باريس «مرتاحة» للتحول الإيجابي في الموقف الأوروبي

كيري يؤكد أن أوباما لم يتخد قرارا بعد بشأن انتظار تقرير المفتشين

TT

عدت مصادر دبلوماسية فرنسية أن باريس حققت في اليومين الأخيرين «اختراقات» دبلوماسية وسياسية بحيث أنها تبدو اليوم «أقل عزلة» مما كانت عليه قبل قمة العشرين في سان بطرسبورغ يومي الخميس والجمعة الماضيين.

وأشارت هذه المصادر إلى تطورين هامين, الأول، يتمثل في انضمام ألمانيا إلى الدول الأوروبية الخمس المشاركة في قمة العشرين التي وقعت «بيان الدول الـ11» الداعي إلى «رد دولي قوي» على استخدام السلاح الكيماوي. وحمل البيان النظام السوري مسؤولية اللجوء إلى سلاح دمار شامل تمنعه المعاهدات الدولية. وكانت ألمانيا رفضت التوقيع يوم الجمعة بحجة أنها تنتظر نتائج التحقيق الدولي في موضوع الكيماوي. بحسب باريس، فإن انضمام ألمانيا إلى لائحة الموقعين «مؤشر بالغ الأهمية» لما لموقفها من وزن داخل الاتحاد الأوروبي وعلى المستوى العالمي.

ويتمثل التطور الثاني الإيجابي في بيان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الـ28 الصادر في نهاية اجتماع فيلنيوس (ليتوانيا) بحضور وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وترى فرنسا أنه «مصدر ارتياح إضافي» بالنسبة إليها.

وعلى الرغم من أن البيان لا يتحدث صراحة عن دعم توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، فإنه يدعو إلى «رد قوي وواضح» على استخدام السلاح الكيماوي مع الإشارة إلى وجود «قرائن قوية» تدل على مسؤولية النظام السوري في الهجوم المذكور في ضاحيتي الغوطة الشرقية والغربية صبيحة يوم 21 أغسطس (آب) الماضي. عدت باريس صيغة البيان الصادر بالإجماع بمثابة «تقدم رئيس». وقال وزير الخارجية لوران فابيوس الذي شارك في اجتماعات فيلنيوس إنه «لأمر جيد أن تكون أوروبا متحدة» في مقاربتها للحرب في سوريا وفي طريقة التعاطي معها.

وبذلت باريس جهودا ضخمة لإسماع صوتها ورؤيتها للأمور داخل الاتحاد الأوروبي وتأكيد أنها تريد حلا سياسيا وأنها لا تستهين بالشرعية الدولية ولا مانع لديها أساسا من التوجه إلى مجلس الأمن لو كان ثمة بصيص ضوء لجهة أن يعدل الروس والصينيون عن دعمهم الثابت للنظام السوري وعن التهديد باللجوء إلى حق النقض (الفيتو) لإجهاض أي قرار تحت الفصل السابع بحق سوريا مثلما فعلوا منذ سنتين ونصف. أما حجة باريس الأخيرة فكانت أن الحل السياسي في سوريا لن يكون ممكنا طالما شعر الرئيس السوري بشار الأسد أنه قادر على الحسم العسكري وعلى استخدام أي سلاح يريد لأن المجتمع الدولي لن يحرك ساكنا.

وترى المصادر الفرنسية أن «التنازلات» التي قدمها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أول من أمس وتحديدا تعهده انتظار تقرير المحققين الدوليين قبل إطلاق أي عملية عسكرية وتأكيده أن القوات الفرنسية لن تصوب إلا على الأهداف العسكرية فعلت فعلها لدى الأوروبيين الذين قدموا لفرنسا حتى الآن «تضامن الحد الأدنى» بسبب استمرار الانقسامات العميقة داخل صفوفهم. ولم تعبر أي دولة أوروبية عن استعدادها للمشاركة في الضربة العسكرية إلى جانب القوات الأميركية والفرنسية في حال جرى تنفيذها ما. وأمس، عقد وزيرا خارجية فرنسا والولايات المتحدة الأميركية اجتماعا إضافيا في مقر الوزارة في باريس خصص للوضع السوري ولتقويم التطورات الأخيرة.

وفي مؤتمر صحافي مشترك، قال كيري إن الرئيس باراك أوباما لم يتخذ بعد قرارا بشأن انتظار تقرير محققي الأمم المتحدة بخصوص استخدام أسلحة كيماوية في سوريا، وإنه يبقي على جميع خياراته مفتوحة. وأكد سعي بلاده لعمل عسكري «محدود» يهدف إلى تقليل قدرة الأسد على استخدام الكيماوي، معتبرا أن العمل العسكري سيمهد الطريق أمام العمل السياسي في سوريا.

وبدوره، اتهم فابيوس الأسد بمحاولة تصدير الأزمة السورية إلى لبنان.

واليوم، يلتقي كيري أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي وعددا من الوزراء العرب للنظر فيما آلت إليه المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وينهي إقامته القصيرة في باريس بمؤتمر صحافي في بيت السفير الأميركي قبل أن يمر بلندن في طريق عودته إلى واشنطن.

وكما أن بادرة حسن النية التي قام بها هولاند كسرت عزلته نوعا ما أوروبيا، فإن البيان الجماعي الأوروبي من شأنه أن يساعده داخليا ولدى الرأي العام الفرنسي. وبين استطلاع للرأي نشرت صحيفة «لو فيغارو» اليمينية نتائجه أمس أن 68 في المائة من الفرنسيين يعارضون مشاركة بلادهم في العمل العسكري ضد سوريا وأن 64 في المائة يعارضونه بالمطلق ومن غير مشاركة فرنسا. وتعكس هذه الأرقام تنامي نسبة المعارضين لدى كل ألوان الطيف السياسي بما في ذلك داخل صفوف الحزب الاشتراكي «الحاكم» ولكن خصوصا لدى اليمين الكلاسيكي والمتطرف.

وقالت مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن ما تحقق في فيلنيوس وسان بطرسبورغ «خطوة أولى» ويستجيب لما تطلبه فرنسا في الوقت الحاضر وهو حصولها على الدعم السياسي الجماعي من الاتحاد الأوروبي حتى وإن لم يشر البيان صراحة إلى الضربة العسكرية. غير أنها تراهن على «تطور» بعض المواقف الأوروبية على غرار ما حصل في مالي عندما وقفت أوروبا بداية موقف المتفرج ثم شيئا فشيئا اقتربت من باريس وانتهت بتقديم الدعم اللوجستي والمادي والعسكري لها.