رئيس الحكومة الليبية: «الإخوان» حاربوني منذ البداية وسكتوا عن علاقتنا مع حكومة مرسي.. والآن ينتقدوننا

المفتي الغرياني يدخل على الخط ويطالب زيدان بالرحيل ويتهمه بالفشل

د. علي زيدان
TT

احتدمت الأزمة السياسية في ليبيا بين رئيس الحكومة الانتقالية الدكتور علي زيدان، وحزب العدالة والبناء الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، على خلفية الزيارة التي قام بها زيدان إلى القاهرة قبل يومين.

وبدا أمس أن هذه الأزمة وصلت إلى ذروتها، حيث دخل مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني على الخط، وطالب زيدان بالاستقالة بسبب «فشله في أداء المهام الموكلة ليه»، بعدما صعد زيدان من وتيرة انتقاداته الحادة واللاذعة ضد جماعة الإخوان المسلمين واتهمها بمعاداته ومحاربته.

وكان منتظرا أن يعقد حزب العدالة والبناء مساء أمس مؤتمرا صحافيا للرد على تصريحات زيدان، فيما قال مسؤولون في الحزب لـ«الشرق الأوسط» إن هناك اتجاها قويا لإعلان تجميد مشاركة الحزب في الحكومة وانسحابه منها خلال اجتماع سيعقده المكتب السياسي للحزب اليوم (الأحد).

ورفض محمد صوان، رئيس الحزب، التعليق على هذه المعلومات. وقال لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف في تصريح مقتضب، إنه يفضل الاتصال به في وقت لاحق، لافتا إلى أن مصر جارة ومحاذية لليبيا بحدود طويلة ومرتبطة معها أمنا واقتصادا وثقافة. بينما تعذر أمس الاتصال ببشير سالم الكبتي المراقب (المرشد) العام لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا.

وقال زيدان في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس بمقر الحكومة في طرابلس عقب عودته من القاهرة «ذهابنا إلى مصر تقتضيه المصلحة الوطنية، فمصر جارة وتحدنا بحدود طويلة وتربطنا بها مصالح مشتركة، وإن ما حدث في مصر يعد شأنا داخليا لن نتدخل فيه بأي حال من الأحوال». وكشف زيدان للمرة الأولى عن معاداة «الإخوان المسلمين» له حتى قبل وصوله إلى رئاسة الحكومة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف «منذ ترشحي للبرلمان كانوا أكثر الأشخاص محاربة لي (جماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء)، وهذا ليس سرا، وعندما تقدمت لمنصب رئاسة الوزراء استماتوا في سبيل ألا أصل لهذا الموقع، وهذا أيضا ليس سرا، وعندما تسلمت الحكومة سعيا للوحدة الوطنية دعوتهم للمشاركة في الحكومة وشاركوا على مضض، وخيرتهم بين الوزارات فتسلموا وزارات النفط والاقتصاد والشباب والإسكان والكهرباء ومنصب نائب رئيس الوزراء من أجل أن تكون اللحمة الوطنية وأن يكون هناك وفاق وطني». وتابع «لا احد يستطيع أن يزايد بأن رئيس الحكومة ضعيف وأداء الحكومة ضعيف، وإذا كان أداء الحكومة ضعيفا فلديهم (الإخوان) خمس وزارات، وهي وزارات مهمة، والوزراء موجودون ولهم مطلق الحرية ومطلق الصلاحية».

وبخصوص زيارته إلى مصر، قال زيدان «لم أذهب لأبارك أو أهنئ، ولكن لأتحدث في العلاقات الليبية - المصرية والمصالح الليبية التي تربطنا بمصر للحفاظ على المصالح والمقدرات، وهي أموال وممتلكات وعقارات وتعاقدات تقتضي منا أن نعالجها».

وشدد زيدان على أن زيارته إلى مصر تفرضها مصلحة ليبيا المقدمة على كل شيء، وأنه لا يستطيع أن يرهن مصلحة ليبيا بمسائل عاطفية أو مزاجية أو انتماء، مؤكدا أن ما يحدث في مصر من تطورات يهم المصريين وحدهم «وأننا في ليبيا لسنا معنيين بمن يحكم مصر لأن ذلك شأن داخلي».

وردا على استياء حزب العدالة والبناء وتبرمه من الزيارة، قال زيدان «أنا زرت مصر من أجل ليبيا، وأنا لست مرتبطا بأي أحد في الخارج لا حزب ولا جماعة. أنا أبايع ليبيا والشعب الليبي».

وكشف زيدان خلفيات علاقة حكومته مع مصر خلال تولي جماعة الإخوان المسلمين للسلطة، حيث قال «عندما تسلمت الحكومة كان الرئيس (المعزول محمد) مرسي رئيسا لجمهورية مصر والسيد هشام قنديل رئيسا لحكومتها وبدأنا معهما علاقات وطيدة والتقيت بالسيد قنديل خمس مرات والتقيت الرئيس مرسي ثلاث أو أربع مرات. وأضاف «بتنسيق مع (الدكتور محمد المقريف) الرئيس السابق للمؤتمر الوطني العام، تحملت أن أوقع على أن يودع محافظ البنك المركزي وديعة قدرها مليارا دولار في البنك المركزي المصري، وهي ليست قرضا، وحاولت أن أضغط على وزير النفط وهو من حزب العدالة والبناء، ووصلنا لاتفاق على تزويدهم بالنفط في عهد الرئيس مرسي، ووضعنا لهم تسهيلات في الأمر للدفع والضمانات التي تقدم». من جهة أخرى، رأى زيدان أن المشاكل التي تواجهها ليبيا ليست بسبب إهمال رئيس الوزراء أو الحكومة، لكنها بسبب الوضع الصعب والمعوق الذي يواجه الحكومة، والذي لا يساعد على الانطلاق ويحتاج إلى الصبر.

وقال زيدان» نحن موجودون في هذا الموقع لأننا قررنا أن نكون فيه من أجل ليبيا ويجب أن نتحلى بالصبر وسعة الصدر، فلا أحد يستطيع أن يزايد على أداء رئيس الحكومة وحكومته، ذلك أن لدى وزرائها مطلق الحرية والصلاحيات». وأشار زيدان إلى أنه لم يعرقل عمل أي وزير في أي أمر، وإن كان هناك من يقول غير ذلك فليقدم الأدلة على ذلك.

وكشف زيدان النقاب عن أن كل المسؤولين المصريين أكدوا له أن مصر لن تكون منطلقا لأي عمل مضاد لليبيا، ولا سببا في زعزعة أمنها، مجددين تأكيدهم على التعاون الوثيق في الجانب الأمني ضد تهريب السلاح والمخدرات وضد المجموعات الإرهابية التي تتجاوز الحدود.

من جهته، قال محمد عبد العزيز، وزير الخارجية الليبي، إن سبب زيارته التي قام بها إلى مصر أخيرا هو الإعداد للاجتماع الخاص لوزراء خارجية اتحاد المغرب العربي باعتبار أن ليبيا تترأس الاتحاد، وتسلم رئاسة مجلس الجامعة العربية من مصر، وتبادل وجهات النظر مع الخارجية المصرية.

وأبدى عبد العزيز، في المؤتمر الصحافي المشترك مع زيدان، استعداد الخارجية الليبية للتعاون مع نظيرتها المصرية في كل الملفات الاقتصادية والأمنية والقضائية والجنائية باعتبار أن مصر تمثل ثقلا وعمقا استراتيجيا مهما لليبيا. وقال «نحن نسعى لأن يكون هناك انتقال ديمقراطي سلس استجابة لتطلعات الشعب المصري، ونتعامل مع أي حكومة أو حزب يحكم مصر».

على صعيد ذي صلة بزيارة زيدان للقاهرة، أصدر الشيخ الصادق الغرياني مفتي ليبيا بيانا رسميا بعنوان «اللعب في الوقت الضائع»، يطالب فيه حكومة زيدان بالرحيل وتقديم استقالتها. وقال «نصيحتي للحكومة أن التمسك بالبقاء مع العجزِ لعب في الوقت الضائع»، يدفع فيه الوطن - لا أقول كل يوم بل كل ساعة - الثمنَ باهظًا، من الأرواح والممتلكات، وتدميرِ المؤسسات، وتدمير الشباب، ونهب الأموال، وفقدان الهيبة، والاستخفاف بالسيادة، وتلك هي دروب ومسالك الفوضى العارمة».

وشدد الغرياني على القول بأن الحد الأدنى لأي حكومةٍ في الدنيا هو شعور الناس بالأمن على أرواحهم وأموالهم، وفي طرقاتهم وأعمالهم ووظائفهم، وبقدرتِها على فرض سيادتها على ثروات الوطن، وكامل ترابه.

وتساءل مجددا أين الحكومةُ ومؤسسات الدولة من هذا كله؟.. مشيرا إلى أن الحكومة قالت في أحد بياناتها إنها لن تصبر إلى ما لا نهاية على الخارجين عن القانون، فمتى يا ترى نهاية هذا الصبر الحكومي، وثروة البلد بأكملها مضى على اختطافها عنوة بقوة السلاح شهر كامل، أو يزيدُ، والمجرمون والخارجون عن القانون منذ توليها في اطراد وازدياد ملحوظ.

وشدد على أن مسؤوليةُ أعضاء الحكومة في هذا وفي غيره مسؤولية تضامنية، مشيرا إلى أن إخفاقها وفشلها يتحمله كل أعضائها، على قدر مسؤولياتهم من دون استثناء.

ورأى أنه «من الظلم البَين للشعبِ الليبي، أن تُمَكّن الحكومةُ وتُعطَى الثقةَ مِن المؤتمر بالأغلبية المطلقة، ولا تُعفى إلا بأغلبيةِ الثلثين، العدل أن يكون ما به التمكين، به الإعفاء».