية» لباريس «ليس لإقناع شركائها بدعم العمل العسكري بل لإبداء التفهم والدعم السياسي» على الأقل وفق ما أفادت به مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية. وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «تسعى لاستصدار بيان يوفر الدعم السياسي للخط الذي تنتهجه فرنسا (والولايات المتحدة) ولكن من غير تقييد يديها»، أي ربط الدعم مثلا بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي أو أن يعين تقرير المحققين الدوليين الجهة المسؤولة عن استخدام الكيماوي باعتبار أنهم «غير مؤهلين» لإصدار هذا الحكم وفق التكليف الذي تلقوه من مجلس الأمن.