لبنان: القانون الدولي يفرض استئذان الحكومة قبل «خرق» المجال الجوي

خبراء يستبعدون عبور الصواريخ ضد سوريا فوق أراضيه

TT

تفتح الضربة الأميركية المحتملة على سوريا باب النقاش في لبنان بشأن قانونيتها لجهة إمكانية خرقها للسيادة اللبنانية، وسط اعتقاد بأن الصواريخ التي يمكن أن تُضرب من البحر قد تعبر فوق الأراضي اللبنانية والمجال الجوي اللبناني باتجاه أهداف في سوريا، مما قد يعد انتهاكا لسيادة لبنان الجوية.

ويفرض القانون الدولي أن تحصل الدول المشاركة في العملية العسكرية ضد سوريا على إذن من الحكومة اللبنانية إذا كانت الصواريخ ستعبر المجال الجوي اللبناني، من غير أن يحدد المسافة الجوية لأجواء البلدان، بحسب الخبير في القانون الدولي الدكتور أنطوان صفير. ويوضح لـ«الشرق الأوسط» أن القانون الدولي «يفرّق بين النطاق الجوي والنطاق الفضائي، إذ يستدعي خرق المجال الجوي إذنا من حكومة البلد الذي ستعبر فوقه الطائرات أو الصواريخ، بينما لا يتطلب إذنا إذا كانت الطائرات أو الصواريخ ستعبر المجال الفضائي، لأنه يعد ضمن النطاق الدولي». ويشبه صفير هذا التمييز «بالفارق ين المياه الإقليمية والمياه الدولية»، قبل إسقاطه على النطاق الجوي.

والنزاع الدولي على تحديد المياه الإقليمية والدولية، في ما يخص الحركة البحرية، ينسحب على النزاع لجهة اعتبار الارتفاعات عن سطح اليابسة نطاقا جويا أو فضائيا. ويرتبط استخدام النطاق الفضائي بالقانون الدولي، شأنه شأن البحر العالي، ولا يتطلب إذنا من حكومة البلد، فيما يتطلب استخدام المجال الجوي اللبناني، في حال ضرب سوريا فوق الأراضي اللبنانية «موافقة مجلس الوزراء مجتمعا»، بحسب صفير.

وترجح التقديرات بشأن ضرب سوريا استخدام صواريخ «توما هوك» و«كروز» وغيرها التي تعبر في المجالات الجوية، وليس المجالات الفضائية، بحسب الخبير الاستراتيجي نزار عبد القادر، الذي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الصواريخ «ليست باليستية، وتعبر فوق تضاريس الأرض، ولا تحتاج للتحليق ضمن المجالات الفضائية». في هذه الحالة، يتطلب عبورها فوق الأراضي اللبنانية إذنا من الحكومة، إذا كانت ستعبر فوق لبنان. لكن الواقع، بحسب عبد القادر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني «سيكون مغايرا»، متسائلا «من قال إن الصواريخ ستعبر فوق الأراضي اللبنانية؟». ويعرب عن اعتقاده بأن مساراتها «لن تكون فوق الأراضي اللبنانية، ما دامت هناك مسارات أخرى متوافرة».

ومنذ تداول أنباء الضربة العسكرية المحتملة على سوريا، أكد الموقف الرسمي اللبناني سياسة «النأي بالنفس» ووجوب تحييد لبنان عن التحرك. وشددت مصادر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على أن لبنان الرسمي «كرر تأكيده على تحييد لبنان عن هذه القضية»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس ميقاتي «أعلن هذه القضية مرارا». ويؤكد فرقاء لبنانيون، ممثلون في الحكومة اللبنانية، رفضهم للضربة المحتملة على سوريا، مما يدفع مراقبين للترجيح بأن الحكومة لن تمنح الولايات المتحدة إذنا لعبور الصواريخ في مجال لبنان الجوي، في حال طُلبت الموافقة.

وتستبعد التقديرات عبور الصواريخ فوق الأراضي اللبنانية. ويؤكد العميد المتقاعد عبد القادر أن «الشواطئ اللبنانية ليست أقرب إلى سوريا، من مسارات أخرى»، موضحا أن الصواريخ «يمكن أن تمر فوق إسرائيل وسوريا نفسها، وفوق العقبة في الأردن، ويمكن أن تعبر الصواريخ فوق الأراضي التركية، وأن تُطلق من البحر قبالة السواحل التركية».

وإذ أعرب عن اعتقاده أن الصواريخ «لن تُضرب فوق لبنان»، أكد أن «الولايات المتحدة ليست بوارد خلق حجة تضر باستقرار وأمن لبنان، خصوصا أنها دولة تحترم القوانين الدولية، وإذا كان ليس مصرحا لها بتمرير الصواريخ فوق بلد ما، فإنها لن تقدم على ذلك لأنه يشكل نوعا من الإحراج لها، ومن شأن ذلك أن يسيء للعلاقات بين البلدين».

وأثارت الأنباء عن الضربة مخاوف اللبنانيين الذين يسألون عما إذا كانت الصواريخ ستعبر فوق الأراضي اللبنانية. واتسعت مخيلة السكان للترجيح برؤية الصواريخ التي تسقط في سوريا، من مناطق حدودية في البقاع (شرق لبنان)، ومناطق حدودية في الجنوب مقابلة لسفح هضبة الجولان ومحافظة القنيطرة.

وإذا كان اللبنانيون يرجحون أن تعبر الصواريخ في مسارات لبنانية، فإن التقديرات بشأن المسارات تتفاوت، تبعا لمواقع إطلاقها. ويشرح الخبير عبد القادر المسارات المحتملة بالقول «الترجيحات متفاوتة، إذ يمكن أن تُطلق الصواريخ من أربع مدمرات أميركية موجودة في البحر المتوسط، وقد تطلق من غواصات يحتمل أن تكون موجودة وغير معلن عنها في البحر المتوسط والبحر الأحمر». ويضيف «في البحر الأحمر توجد حاملة طائرات، وفوقها قوة بحرية مؤلفة من 16 مركبا، يمكن أن تستخدم لإطلاق الصواريخ، وعلى متن الحاملة نفسها توجد صواريخ ذكية قد تطلق، وليس ضروريا أن تكون الصواريخ توما هوك». ويصل مدى هذه الصواريخ من طراز «توما هوك» إلى 1000 ميل، ويقدر سعرها بنحو 1.5 مليون دولار، وبإمكانها أن «تُضرب من قبالة سواحل ليبيا في البحر المتوسط، وتحقق إصابات مباشرة بدقة متناهية، تصل إلى إمكان إصابة نافذة في بيت» وفق عبد القادر.

ويستطرد عبد القادر في الحديث عن الاحتمالات الأخرى، قائلا «غارات صواريخ توما هوك ليست مقتصرة على الغواصات، إذ قد تُشن باستخدام الطائرة القاذفة الجوية B2، وهي قاذفة بعيدة المدى، وقادرة على إطلاق 70 صاروخا، ويمكن أن تطير من أميركا إلى شرق المتوسط وتشارك في العملية العسكرية، أو تطير من القاعدة الأميركية في جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي للمشاركة». ويؤكد العميد المتقاعد أن «هناك وسائل كثيرة ومتنوعة للقيام بهجمات صاروخية، وفي حال توسعت العملية واحتاجت لاستخدام طائرات، فإنها ستنطلق من قواعد موجودة في تركيا والخليج أو حاملة الطائرات في البحر الأحمر، وهي قادرة على إطلاق صواريخ ذكية بإمكانها قصف أهداف داخل سوريا من دون أن تطير فوق الأراضي السورية عن بعد مئات الكيلومترات».